تدور هذه الايام شائعات في کوردستان من خلال شبکات التواصل الاجتماعي واحاديث الشارع حول ساعة رئيس وزراء الاقليم نيجيرفان البارزاني التي يقال انها تساوي مئات الالاف من الدولارات! صحيحة کانت الشائعة ام کاذبة لا يغير الامر في حقيقة ان الطبقة السياسية في کوردستان، ولاسيما من اهل السلطة باتوا غارقين في عوالم البذخ والتبذير بالاموال والثروات التي حصلوا عليها من خلال سوء استخدامهم السلطة والامعان في الفساد بکل اشکاله. وفي المقابل تدفع هذه الظاهرة بنسبة لا يستهان بها من مواطني کوردستان باتجاه اليأس من جدوى الرهان على الطبقة السياسية التي راهنوا بالامس على اهليتها بقيادتهم الى کوردستان الرخاء والازدهار، لکنهم اليوم باتوا يئنون من وطاة فشل سياساتهم وجشعهم. وهذا ما جعل الباب مفتوحا على مصراعيه امام فقهاء الشر والظلام من دعاة الفکر الديني الرجعي لبث سمومهم في عقول الشباب العاطل وذوي الدخول الشحيحة والمعوزين ليتقبلوا فکرة ان کل الازمات الحالية هي بسبب تبني العلمانية وان الحل هو فقط بتبني فکرة الدولة الدينية.

ان ما لا شك فيه هو ان زخم النمو والازدهارالاقتصادي الذي شهده اقليم کوردستان على مدار العقدين المنصرمين لم يعد کما کان، لا بل وبدأ يشهد تراجعا جديا في شتى المجالات لتطال حياة الناس العاديين من اوساط الطبقة المتوسطة وما دون. فالمليارات التي تدفقت على الاقليم من عوائد النفط من بغداد ومن واردات المعابر الحدودية کان يمکن لها ان تجعل کوردستان، ان استثمرت بحکمة، قابلة على الصمود بوجه الازمات والضغوطات السياسية والاقتصادية وبوجه اختراقات الطابور الخامس.

لکن الذي حصل ونتيجة للسياسات الغير حکيمة لاهل السلطة في کوردستان، هو ان اقتصاد الاقليم قد حول الى اقتصاد ريعي مئة في المئة، اي اقليم لا يعمل ولا ينتج ولا يزرع بل يصرف من الواردات القادمة من بيع البترول. لا ادري ما الذي کان يدفع البعض منهم الى الاعتقاد بامکانية تحويل الاقليم الى دبي اخرى، حيث ان لفي ذلك السذاجة بعينها وعدم القدرة على قراءة واقع الاقليم ذاتيا و موضوعيا.

لقد اظهر سکان اقليم کوردستان على الدوام قابلية واستعداد لا حدود لها على الصبر والصمود بوجه الضغوطات والحصارات ولم يکن بامکان احد النيل من هدا الصمود وتلاحمه، لکن ما يسبب غصة في القلب لدى ابناء هذا الشعب هذه الايام، وفي ظل غياب الرواتب للموظفين وازدياد اعداد العاطلين بين الشباب الکورد وتعاظم الکساد الاقتصادي، هو ان اوساط اهل السلطة وطبقته السياسية لم تتاثر البة بهذه الاوضاع الاقتصادية المزرية، وهي ماضية هي واولادها واقربائها وحاشيتها في حفلات البذخ والترف باموال وارزاق ابناء الشعب، فمنهم من هو منشغل بشراء النفائس، و منهم بالاسفار الى جزر المطر والاناناس او بشراء العقارات والفلل في بلاد حور العين، ولا من محاسب ولا من رقيب.

والغصة الکبرى في القلب ايضا هي ان سموم الاسلام السياسي باتت تنتشر في الساحة الکوردستانية بشکل لم يسبق له مثيل من خلال فقهاء الکراهية الذين يشکلون طابورا خامسا يستغل حالة التذمر واليأس لدى العديد من الکورد البسطاء من الاداء الغير حکيم للسلطة السياسية في کوردستان، ليقنعهم بان الخلاص يکمن فقط من خلال التخلي عن الخيار العلماني واقامة الدولة الثيوقراطية على غرار دولة طالبان وداعش وغيرها.

ان اهل کوردستان هم اسمى من ان يتأثر بدعوات دعاة الفکر الظلامي والکراهية والاستبداد الديني، لکنهم في هذه الايام ينتابهم احساس مرير بانهم في وضع لا يحسد عليه کونهم محشورون بين مطرقة جشع وانانية اهل السلطة وسندان الفکر الظلامي الذي، کما نعيق الغربان،لا يمکنه الا ان يکون نذيرشؤم.


[email protected]