&بعد أن انتزعت هيلاري كلينتون بشكل شبه مؤكد ورقة تشريح الحزب الديمقراطي لها في انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد حصولها على تأييد العدد المطلوب من المجمع الانتخابي للحزب، فإن الملامح النهائية للسباق الانتخابي الأهم في العالم باتت واضحة تماماً.

مواجهة كلينتون ترامب غير مسبوقة ليس فقط لأن كلينتون أول مرشحة من النساء عن حزب سياسي رئيسي في تاريخ الولايات المتحدة، ولكن أيضاً لأنها ستواجه خصماً يثير وجوده في السباق الانتخابي منذ بدايته كثيراً من الجدل والقلق داخل الولايات المتحدة وخارجها.

المرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب من أكثر المرشحين اثارة للجدل في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فالرجل تلاحقه اتهامات تبدأ بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وتنتهي بالجوانب الاخلاقية، بعد أن اتهمه منافسه الجمهوري تيد كروز بأنه "عديم الأخلاق وكذاب وزير نساء"، بينما اتهمته حملة منافسته كلينتون بأنه "متحرش بالنساء"، لذا فالعالم بصدد منافسة انتخابية أمريكية غير تقليدية سواء من المرشح الديمقراطي أو نظيره الجمهوري.

بعض المحللين يرون أن وجود هيلاري كلينتون أو ترامب يعبر عن عجز الإطار المؤسسي والحزب الأمريكي عن توليد قيادات سياسية شابة قادرة على تصدر المشهد السياسي في البلاد، وهذا التحليل بتقديري يعكس في جانب منه إغفال عوامل محددة لديناميات السياسة الأمريكية، ففكرة "النموذج" تسيطر على الفكر السياسي الأمريكي، وتفسر كثيراً مما يدور في كواليس الحزبين الرئيسيين في البلاد. فالولايات المتحدة لا تريد أن تتأخر تاريخياً أكثر من ذلك عن وجود رئيسة للبلاد، بعد أن دفعت بمرشح أسود من أصول الأفريقية لتفاجىء به العالم في السباق الانتخابي الماضي.

بينما يبدو ترامب "حالة" جديدة في السياسة الأمريكية، ولكنها تصب أيضاً في مربع فكرة "النموذج" فهو رجل أعمال مثير للجدل كان مجرد إعلان خوضه السباق الانتخابي للحزب الجمهوري مثيراً للجدل وكثير من التعليقات الساخرة، ولكن تطور الأحداث أثبت أن المسألة لم تكن "مزحة" بل في غاية الجدية، فقد بات ترامب على عتبات التنافس الرئيسي في الانتخابات في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي.

السباق الانتخابي الأمريكي بحد ذاته ينطوي على مفارقات عدة، فترامب يواجه حملة مضادة شرسة من داخل الحزب الجمهوري تحت عنوان #Never Trump، ولكنه لا يزال قادراً على الاستمرار ومواصلة السباق بقوة، أما كلينتون المخضرمة التي تخوص ثاني تجربة لها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد أن أخفقت عام 2008، فإنها تستعد منذ سنوات مضت لتحقيق حلم البيت الأبيض، ولكنها ربما لم تتوقع أن تواجه منافساً من هذا النوع.

