من عادة بعض المتعلمين أو المثقفين الكرد الذين يكون منسوب الحس القومي لديهم أعظم من سواهم، أو أكثر ارتفاعاً من جميع المناسيب الأخرى التي تستكمل هوياتهم القومية، البدء في قدح وذم صلاح الدين الايوبي كلما شعروا بالغبن في مفرقٍ تاريخي ما، قائلين بأن حتى الذين يحترمون صلاح الدين من الملل الأخرى ويأتون على ذكر سيرته بالقول الحَسَن هم يفعلون ذلك فقط لأن مشروع صلاح الدين الديني كان متوافقاً لهواهم، وإلا لكانوا لعنوه فيما لو فشل في عمله وخدمته لهم، بناءً على ما يقول عنه الشاعر الفلسطيني معين بسيسو القائل: " انتصر صلاح الدين فأصبح قائداً عربياً فلو انهزم لصار خائناً كرديا" ومنهم من يستنبط من التاريخ سيرَ الأولين ليستشهد بهم وهو يسوق الحجج تلو الحِجَجِ ليدلل على غباء العقل لدى ملته عبر التاريخ.

فيستشهد المتألمُ من طعنات النوائب على مر الزمن بثورة الخميني التي قامت بمعية الكرد الايرانيين، ومن ثم تبين بعد سنواتٍ من القمع والتجارب المريرة، بأن نظام الملالي أسوأ بعشرات المرات من نظام الشاه الذي كانوا مساهمين في تقويضه.

وقد يأتِ آخر ويشتم ابراهيم هنانو واصفاً إياهُ بالغباءِ لأنه وقف ضد الاستعمار الفرنسي، وذلك بعد أن رأوا بأن النظام الوطني كان أرذل مئات المرات من المستعمر الفرنسي، وقد يكرج في اللعنات وهو يذكر سليمان حلبي قاتِل كليبر، ويتبعهم بأحمد روتو وأحمد بارافي ويوسف العظمة، وكل من ساهم في إيجاد ما يسمى بالدولة السورية التي غدت عالة ليس على شعبها فقط، بل وعلى كل دول المنطقة والعالم أيضاً، فكل واحد من الذين أشرنا اليهم في البدء يستحضر التاريخ وينسى حاضره، حيث أنه لا يزال يمارس غباءه على غرار من يشتمهم ولكن بطرق أخرى لا يراها هو في نفسه، إلا أن من كان بعيداً عنه قد يرى بوضوحٍ عيبه الظاهر في الحاضر.

ومثالنا الحي حالياً هم وأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي، الذين قالوا منذ بداية الثورة السورية بأن هذه الثورة هي ثورة دينية اخوانية، ونحن لا نريد تكرار تجربة الثورة الخمينية، ولسنا معنيين بها، ولكننا والقول لهم بأننا لن نقف بوجه الثورة وسنختار طريقاً ثالثاً، أي لا مع الثورة ولا مع النظام لكي لا نكرر تجارب الماضي حسب زعمهم.

عموماً قد يتم قبول هذا الموقف الصادر عن فئةٍ ما من المجتمع الكردي في سوريا، طالما أن هنالك فئات أخرى مثلها من باقي المكونات وربما أكثر منها من الطائفة السنية الذين لا يزالون مع النظام ويحاربون بسيفه، وكحزب يساري كردي فقد لا يكون عليه الكثير من الحرج إذا ما تم مقارنته بالسنة الذين يحاربون الثورة مع النظام.

ولكن أليس لمن اختار الدرب الثالث أن يلتزم الحيادَ وأن لا يقبل بأن يكون بيدقاً بيد هذه الجهة أو تلك، فيكون عن علمٍ او جهل طوع املاءات قنديل التي يقال إنها تتلقى هي الاخرى الإيعاز من ملالي طهران، ذلك النظام&الذي يدعم بالرجال والسلاح والمال النظام السوري المجرم، بل ولهم اليد الطولى في سفك دماء السوريين من خلال ميليشياتهم المنتشرين على امتداد الخارطة السورية.

وفيما يخص جحا الكردي الذي يتصور بأنه يعرف جيداً عدد الأغبياء الكرد عبر الزمان، ولكنه ناسياً في الوقت عينه غباءه المستدام، إذ تراه في كل شاردةٍ وواردة يأتي بشاهدٍ من التاريخ ليبرر أمام العامة موقف حزبه، فهل فعلاً تراهم لا يعلمون بأن إيران لا تزال تضغط على قنديل والتي هي بدورها تملي شروطها على حزبه، وبأن نظام الملالي هو نفسه الذي أعدم قاضي محمد وقتل عبدالرحمن قاسملو ومن بعدها قتل صادق شرف كندي، ولا يزال مستمراً في قتل الشباب الكرد كل يوم بغير وجه حق، كما أن فريناز خسرواني لم تكن آخر ضحية من ضحايا ذلك النظام المجرم والداعم لنظام الإجرام في سوريا.

