جرت العادة ملاحظة أن من يضع شروطاً مسبقة على الطرف الآخر من المفروض عليه أن يكون بمقام من يمتلك مؤهلات السيادة في القول والفعل، ومن الضروري أن يكون واضع الشرط قوي وصاحب قرار ومكتفي بذاته، وفي مقارنة بسيطة بين الشروط التي فرضتها حكومة أردوغان لفتح المعابر التركية المطلة على مناطق إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، والشروط التي أعلنها السيد عبدالكريم صاروخان مسؤول هيئة الدفاع في كانتون دحام الهادي الجربا، نرى بأن الأول لا شك يمتلك زمام قراراته ومسؤول عما يقوله أمام شعبه وحكومته، أما السيد صاروخان فهل حقاً هو صاحب القرار فيما يصرحه لوسائل الاعلام؟ أم أن ثمة من يملي عليه الشرط ومطلوب منه فقط إبلاغ الناس بما تم إملاءه عليه؟

وإذا كان أتباع صاروخان يعتبرون أردوغان عدواً لتطلعاتهم من خلال كل ما يقوله عن كرد سوريا عبر وسائل الاعلام، وبناءً عليه فإن العدو يُعبر عن غايته المبطنة من خلال التسريبات الاعلامية، ولكن أليس صاروخان أيضاً يعتبر البيشمركة أعداء له توازياً مع أردوغان؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا هذا التطابق بين موقف العدوين؟&

وقد عُرف من خلال وسائل الاعلام أن لفتح البوابات الحدودية بين تركيا ومناطق نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي ثلاثة مطالب أو شروط تركية رئيسية، وذلك وفقاً لما صدر عن نائب من حزب العدالة والتنمية فإن الشروط التي تطلبها انقرا من PYD لفتح المعابر الحدودية هي أولاً: السماح بعودة جميع سكان منطقة تل أبيض، بمن فيهم العرب والتركمان، وثانياً: إنزال أعلام الاتحاد الديمقراطي في المدينة، ورفع علم الثورة السورية، وثالثاً: تكوين إدارة مدنية للمدينة تتمثل فيها جميع المكونات الاثنية، وانسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي خارج المدينة، وبعيداً عن البوابة الحدودية، وبدون التدخل في إدارة الشؤون المدنية، هذه كانت شروط حكومة أردوغان على الاتحاد الديمقراطي بعد لقاء صالح مسلم عدداً من المسؤولين الأتراك في أنقرة.

عموماً ليس من المستبعد قبول الاتحاد الديمقراطي بالشروط التركية أعلاه، طالما هي غير تعجيزية وقابلة للتطبيق وقريبة من الواقع، وهي بالنهاية شروط دولة عدوة وهذا هو الاسلوب الخطابي للعدو في التعامل مع عدوه.

&بينما إذا انتقلنا الى لغة واسلوب السيد صاروخان من خلال ما تم تبثه عبر وسائل الاعلام فنلاحظ بأن ملفوظاته كانت أكثر حدة وقسوة في خطابه الموجه للصديق الكردي المفترض ألا وهم البيشمركة، حيث نقل على لسان هذا المعتبر صديقاً وهو يقول: سنكون للبيشمركة بالمرصاد فقارنوا بين خطاب الدولة التركية العدوة، وما قاله عبد الكريم صاروخان رئيس هيئة الدفاع في كانتون الجربا، ولا يخفي على أحد أن كلمة المرصاد تعني أنه سيحارب أية قوة أخرى غيرهم تدخل إلى المناطق الكردية وسيقف بوجهها بكل ما أوتي من قوة، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على أن العقيدة التي يحملها صاروخان هي التي تدفعه لإطلاق هكذا تصريح، حيث سبق واستعملت هذه الكلمة لأول مرة عندما حاولت داعش الدخول إلى المناطق الكردية في سوريا، واليوم تستعمل هذه الكلمة للمرة الثانية ضد دخول البيشمركة إلى نفس تلك المناطق لا لقتل أطفالها ورجالها ونسائها كما يفعل داعش طبعاً، إنما لكي تدافع تلك القوة عن ما تبقى من الارض وكرامة الناس هناك.

