وسط معاناة الشعب الايراني جراء تفشي فيروس "كورونا" المستجد (كوفيدـ19)، خرج الحرس الثوري الايراني ليعلن الاحتفال بإطلاق أول قمر صناعي عسكري إيراني زعم أنه وصل إلى الفضاء بنجاح واستقر في مداره حول الأرض، معتبراً ماحدث انجازاً عسكرياً مهماً وهو كذلك بالفعل لو أن ما اعلن عنه قد حدث بالفعل، وأنه جاء بعد معالجة أسباب معاناة الشعب الايراني وتوجيه الموارد الكافية للتنمية ومعالجة ضحايا تفشي فيروس "كورونا" ثم يأتي بعد ذلك تخصيص الأموال للجوانب العسكرية!

من باب المفارقة أن يستمر الحرس الثوري الايراني في استنزاف ميزانية الشعب الايراني في حين لم تترك حكومة البلاد باباً إلا وتركته بحثاً عن دور دولي يسهم في انهاء العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من أجل تلبية الاحتياجات اللازمة لمعالجة المصابين بفيروس "كورونا"، الذي تسبب في وفاة أكثر من 5 آلاف إيراني حتى الآن.

الحرس الثوري الايراني يمارس الدعاية السياسية الفجة ويحاول اخفاء مظاهر الواقع الصعب في البلاد، حتى أنه يتدخل ليعلن "الانتصار" في أزمة تفشي الفيروس في وقت تفضح فيه تصريحات المسؤولين السياسيين زيف وكذب تصريحات قادة الحرس التي تشير إلى تجاوز المعركة مع وباء كورونا ويعتبرون ذلك "إنجازاً صحياً"!

في ظل ما يعانيه الشعب الايراني من أزمات مستفحلة يبدو من المنطقي التساؤل عما يفيد هؤلاء الملايين من غزو الفضاء الذي تكلل بالنجاح كما يقول قادة الحرس الثوري، الذين يتباهون بما يعتبرونه نجاحاً وإنجازاً في مجال الفضاء، ويرون في ذلك رسالة أمل للداخل الايراني وأنه رسالة تحد للولايات المتحدة!.

والحقيقة أن نظام الملالي يعاني مشكلتين اساسيتين أولهما تتعلق بالأولويات الاستراتيجية للدولة الايرانية، حيث يرى أن توجيه موارد الدولة جميعها نحو التوسع والتمدد الطائفي الخارجي يوفر لإيران الهيبة والمكانة الاقليمية، وهو ما لم يتحقق رغم استنزاف هذه الموارد منذ عام 1979 حتى الآن، بل تسبب حرمان الشعب الايراني من الحياة الكريمة التي يستحقها في ترسيخ الآفات الاجتماعية مثل ادمان المخدرات والبطالة والتفكك الأسري وغير ذلك من معضلات يعانيها المجتمع الايراني ولا تخفى على أحد. وثانيهما لا تنفك عن الأولى بل ترتبط بها ارتباطا وثيقاً وتتمثل في قصور الرؤية الاستراتيجية للسياسة الخارجية الايرانية في بٌعدها الاقليمي والدولي، فقد نجح نظام الملالي بامتياز في عزل البلاد اقليمياً ودولياً واكتساب عداء الشعوب المحيطة به بفعل السياسات العدوانية والتدخلات الطائفية في شؤون دول الجوار، فضلاً عن ارتباط إيران بجمل أسباب انتشار الفوضى والاضطرابات الاقليمية في الشرق الأوسط.

وأحد الأدلة على هذا القصور الاستراتيجي أن الملالي لا يزالوا يتحدثون عن رغبتهم في فتح حوار مع دول الجوار في مجلس التعاون من دون شروط مسبقة، في اجترار عقيم لكل الأحاديث السابقة عن كيفية معالجة المعضلات الاقليمية، فالملالي يدرون جيداً أن الأزمة لا تكمن في الشروط المسبقة ولا حتى في الاستعداد الايراني للانخراط في مثل هذا الحوار، ولكنها تكمن بالأساس في حسن النوايا والجدية في التعاطي مع جهود تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي، فالعقبة الأساسية لا تكمن في الجلوس على مايدة التفاوض بل في امتلاك إرادة حقيقية ونوايا جادة لانهاء أسباب الخلافات والتوترات التي يدركها النظام الايراني خير إدراك وفي مقدمتها السلوكيات والسياسات العدوانية لهذا النظام.

وبتحليل ماسبق، يمكن القول أن نظام الملالي لا يمتلك مشروعاً تنموياً بل مشروعاً توسعياً عسكرياً ذا وجه طائفي بحت، ويصر على تجاهل الحقائق، وقد تسبب ذلك في تحجيم دور إيران والحيلولة دون إطلاق الشعب الايراني في البناء والتنمية والاسهام في الحضارة الانسانية، والرسائل الحقيقية التي يحملها هذا القمر هي للنظام الايراني الذي يجب عليه أن يدرك أولوياته،

ويكفي أنه وقف عاجزاً غير قادر على حماية أبسط وسائل الحماية الشخصية كالكمامات وغيرها لشعبه في أزمة تفشي فيروس "كورونا" في حين يباهي بأنه يغزو الفضاء!