الاقتصاد للحمير!

في هذه الحلقة نريد تسليط شيئ من الضوء على الوضع الاقتصادي العام في إيران في ظلّ نظام الملالي. يوما ما تحدّث الخميني عن الاقتصاد وقال «نحن لم نقم بالثورة من أجل الخبز والبطيخ»! وفي مناسبة أخرى عبّر عن مفهوم الاقتصاد في نظام ولاية الفقيه بما لايقبل الشك حيث قال بالحرف الواحد«الاقتصاد يخصّ الحمير»! بعد هذه المقولات التاريخية عن مؤسس جمهورية ولاية الفقيه نشير إلى حديث جديد من رفسنجاني الذي يعتبر ثاني مسؤول في هذا النظام حيث قال في حوار مطوّل أجرته معه صحيفة «جمهوري اسلامي»في 17 من شهر شباط الحالي بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية أن مدخول إيران من النفط خلال الأعوام الثماني لرئاسة أحمدي نجاد كان 800 مليار دولار.

ونقلت صحيفة «عالم الصناعة» في8 يوليو 2013 عن جعفر قادري عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان قوله: « تشير المعلومات والإحصاءات أن مداخيل حكومة أحمدي نجاد من العملة الصعبة قد بلغ 720 مليار دولار خلال ثمانية أعوام. بينما بلغ دخل ثلاث حكومات سبقتها- حكومات خامنئي ورفسنجاني وخاتمي- 432 مليار دولار من حيث المجموع بمعنى أن جميع مداخيل الحكومات السابقة قد بلغ 75% من دخل حكومة أحمدي نجاد. كما ارتفع سعر الدولار في عهد هذه الحكومة من 902 تومان إلى 3400 تومان».

هذه الأرقام تكرّرت مرات وعلى لسان رجال حكومة روحاني، كما أن إحصاءات منظمة الأوبيك تشير إلى «أن عوائد إيران من تصدير النفط الخام قد بلغت ما يعادل 1010مليار دولار ما بين عام 1981 و2012»، وحصلت حكومة أحمدي نجاد في ثماني سنوات على «578 مليار دولار» منه، أي«ما يعادل 57% من مجموع العوائد النفطية في البلاد خلال 32عاما». وإذا قارنّا هذه المبالغ الهائلة بمدخول النفط قبل مجئ الملالي على السلطة نجد أنه كان أقل من عشرة بالمئة من هذه الأرقام. وهذا يعني أن إيران الملالي وفي عهد حكومة كانت أوفى حكومة بولاية الفقيه- أي حكومة أحمدي نجاد- حصلت على مداخيل من النفط خلال ثمانية أعوام تساوي جميع مداخيل إيران من النفط منذ أكثر من مئة عام! فإذا كان هناك نظام تهمّه رفاهية الشعب وحاجاته لأصبحت إيران جنة خلال هذه الأعوام.

لكن حسن روحاني عند ما جاء إلى الرئاسة أعلن أن النمو الاقتصادي في البلد كان سلبيا خلال عامين على التوالي وذلك لأول مرة منذ نهاية فترة الحرب الإيرانية العراقية. وأضاف أن إيران تواجه تضخماً بنسبة 42% بالإضافة إلى البطالة... ونوّه إلى أنه إذا استمر الوضع على حاله مع وجود أربعة ملايين طالب على مقاعد الدراسة فستشهد إيران خلال أربع أو خمس سنوات قادمة ما بين أربعة إلى خمسه ملايين خريج جامعي عاطل عن العمل.( إذاعة ألمانيا ـ 14 يوليو 2013 ). كما أكد صندوق النقد الدولي في 11أكتوبر 2013 أن إيران ستحتلّ المركز الأول للتضخم في العالم نهاية العام نفسه، وتصل نسبة التخضم إلى 3/42%. كما نقلت صحيفة «عالم الإقتصاد» ـ أغسطس 2014 عن صندوق النقد الدولي أن إيران كانت هي الدولة الوحيدة في العالم التي أصيبت بـظاهرة«الإنكماش مع التضخم» في آن، ما بين 188 بلداً من أعضاء هذه المؤسسة.

ونقلت قناة جام جم التلفزيونية في 30 مايو 2013 عن حسن روحاني قوله: لقد وصلنا اليوم إلى حالـة نرى فيها حجم السيولة ارتفع من 68ألف مليار تومان في عام 2005 إلى أكثر من 450ألف مليار تومان، وهذا يعني أن حجم السيولة عندنا قد ازداد حوالي سبعة أضعاف. كما ارتفعت أسعار السلع خلال المدة ذاتها إلى ثلاثة أضعاف.

