العنوان اعلاه، ليس مطابقا تماما لما تحويه هذه المقالة، الا انه اي العنوان كان يطرق على عقلي وكأنه يحث على الظهور ومهما كانت المبررات. هل هناك علاقة عكسية بين الضعف وتصاعد المطالب، بمعنى هل كل ما يضعف المرء او الشعب، تتصاعد مطالبه، وبما لا يتوافق مع قدراته الادارية او السياسية او الديمغرافية، انها حالة الصعود الى عنان السماء، حينما لا تتناسب المطالب مع القدرات و واقع الحال. في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وعند تأسيس لجنة لشؤون المسيحيين، والتي ارتبطت بقيادة الثورة الكوردية، وكانت برئاسة المرحوم كوركيس مالك جكو، التحق بعض الشباب بهم وكانوا مندفعين جدا ويدعون الى تحرير نينوى، فقال كلمته، كوري كافانا (قرية اشورية وكانت قريته) ضاعت من ايادينا، وهؤلاء يطالبون بنينوى!
&
جدليا، لا يمكن باي حال من الاحوال، تجريد الشعب الاشوري من حق امتلاك دولته الخاصة (وهذا وضحته من خلال مقالة نشرتها بعنوان،ان من حقنا ان نمتلك دولة)، لانه حق طبيعي لكل شعوب الارض، ولانه مقر امميا بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن الحق القانوني والحق الطبيعي ليس ملزمان سياسيا، وخصوصا عند عدم توافر، مستلزمات معينة لتجسيد هذا الحق. ومنها التواصل والتواجد الديموغرافي على بقعة ارض معينة، والارادة ووجود اجماع او شبه اجماع على ذلك. ومع الاسف ان الخطابات التي يقول بها هذا البعض لا تساعد على ظهور الاجماع ابدا.
&
يجادل بعض الاشوريين من ابناء جلدتنا، بان الارض تاريخيا هي للشعب الاشوري، وهذا قد لا يمكن نكرانه، وخصوصا حينما يقترن الكلام بصفة تاريخية، ولكن مرة اخرى السياسية لا تتعامل مع ما كان بل مع ما هو واقع والمثل الاشوري يقول ما ترجمته لا تقل ابي واباك، بل قل حملي وحملك (ما تقدر على حمله). ويحاول البعض تشبيه قضية شعبنا بقضية الشعب اليهودي او العبري، ولذا فانه لا مانع لديهم من هجرة ابناء شعبنا كلهم، ومن ثم عودتهم المظفرة، وهنا هم يتناسون ان اليهود، قبل تطبيق مبداء المطالبة بالدولة، بنوا اسس واقعية لقيام دولتهم، واهما كان تواصل سكاني جغرافي وحضور ديموغرافي معتبر، وبنية اقتصادية وعلمية اقوى مما لدى جيرانهم العرب، هذا ناهيك عن قوة عسكرية قوية توحدت جميعها تحت قيادة واحدة، عدا منظمات متطرفة صغيرة ولكنها فاعلة. ففي زمن قرار الامم المتحدة بتقسيم ارض فلسطين، كان عدد اليهود بحدود 14% من السكان، وقد قرروا بغالبيتهم ومن خلال ممثليهم المطالبة بدولتهم الخاصة.&
&
بل يطالب البعض وبما ان الارض تاريخيا اشورية، فليس من حق اي كان ان يسكنها او ان يستافد منها وان بقت فارغة او غير مستغلة، وهذا تعامل قروي ساذج، ينقل التعامل مع الممتلكات الفردية في قرية ما الى مدى اوسع وهو التعامل مع اراض شاسعة وخصبة. فبالرغم من عدم واقعية المطروح، لان الناس لن تنظر الى اراض فارغة صالحة للزراعة وهي تبور وتخرب، كما ان اي دولة مسؤولة لن تقبل ذلك، لانه يعتبر تخريبا اقتصاديا متعمدا. من هنا فان الدولة المسؤولة وان لم تمنح الارض كملكية خالصة للفلاح، الا انها ستعمل على الاستفادة منها، لانها بالنهاية استفادة جماعية، وهذا واضح في التعامل مع ممتلكات اليهود العراقيين الذين هجروا في نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات القرن الماضي، فحولت الى عرصات تباع لسنوات محددة وبعدها تعود للدولة. وليس لي علم حقيقي عن اراض شعبنا في تركيا، وكيف تصرفت بها الحكومة التركية، حقا، ولكن حسب معلومات متناقلة فان الحكومة التركية ايضا تؤجرها لمدة تسعة وتسعون عام لشخص يقوم باستغلالها لصالحه ومن ثم تعود للدولة او تصبح ملكا صرفا للشخص المؤجر وهذا عائد للقانون الساري المفعول.
