أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك. قول مشهور للخليفة العباسي هرون الرشيد وهو يخاطب غيمة کدلالة على سعة ملکه و سلطانه، لکن في هذا الزمان هنالك غيمات من نوع مختلف تماما، فليس بالضرورة أن تکون الغيمة في کبد السماء وانما تجري على الارض و بدلا من أن تمطر ماءا تمطر دمائا کما هو الحال مع تنظيم الدولة الاسلامية الذي ظهر على حين غرة و تفوق على کل النماذج الارهابية الدينية الاخرى وصار فجأة(مالئ الدنيا و شاغل الناس) مع الاعتذار للمتنبي.

الظهور الدراماتيکي الغريب من نوعه لتنظيم الدولة الاسلامية و صيرورته على حين غرة الخطر و التهديد الاکبر للسلام و الامن و الاستقرار في المنطقة و العالم، ليس يلفت النظر فقط وانما يرسم أيضا أکثر من علامة إستفهام و تعجب على بقائه و إستمراره على الرغم من الحرب العراقية الاقليمية الدولية الشاملة التي يتم شنها ضده أرضا و جوا، والانکى أن هناك تصريحات متضاربة بشأن إستمرار الخطر"الداعشي"لأعوام متعددة أخرى، وهو مايدعو و يدفع بالضرورة الى السعي من أجل قراءة مابين السطور و ترك"الجعجعة"و"التهويل"الاعلامي الغريب من نوعه للدولة الاسلامية التي ولدت فجأة و بدأت بذبح بني البشر کالنعاج.

تبادل الرسائل بين الکاوبوي الديمقراطي اوباما و بين من يصفه الاعلام الرسمي الايراني ب "ولي أمر المسلمين"، خامنئي، والاتصالات الهاتفية الحميمة قبل ذلك بين هذا الکاوبوي و بين الرئيس المعتدل المصلح"على الورق فقط" روحاني، و النزهة البريئة التي جمعت بين وزير الخارجية الامريکي کيري و نظيره الايراني ظريف، لم تکن مجرد صدف او أمور إعتباطية ليس هناك مايبررها، ذلك أن هناك"ظروف"و"أوضاع"و"مصالح" مشترکة قد قادت الى هذا المفترق المثير للسخرية قبل أي شئ آخر، خصوصا فيما لو نظرنا بروية و هدوء بالغين لما جرى و يجري في"التراجيکوميديا الداعشية"، وعلاقة و ترابط ذلك مع واشنطن و طهران.

نفط داعشي يباع لتجار إيرانيين عبر وسطاء کرد و عرب، سلاح يتم إرساله لداعش عبر طائرات (يريدونها) مجهولة، ألوف الأطنان من الاسلحة الامريکية يتم بيعها للعراق و دول أخرى في المنطقة و أسلحة إيرانية"خردة" تباع للعراق بأکثر من 10 مليار دولار، هذا ناهيك عن مايستفيد منه السلطان أردوغان من هذه الغيمة الدموية، وبعد کل هذا يريدوننا أن نصدق بأن داعش تنظيم ظهر من تلقاء نفسه و لهس له من علاقة بواشنطن او طهران او أنقرة؟!

في المؤتمر الاخير الذي أقيم في المجلس الاوربي في ستراسبورغ و الذي تسنى لنا الحضور فيه، تحدثت الزعيمة الايرانية المعارضة مريم رجوي عن الظاهرة الداعشية بقولها:" توسع تنظيم داعش وانتشاره اثار قلقا بالغا في المجتع الدولي، لكنه لما كان هناك مناخ فكري وعقائدي ملائم لظهور مثل هذا التنظيم ونموه في ظل قوة متطرفة حاكمة، من جهة أخرى لو لم تكن هناك حملة التنكيل والقمع بحق السنة في العراق وفي سوريا من قبل النظام الإيراني والانظمة المتحالفة والصنيعة له لما تهيأت الاجواء لاتساع ونمو داعش"، مضيفة بأن" حكومة بشار الأسد التي فتحت الطريق بصورة غير مباشرة لنشوء هذا التنظيم في سوريا واتساعه."، لکن وکما نرى أن واشنطن تقود الحرب جوا فإن طهران تقود الحرب برا، وکلاهما"يفيد و يستفيد"أکثر من الجميع، وفي ضوء ذلك يستمر"الکذب و التزييف الامريکي" جنبا الى جنب "نفاق المعممين"في طهران حتى إشعار آخر.