عرف الإصلاح بانه أحداث تغيير نوعي في نمط الاستجابة للمؤثرات المحيطة بالفرد سواء كانت المؤثرات داخلية أم خارجية وهذا التغييرالنوعي في الاستجابة يتبعه تغيير في نمط سلوك الفرد وتصرفه حيال المثيرات والمحذورات في الموقف، فيما يتحدد نوع هذا التغيير في نمط الاستجابة وفي نوعية السلوك في مقاييس وقواعد الآداب والسلوك المتبعة في المحيط الاجتماعي ومهما تكن مطلبية " الجماهير " المنشدة للتحول الى التغيير الفعلي المتعدي الى سلوكيات سياسية وثورية إنما تعبر عن رسالة لصنع مجتمع قيمي يستهدف القضاء على الترهل في جسد المجتمع وما يشوبه من فساد في منظومته وشرعته ومنهاجه ومؤسسات الدولة وتوابعها والمرتبطين بها بشكل رسمي وغير رسمي مادامت غير أمينة على مصالح شعبها.

هيكلة الدولة

المؤسسة السياسية ليست نتاج صدفة " ديالكتيكية " العلة تقتل المعلول لتتحول الى علة وهكذا دواليك " في إطار الحركة المستمرة تعتاش على القتل لنقيضها مما يطرح أرقاما بالمليارات لضحايا ومظلومين ومشردين ومعذبين وفدائيين وقطاعي طرق ومهاجرين ومهجرين ، وفي الادبيات السياسية أن التاريخ يعيد نفسه لكن بموجبات عمل وحوادث ليست كالحوادث التي واكبت مسيرة غاندي ، جيفارا ، و مانديلا ، ثورة العشرين العراقية لكنها مؤكدا تشابه ثورة 1 إكتوبر تشرين الاول من عام 2019 الماضي مادامت هناك " حالات سطو " على مؤسسات الدولة الحديثة في سياق الإصلاح .

دوافع الإنتفاضة

سراق المال العام من مسؤولين ونواب وساسة وذيول تحت يافطة الحصانة والدستور وتدليس والتفاف على القانون ونصوصه ومواده يضع الطبقة المسحوقة في مواجهة وشيكة بين النظام الحاكم والجماهير برغم شعار النظام الديمقراطي وتعدد المؤسسات الرئاسية والتنفيذية والتشريعية والقضائية الخ . .

الإصلاح لا يقتصر على الفئة المظلومة والمقهورة والمستلبة الحقوق والمجنى عليها باسم الشرعية لدواع تدفع الى الإنتفاضة مثل البيورقراطية الإدارية للدولة والفساد المستشري والتحاصص السياسي والتخندق المذهبي والقومي على حساب الإستحقاق ، كذلك التزوير وسرقة الاصوات بأسم الأنتخابات التشريعية والبرلمانية وبدواعي حكومات الظل حين يميط المواطن اللثام عنها وإرتطامه المباشر بتكتلاتها الإقتصادية من خلال سلبه حقوقه علانية التي يستحقها كما كان يفعل في زمن سلطة الإتحاد السوفييتي قبل تفككه في تسعينيات القرن الماضي حينما كانت قوى تحكم الدولة بالعلن وأخرى تحكم بالسر ( تجارة خاصة ) بغطاء سياسي بعلم الدولة كونها تسهم رغم عدم شرعيتها برفد المؤسسة الحاكمة بالإقتصادي غير المشروع ( رأس المال) لعلاقتها بالمؤسسات المعلنة للدولة والتي كانت وحذر منها ستالين ولينين في عقيدة النظام الإشتراكي آنذاك اللذين سعيا الى تطبيق الشيوعية بشكلها الصحيح بالعدل والمساواة كذلك تبعهم بوخارين الى بريجينيف وإنتهاء بجرباتشوف تفككت على يدية الإمبراطورية القيصرية برغم التنوع في حركة التفكير لهؤلاء الزعماء وتفاوت شدتهم من إرتخائها المتعلق بتطبيق النظام الإشتراكي ومعاداته في السر والميل نحو الراسمالية الغربية والبرجوازية الصغيرة مالبث ان تاهت التوجهات الوطنية برغم إدعاء الكل بحماية الاصول الفكرية للينين وماركس بحماية الإشتراكية الطبقية .