وهو النظام نفسه الذي صرح سفيره علي رضا بيكدالي أول أمس في تركيا، بأن على تركيا وإيران التعاون والتنسيق فيما بينهما من أجل منع إقامة دولة كردية في الشمال السوري، مضيفاً أمام الصحفيين من أن ما يتم من توسع لعناصر تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بدعم ومساندة من قوات التحالف الدّولية، في المناطق الشمالية يعتبر مؤامرة ضدّ الدولة التركية هذا كله من ناحية.

ومن ناحيةٍ أخرى إصابة هذا الفصيل بالخداع الدونكيشوتي بعد تحرير كوباني بمساعدة قوات التحالف والبيشمركة، وذلك في قولهم بأنهم سيحررون كل سوريا، حيث كان طيشهم ذاك وغرورهم وجهلهم الأمني سبباً رئيسياً لمجزرة كوباني في25 من هذا الشهر والذي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمئة شهيد بين طفلٍ وشيخٍ وامرأة.

علماً أنهم يعرفون جيداً بأنهم ولو صادفَ وكانوا صادقين فيما يقولونه، وقاموا فعلاً بتحرير كل سوريا من داعش، فلن ينالوا على فعلهم ذاك ولو كلمة شكر واحدة من كل المعارضة السورية، ومعهم طبعاً كل النخب الثقافية والنشطاء الثوريين في سوريا، لذا أما حريٍ بهذا الفصيل أن يعرف موقعه ومكانه المناسب ولا يجر الناس معه الى المهالك بدون مقابل.

يا ترى أما آن لهذا الفصيل أن يقف عند حدودٍ معينه ويراجع تشطيحاته السابقة ويفك الارتباط نهائياً مع الجهات المساهمة في قتل السوريين، وكذلك فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني، ذلك الحزب الذي فشل في كل المشاريع التي طرحها منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويكف بالتالي هذا الفصيل عن بقائه جسراً يعبر عليه كل مشاريع الجيران، الجيران الذين سيشتمونه حقاً فور الانتهاء من حاجاتهم إليه، كقول العراقيين " أنت مثل السمك بياكلوك وبيشتموك".

وفيما يُحاك في كابينات الجاثمين في كل من قم أو القرداحة عن أن الطائفة العلوية تود تشكيل اقليم خاص بها، والدروز على غرارهم ربما يودون تشكيل إدارة خاصة بهم، إلا أنهم لا يعلنون عما يسعون إليه أو يخططون له، ولكنهم سيدفعون الكرد الى خوض السباحة في المستنقع النتن قبلهم، فإن غرقوا فلا بأس بذلك طالما لن يخسروا شيئاً، وإن نجح سيتبعونه، ولكن بعد أن يكون الكردي قد تناول عنهم مئات الطعنات من عموم الشعب السوري والعربي، لذا نقول لهذا الفصيل الكردي الذي يحاسب الغائبين على غبائهم، بأنكم

ربما لا تدرون بكونكم تقبعون في جوف ما تتهمون الأوائل به وفي وضح النهار، ونسألهم عن الغاية من جعلهم من الكردي بأن يكون حقل التجارب في كل مفارق نضالاتكم، يا من تحاسبون في خلواتكم الايديولوجية كل الراحلين على ما فعلوه، ولما كل من لديه مشروع ويريد الوصول الى ضفافه يستخدم من خلالكم هذه الملة كجسرٍ جاهز للوصول إليه؟ ولما إصراركم على أن يدفع هذا الشعب الجريحُ ثمن مشاريع ورغبات الغير؟ حيث يتم تجييش الشارع العربي على طول البلاد بأن الكرد يودون إقامة كيانٍ مستقل، بينما صاحب الفكرة والمشروع يبقى في أمانٍ ولا تناله أية اتهامات على ما يخفيه، بينما الكردي عليه أن يُلعنَ ويُطعن عن سواه وطبعاً كالعادة مجاناَ، فلِما تُحمّلون شعبكم هذا العبء الخطير وأنتم في كل أدبياتكم تناهضون كل ما هو قومي، باعتباركم من بقايا ديناصورات البروليتاريا في المنطقة! وفوقها لا يتوانى أي فهيمٍ منكم عن اتهام الراحلين بالغباءِ على ما فعلوه، أوليس من الغباء أن لا يلحظ أوبة قادتكم خريجي مغاور قنديل ذلك التناغم بين النظام السوري والمعارضة السورية على حدٍ سواء في قولهم معاً بأن الكرد انفصاليون، فيا من تنعتون السلف بالغباء ألستم غاطسون فيما تعيبونه على الغابرين، فيا ترى ما هو السر العجيب الذي يجعلكم بأن تكونوا أولئك الحاضرين أبداً لحمل أوزار الآخرين؟