&
من هنا نستنتج ان حكومة اقليم كوردستان لا يمكنها قانونيا التصرف بالممتلكات الفردية لابناء شعبنا الاشوري، وخصوصا بالبيع او الشراء او غيرها، الا لدواعي مثل المصلحة العامة. وحينها عليها تعويض المتضرر او ورثته او وكلاءه تعويضا مجزيا. ولكن نحن هنا لا نناقش مثل هذه الاوضاع، بل نناقش، الوضع القانوني او الفضاء القانوني الذي تخضع له الارض التاريخية تلك، فحتى لو افترضنا، اقرار الجميع وهذا حاصل من خلال الحوار النفاقي الشائع، عندما يقر الجميع بان الاشوريين هم الاقدم وهم اصل الوطن وغيرها من التعابير، فان الامر الواقعي لا يتغيير، لان القانون الحاكم هوالقانون الذي وضعته القوة المسيطرة على الارض فعليا.
&
طبعا وقانونيا ايضا، علينا التكلم بالقانون وليس بالعواطف التي لا تعرف الحدود، لا يمكن تجريد الكورد من مواطنيتهم ولا من كونهم اصلاء، اولا ينهم متواجدين قبل وجود الدولة العراقية وهي قبل كل من كان موجودا قبل تاريخ معين كمواطن،والامر الثاني اننا لو ادركنا ان الكثير منهم هم من ابناء شعبنا او المسيحيين الذين كانوا يقطنون هذه البقاع، ونتيجة اعتناقهم الدين الاسلامي، تجردوا من لغتهم واغلب عاداتهم، وهو امر مؤسف، الا انه حدث لان اللغة التي نتكلمها لها خصوصية مسيحية، وقداسة اتت من كون كل كتبنا الدينية بهذه اللغة. فهل تسقط الاصالة بالتحول الديني، حينها ستسقط اصالتنا لاننا تحولنا الى المسيحية.
&
مرة اخرى القضية ليست رفع شعارات وخداع السذج الذين لا يمكنهم معرفة الحقائق، بل في الغالب تسيرهم العواطف. ان من واجب السياسي ان يواجه شعبه بالحقائق وليس من واجبه ان يخدرهم ويوعدهم بالجنة وهم ينزلقون الى الجحيم. لقد فعلها من قبل بعض الحكام والنتائج مرئية امام اعيننا على طول وعرض المنطقة.ان البعض يتهمني بتهم شتى، ولكن لا مجال للعواطف في عالم السياسة البارد حتى الانجماد. انه عالم المصالح والتوازن بينها، ولذا فعلى الاشوريين ان يعملوا من اجل الحد من الخسائر وزيادة المكاسب، وليس من واجبهم لعب دور القاضي من يستحق ومن لا يستحق، وبالاخص ان لا احد مستعد ان يستمع اليهم.
&
مشكلة بعض الاشوريين، ليست كيف تتقدم امتهم ويستقر شعبهم ويتطور مفهومهم للحقوق، بل هي كيف ينكرون على الاخرين حقوقهم، في تكرار للموقف التركماني السابق، في حين ان في العالم وفي العراق وفي بيت نهرين متسع من المكان ليتمتع الجميع بحقوقهم. فالكورد تطوروا في طرح مطالبهم السياسية، من اللامركزية الادارية الى الحكم الذاتي ومن ثم الفدرالية والان هم بحكم التمتع بالكونفدرالية ويطرحون الانفصال ليس كخيار نظري، بل كامكانية واقعية، والدولة الاكثر تضررا او عداء لمثل هذا الانفصال (تركيا) تستقبلهم وتسمح بدخول قواتهم وبالاسلحة وبرموزهم القومية اراضيها لكي يعبروا الى كوباني، في حين ان نفس الدولة جردتنا كلنا نحن الاشوريون والكورد والشيوعيين وغيرهم من اسلحتنا لكي تسمح لنا العبور الى ايران، ونحن مهددين بالابادة، الى ايران ابان الانفال عام 1988، فهل يستوعب البعض مدى التغييرات الحاصلة؟
&
من هنا عندما نطرح اراء بخصوص مستقبل الاشوريين، ليست الغاية، افادة الاخرين والقبول بان يصيبهم الضرر او دعوتهم للسكنية والاستسلام، ولكن نحن نطرح الممكن والذي يمكن لهم فيه ان يستفاد، دون ان ننكر ان الاخر ايضا قد يستفاد. اليوم مطلوب من القوى السياسية الاشورية ان تعمل من اجل توحيد رؤياها الحقيقة، وكفى لها ان تلعب اللعبة الخبيثة المتكرر والتي تلحق الكثير من الاضرار بمستقبل الاشوريون، فبعض الاطراف، يقبل بكل ما يملي عليه، ولكنه في المهجر يلعب ورقة التعصب والعداء للاخر، ليس هذا بل المزايدة في العداء لكسب بعض الاصوات. يجب ان ندرك ان مستقبل الاشوريين اهم من كل احزابهم وقياداتهم، وهي التي اتت لخدمة الشعب ولتحقيق اماله المستقبلية وليس العكس.