وقد أشار محمد شريعتمداري مساعد روحاني للشؤون التنفيذية إلى مؤشرات الفساد المالي في البلاد بقوله في 8 يناير2014: : «وفقا للإحصاءات العالمية تراجعت إيران في مقياس الفساد المالي 56 درجة خلال الثماني سنوات الأخيرة حيث احتلت المركز 144 من بين 177بلداً. ومن هذا المنطلق لا يمكننا أن نرفع رؤوسنا». كما توقّف أمام إعلان المصرف المركزي للنظام في 21 يناير 2014: أن أكثر من 5،28% من المؤسسات المصرفية قد أصبحت تحت سيطرة 173شخصا. وبحسب ما أعلنه المصرف المركزي فإن ديون هؤلاء الـ173 شخصاً للنظام المصرفي تبلغ أكثر من 50مليار تومان (16 مليار دولار). وقال عزت الله يوسفيان عضو برلمان النظام في حديث له لوكالة الأنباء الرسمية بتاريخ يوليو 2014: «تبلغ الآن مجمل السيولة في البلد ما يقارب 400ألف مليار تومان، منها ما يقارب 100ألف مليار تومان تحت تصرف 600 شخص بفعل التسهيلات المقدمة لهم والاعتبارات المختلفة الأخرى».

و نتيجة هذه الحالة من الفساد والتراجع جاءت في التقرير الصادر بعد المئة يوم الأولى على تشكيل حكومة روحاني نقلاً عن وزير الاقتصاد في حكومته بقوله «وكانت خلاصة توفير فرص العمل خلال الأعوام من 2006 إلى 2011 أربعة عشر ألف مهنة لكل سنة فقط»؛ في الوقت الذي تشير فيه التقارير الرسمية إلى التحاق ما يقارب 5ملايين خريج من المؤسسات التعليمية العليا بعدد العاطلين الحاليين... وتوقّع زيادة الباحثين عن العمل إلى ثمانية ملايين على الأقل.

وفي مجال الاستيراد والتصدير كتبت صحيفة اعتماد في 2آذار 2014 «حطّم استيراد الأرز الإيراني في عام 2013 الرقم القياسي حيث تجاوز مليون و776ألف طن خلال 11شهرا من هذا العام وبنسبة نموّ تقترب من 60%، أما بالنسبة للسكّر فإن الإحصاءات الصادرة تشير إلى أن إيران تعتبر من ضمن ثلاثة أكثر بلدان العالم استيراداً للسكّر في العام 2012. (مع التذكير بأن إيران كانت من الدول المصدّرة لهذه السلعة سابقاً).

ووفقا لإحصائية الجمارك، تم استيراد أكثر من مئة سيارة فخمة من شركة «بورش» (أغلى السيارات في العالم). كما اتّسع إطار نوعية السلع التي تستورد من الصين حتى وصل إلى استيراد المصاحف وسجادات الصلاة وشواهد القبور وتعدّته إلي عيدان الآيس كريم بمبالغ لاتُصدّق وصلت إلى 240مليار تومان سنويا!

لاحاجة إلى التأكيد أن إيران فيها من الثروات والخيرات والمعادن والمناجم ما يمكن أن يعيش عليها مئات الملايين. على سبيل المثال تمتلك إيران 1/9% من مخزون النفط الخام في العالم و 16% من مخزون الغاز، كما أن الزراعة الإيرانية كانت مصدراً لتصدير المنتوجات الزراعية إلى العالم من القمح والسكر والرطب وغيرها. والصناعات اليدوية الإيرانية والسجاد بشكل خاص كان من أهم التصديرات و..

فما هو السبب وراء هذا الانكماش والركود؟

شرحت إذاعة أوربّا الحرة في 9 أكتوبر 2014 جانباً من أسباب هذه الحالة الاقتصادية في نظام ولاية الفقيه بقولها:

«يكمن المرض الاقتصادي ومشكلة المجتمع الإيراني في الرأسمالية النفطية الحكومية ويعود ذلك للأسباب التالية:

1. عدم دفع الضرائب من قبل جهاز القيادة وأعداد كبيرة من الإيرانيين الأثرياء المقربين من الحكومة ممن يملكون القطاعات الاقتصادية المختلفة في البلد. الأمر الذي يُحوّل الحكومة في هذه الحالة إلى موزّع ومكرّس للفقر وللشروخ الطبقية.

2. وجود جانب ملحوظ من اقتصاد سري في البلاد تشرف عليه المؤسسات العسكرية والأمنية. (أرصفة في البحر للتهريب، على سبيل المثال، متخصّصة لتهريب حوالي 95% من كمية الهواتف المتنقلة التي تبلغ قيمتها ملياري دولار في السنة).

3. تمتلك الحكومة ما يقارب 80% من الاقتصاد الإيراني وتصبّ عائدات الربح الناجمة عن ذلك في جيوب أقل من 1% من سكّان البلاد (أي الملالي وعناصر قوات الحرس والمقرّبين منهم) ممن يعتبرون من المقرّبين والموالين للولي الفقيه.

4. تدخّل المؤسسات الأمنية والعسكرية في الاقتصاد الرسمي للبلد وجعل السوق غير تنافسي. وجعل ما يقارب من أربعين مليون من سكّان البلاد يعيشون على ما تدفعه لهم الحكومة والسلطة...»

وهناك النخبة التابعة للملالي الكبار ولقادة الحرس الذين يستخدمون سيارات مازراتي وبورشة و ينشؤون ويتاجرون بالمنازل البالغ سعر كل واحد منها بضعة ملايين دولار دون أن يدفعوا ضريبة لها و... فكان الخميني قد أصاب الحقيقة عندما قال كلامه المعروف «الاقتصاد يخص الحمير»!