علاقة وتوطأة

تدوير مشاكل المواطنين من شيم الأنظمة لعلمها المزمن بانها بحاجة الى التغيير الفعلي في المنظمومة السياسية لتشمل بقية الموضوعات التي لها علاقة وطيدة بتطبيق الديمقراطية والقانون والمؤسسات الخدمية وأن أي هدف اقل من هذه المطالب وتوابعها سوف ينسف ثقة الجماهير بحاكميها ويوتر الاوضاع ويؤلب المشاكل لتزدان بعد ذلك الشوارع بدماء المتظاهرين والمستشفيات بالجرحى والملاحقات الليلية للناشطين وإختطاف أخرين، ومهما تكن الاهداف التوصلية والتفصيلية القريبة التي قد يطالب بها الناس، فالهدف البعيد للحركة الاصلاحية يجب انيكون "اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق"، وهي دولة تشكل إطارا عاما لحركة المركب الحضاري (الانسان، الارض، الزمن، العلم العمل)، ويقوم هذا الاطار على اساس المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث.

تظاهرات ( ساحة التحرير )، وغيرها من الساحات المماثلة في بعض مدن العراق في الوسط والجنوب، بقيت وستستمر رغم الحوادث التي طرأت على البلاد داخليا وخارجيا حراكا وطنيا تشمل كل ابناء المجتمع بمختلف تنوعاتهم ومحافظاتهم ، لكن يتبادر الى الذهب سؤال ملح ونحن نبحث عن مخرجات إصلاحية مهمة .

1/ هل التظاهرات قد تواجه خطر الانغلاق المذهبي والمناطقي حالها حال الاحزاب الحاكمة فيما لو إستمرت ولم تجد الحلول الجذرية لها .

2/ هل تنتهي صلاحية التظاهرات بعد تشكيل الحكومة واجراء إنتخابات مبكرة ونزيهة وتعديلات دستورية ملبية بعضا ما .

أكثر من ثلاثة اشهر على بدء التظاهرات الاحتجاجية، لابد من التفرغ قليلا لدراستها وتحليلها ونقدها، كما نفعل على سبيل المثال مع كومونة باريس (18 اذار الى -28 مايس 1871) المسماة بالثورة الفرنسية الرابعة والمعتبرة اول ثورة اشتراكية في التاريخ، و التي حظيت بالكثيرمن الاهتمام والدراسة من قبل الباحثين.

حلول اللحظات الأخيرة

منذ اللحظات الاولى لقيامها " التظاهرات العراقية المشروعة " اندستفئات ذات اهداف خاصة في صفوف المتظاهرين الوطنيين السلميين، وربما اخترقت هذه الصفوف لترفع شعارات وتقوم بممارسات لا تمت الى الاهداف الوطنية لحركة الاصلاح وربما وقعت الحركة الاصلاحية في تناقض قاتل؛ فهي في الوقت الذي تعلن نفسها ثورة ضد الطبقة الفاسدة، فانها تطالب هذه الطبقة بالقيام باجراءات اصلاحية، ولمتشخص او لم تتمسك بنقطة الشروع الفعلية للاصلاح، وهي تطبيقالمادة 64 من الدستور، بينما ركزت الحركة الاصلاحية على استقالة الحكومة، او حل مجالس المحافظات، ثم انخرطت بلعبة ترشيح رئيس الوزراء الجديد، فيما وضعت شروطا او مواصفات لا يتوقع ان تجتمع في شخص واحد، وربما تعاطفت مع اشخاص لا تنطبق عليهم شروطها المعلنة، المطالب المشروعة للمتظاهرين المستمرة بحاجة الى بوصلة ومحددات ومرجعية سياسية ترشدهم الى كيفية المطالبة بحقوقهم وتوحيد الرؤى بشأن تلك المطالب مما يضعها في إطارها الموحد والمواصفات اللائقة.