لا اعتقد ان المطلع على الخطاب السياسي العراقي ويمكن القول العربي في الغالب يمكن ان يقول ان هذا الخطاب يساعد، في تقصير المسافات او ايجاد الحلول او التصالح او حتى التساوم من اجل ايجاد الحلول، لاي معضلة تواجه هذه البلدان. ففي الوقت الذي اوجدت السياسية او برزت على السطح كاحد الضروريات الاجتماعية لحل المشاكل، فان الكلمات او المصطلحات هي التي توضح السياسية وتفتح ابواب الحوار. ولكننا نرى ان ما يحدث الان في السياسية العراقية و العربية ان السياسية هي ممارسة فعل انتقام من الاخر اكثر مما هي مفتاح لحلول.
ومن هنا يمكننا الجزم ان السياسيين في الغالب لا يؤمنون حقا بتعددية الرؤى والاجتهادات، بل جل اعتقادهم الحقيقي هو انهم على الحق والاخرين على الباطل وعلى طول الخط. وجزمنا هذا لم يأتي اعتباطا، بل بالحقيقة ان استنكار والخوف من التعددية هو نتاج تراث هائل من وحدة القرار وان الحاكم دوما على صواب، ومن الناحية الدينية الجمود في الافكار الدينية والتي لم يدخلها اي تحديث. كل هذا جعل من قبول الاختلاف والتعدد يدخل في خانة الرغبة في التقسيم والانشطار والضعف او الاستيلاء على ما لا يحق له.
يطغي على الخطاب السياسي وعلى مطالب السياسيين من اقرانهم كلمات وصفات غير محددة، مائعة تقبل هذا التفسير ونقيضه، والحقيقة لم يتم الاتفاق على معناها بين الكل، مثل الوطني، الشريف، المخلص، الصادق الاصيل، النزيه. وحينما يطالب سياسي ما بهذه الصفات ووجوب توفرها في خصمه، سؤاء كان الخصم في الحكم او المعارضة، يعني ان الاخر لا يتمتع بهذه الصفات، بل يتمتع بعكسها وان لم تقال. والاخطر ان طالب الصفات اعلاه، يمكن ان يقولها رئيس الوزراء حينما يواجه معارضة، او تقولها المعارضة حينما تعارض خصومها في الحكم.
ولكن ما معنى الشريف مثلا، الشريف عن ماذا، هل معنى انعدام الشرف هي علاقة خارج اطار الزوجية مثلا، او انها القيام بالسرقة، او القتل، وعندما نطالب الجميع بهذه الصفة هل نتهم ان من لا نتعاون او نتعايش معهم في اطار قانون يساوي بيننا هم غير شرفاء وقد قاموا بكل الامور التي تسلبهم شرفهم؟ بالحقيفة انه لا معنى الا هذا، الا اذا كنا لا نعني بهذه الكلمات معناها الحقيقي ولكننا نطلقها على عواهنها فقط وفقط لكي يكون لدينا ما نقول. في الفرضية الاولى يكون مطلق هذه الصفات على الاخرين، حتما ايضا متمتعا بهذه الصفه، لانه يدرك ما فعله خصمه من افعال تخرجه من فئة الشرفاء ولكنه لا يقدم هذه الافعال للقضاء لكي يلاقي جزاءه وهو من المفترض ان يقوم بذلك كونه يعمل في الحقل العام والذي من واجبه حماية حقوق المواطنين، ومن هنا يمكننا ان نسأل اليس من حق الوطن واجهزة العدالة فيه ان تحاكم من يقول انه يعلم او يعرف وله ملفات حول ممارسات خصومه، او انه كان يمتلكها او يهدد بكشف ما لخصومه من الملفات؟. او ان الفرضية الثانية هي الصحيحة وهي طرح الكلام على عواهنه وفي هذه الحالة لن تبقى مصداقية لاي كلام يقال، وبالتالي فان السياسة ستكون فن اللغو.
((ان العراقيين الشرفاء)) او اي صفة ايجابية اخرى مثل المخلصين الصادقون، هي في الغالب جملة الافتتاح في الخطاب السياسي الموجه، ولكن مرة اخرى من هم هؤلاء العراقيين الشرفاء والذين يتم توجيه الخطاب اليهم، ومن هم النقيض، وكيف يعيشون سوية وفي نفس الاجواء من حرية الممارسة، الشرفاء يمارسون الشرف والاخرين يمارسون ما يناقضه وبكامل الحرية والدليل ان هناك خطاب موجه اليهم. فالخطاب الموجه للعراقيين الشرفاء، هو في ان نفسه موجه للنقبض، لانه يشملهم بالنقيض حتما.
هنا من حقنا ان نسأل كيف يمكن لمثل هذا الخطاب ان يتواصل وان يوصل رسالته، كيف يمكنه ان يدرك ان الناس مصالح وليسوا الاة اخلاقية فقط، فالذي يحكم يحكم بحسب نظرته للامو والنابعة من فهمه ومن مصالح القوى التي تدعمه، وما يجعل الناس تختلف هو بالحقيقة هي المصالح، فحتى الخائف ومعارض سرقة المال العام دافعه الاساس ان ما تم سرقته هم جزء من حصته وليس القيم المجردة، ان القيم المجردة تبقى غطاء قانوني الذي يحرم اخذ او اختلاس ما لا تملك او ما لا حق لك فيه.
هذا الخطاب الذي يقسم المواطنين وبضمنهم السياسين الى اخيار واشرار، امناء ولصوص، وطنيين وعملاء، ادى الى تقاسم خيرات الوطن بين المتنفذين من كل طرف. والى وجود نوع من التواطء بين الحاكم والمعارض، لتوزيع الحصة حسب القدرة والامكان، وخروج المواطن خالي الوفاض منها. هذا الخطاب هو الذي قدم لنا نماذج غاية في الغرابة من السياسيين الذين يتحولون بين ليلة وضحاها من هذا الطرف الى الاخر، من لصوص وارهابيين الى وطنيين يكشفون اللصوص والارهابيين، في عملية كسب المواقع تجاوزا على كل متطلبات العدالة.
المطلوب ليس من السياسيين فقط، بل من وسائل الاعلام وكافة النشطاء اعادة صوغ الخطاب وتوضيح مقاصد الكل من اي مشكلة من خلال توضيح المصالح المتضاربة وكيفية الحوار حولها وتقريب المختلفين بعضهم من البعض من خلال مساومات سياسية واضحة وادراج كلمة المساومة السياسية في القاموس السياسي ككلمة ايجابية وليس السلبية، فالوطن هو بالنهاية ما يتفق ابناءه حوله، وما يحددونه من السياسات وليس كلمات اخلاقية ولكن في النهاية نمارس نقيضها. ولو عدنا الى كلمة المساومة كمثال فانها تعتبر من الكلمات التي تنتقص من مكانة اي شخص، وهو اتهام سياسي يوجه الى الاخر، ولكن الحقيقة ان جلسات الحوار والنقاش حول البرامج والخطط ومبادئ الحكومة التي عليها وبمعاونة الاجهزة الاخرة ادارة شؤون الوطن، هو بالنهاية حوار حول توزيع الحصص اي المساومة على نسبة هذه الحصص، وكل حسب قدرته الانتخابية او عدد مؤيديه في مجلس النواب.&
التعليقات