ترامب ليس منافساً تقليدياً، فهو ليس سياسياً كي تدعي هيلاري كلينتون تفوقها عليه في الخبرات والمعارف والمدركات الخاصة بالعلاقات الدولية، وشؤون إدارة دولة بحجم الولايات المتحدة ومكانتها العالمية، فحملة كلينتون نفسها تراهن عن ما تعتبره سلبيات للخصم، وتحاول أن ترسم له صورة نمطية باعتباره "شخصية متهورة" وتتسعى بقوة إلى اثارة مخاوف الناخبين من وجوده في البيت الأبيض، ولكن هذه المحاولات لا تزال رهن اعتبارات مضادة مثل قوة تأثير دعاية ترامب وحدود تأثيرها، فضلاً عن المزاج العام للشارع الأمريكي، ومواقف الناخبين من مؤيدي خصمها الديمقراطي بيرني ساندز وغير ذلك. وربما يكون وصم ترامب بالتهور والطيش السياسي من جانب حملة كلينتون دفاعاً استباقياً في مواجهة خصم أثبتت الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، أنه يخوض في كل الموضوعات التي تخص منافسيه، ولا يستنى أحد منها، فليس هناك حدود في هجومه على منافسيه، ما يجعل منه منافس غير تقليدي يمكن التعامل معه وفق حسابات مخططي الحملات وخبراء الحملات الانتخابية.

ومن تابع الحملات الانتخابية التمهيدية، يدرك أن ترامب يضع هيلاري كثيرا في مواقف صادمة، فهو يعلق أحياناً بشكل يصعب الرد عليه وفق القواعد المتعارف عليها دعائياً، وفي ديسمبر الماضي وجه إلى كلينتون عبارات وصفتها حملتها الانتخابية بأنها "اهانات" استخدم فيها "كلمات سوقية"واضطرت كلينتون إلى الرد قائلة "من المهم ألا يسمح للناس الذين يرتكبون التحرش في أي مكان بأن يفعلوا ذلك ويجب عدم السماح لأي منهم بالفوز في الرئاسة لأن ذلك لا يشبهنا كأميركيين".

إحدى الإشكاليات التي تواجه كلينتون تتمثل في إرث آل كيلنتون، فهي قد تدفع فاتورة مواقف الناخبين من سياسات زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ناهيك عن سياساتها هي نفسها حين كانت وزيرة للخارجية الأمريكية،

فكلينتون شخصية معروفة لدى الناخب الأمريكي وربما لا يكون لديها الكثير الذي يمكن أن تفاجىء به ناخبيها، ولكن المؤكد أن لديها الكثير من الموضوعات والمواقف التي تحتاج إلى دفاع وتوضيح في مواجهة انتقادات منافسها، فبعض مواقفها السابقة تطاردها انتخابياً، حيث يتهمها ترامب بأنها ايدت القوانين المنظمة لصناعة الفحم ما تسبب في بطالة الكثيرين على سبيل المثال، كما أنه يردد دائما أن زوجها الرئيس السابق مؤيد لاتفاقية التجارة الموقعة مع أمريكا الشمالية، والتي وصفها ترامب أنها "أسوأ اتفاقية للتجارة"!

الصعوبة التي تواجه حملة الديمقراطيين للفوز بالسباق الانتخابي نحو البيت الأبيض تتمثل في مفاجآت ترامب، الذي تأرجح مواقفه وآرائه بين اليمين واليسار بشكل لافت، في حين تبقى أوراق هيلاري كلينتون مكشوفة ولا تنطوي على عوامل جاذبية جديدة، بل إن حملة الديمقراطيين تركز بشكل كبير على اثارة مخاوف الأمريكيين من أفكار ترامب، ولاسيما أفكاره الانعزالية، مثل بناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك ومنع دخول المسلمين وغيرها.

الولايات المتحدة تفاجىء العالم مجدداً بتقديم مرشحين لافتين للانتخابات الرئاسية الأهم في العالم، والفائز منهما سيشغل أهم منصب في العالم، وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإن المسألة تستحق كل هذا الاهتمام. وإذا كان أوباما قد انتقل من مربع الشكوك ليجلس على كرسي البيت الأبيض لولايتين رئاسيتين متتاليتين، فهل يكرر ترامب المرشح الذي لم يؤخذ دخوله السباق الانتخابي في بداياته على مجمل الجد سيناريو أوباما، أم تنجح هيلاري كلينتون في دخول التاريخ من بوابة الرئيسة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، وتنجح معها رهانات الديمقراطيين على رفض الناخبين لشخصية ترامب "المتهورة"؟