وقد أكد صاروخان بأنهم سيقفون في وجه البيشمركة إذا فكروا بالدخول إلى المناطق الكردية كقوة عسكرية مستقلة، فأن يكون للأخوة العرب عشرات الألوية والكتائب فهذا وارد، وأن يكون للسريان قوة مستقلة وخاصة بهم فهذا أيضاً وارد، وبهذه المناسبة نذكر بأن ثوار الرقة وبركان الفرات وغيرهم من الكتائب يعملون بشكلٍ مستقل وفقط غرفة عملياتهم مشتركة مع ypg، بينما الشمولية العقائدية لحزب الاتحاد الديمقراطي لا تسمح بوجود أية قوة كردية ثانية بموازاتهم مهما كانت الأسباب!.&

وشروط السيد صاروخان المحسوب صديقاً كما تم قراءتها لم تكن أفضل من شروط "العدو" ذلك الممثل بالدولة التركية، حيث قال صاروخان بأنهم لا يمانعون دخول البيشمركة ولكن من خلال العمل تحت قيادة ypg وبدون قيد أو شرط.&

علماً أن السيد صاروخان نفسه كان قد وصف دخول البيشمركة الى كوباني بالخطوة المهمة ومنوهاً في وقتٍ سابق بأن إرسال قوات من البيشمركة الى جبهات القتال في كوباني لمناصرة المقاومة الكردية بالخطوة الرفيعة و المباركة.

بل وأشاد صاروخان بقوله أن مثل هذه الخطوات تعزز من وحدة الصف الكردي في التصدي لخطر الارهاب، مؤكدا أنها تدل على أنه ما من فرق بين جنوب و غرب كوردستان، كما أبدى السيد صاروخان سعادته وقتها بانطلاق قافلة قوات البيشمركة مضيفاً بأن تحرير كوردستان هو الأهم وليس من يحررها مؤكدا أن لا فرق بين قوات الـ ypg و قوات البيشمركة.

ولكن وبالعودة الى ما وراء تصريحات صاروخان والتمعن فيما يقوله، فبالتأكيد الرجل يعرف ماذا يخبئ له المستقبل إذا ما عادت قوات البيشمركة وعملت بشكل مستقل بعيداً عن مصادرة وحدات الحماية حقهم في فتح الجبهات بعيداً عن أوامرهم، والرجل يدري المأزق الذي سيوضع فيه إن لم تكن تلك القوات تابعة عسكرياً لوحدات حزبه التي تتلقى الإيعاز من قنديل، باعتبار أن ثمة خطة مبدئية واضحة للقاصي والداني لدى حزبه وهي بأنه لن يحارب النظام السوري إنما فقط هدفه محاربة داعش، بينما البيشمركة فلديهم داعش والنظام السوري على سوية واحدة، وربما يفتحون الجبهات مع قوات النظام في أية لحظة إذا ما دخلوا سوريا، وبذلك سيكون الاتحاد الديمقراطي منحرجاً جداً، ولن يعرف او يتحكم بعواقب المسألة هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى فمعروفٌ بأن البيشمركة لم ولا ولن يفرضوا أنفسهم بالقوة، كما هو الحال مع سلطة الأمر الواقع التي فرضها الاتحاد الديمقراطي وأجنحته العسكرية، وهذا ما سيكون كفيلاً بسحب بساط الولاء تدريجياً من تحت هيكل الاتحاد الديمقراطي الذي فرض نفسه بالقوة على الشارع الكردي، لذا فإن هذين السببين فقط هما وراء القلق الذي يبديه الاتحاد الديمقراطي في حال عودة البيشمركة، وسيزول هذا القلق المزمن طبعاً إذا ما قبل البيشمركة شروط صاروخان وعملوا بأمرة حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري.