لا يزال أرسطو الذي لقبه المتأثرون به من الفلاسفة العرب والمسلمين من أمثال ابن رشد، والفارابي، وابن سينا ب"المعلم" يتمتع بحضور قوي في عالم اليوم...

وقد ولد أرسطو عام 384قبل الميلاد في مقاطعة ماسيدونيا التي كانت آنذاك مستعمرة يونانية. وهو اين طبيب وممرضة. والشطر الأكبر من حياته أمضاه في الدرس والتأمل والتفكير والتعليم. وفي البداية كان تلميذا لأفلاطون، إلاّ أنه سرعان ما أصبح من منتقديه. كما أنه اقترب من القائد العسكري العظيم الاسكندر المقدوني، وكان له نصيحا، ومرشدا في العديد من القضايا.

وكان أرسطو يرى أن المنطق هو الوسيلة الأساسية لجميع المعارف الانسانية. وقد قادته أبحاثه إلى إحداث تجديد في الفيزياء، وفي فن الخطابة، وفي السياسية أيضا إذ أنه كما يقول أحدهم "لم يكن فقط مفكرا يقتصر عمله على التفكير والتنظير والتأمل، وإنما كان أيضا دقيق النظرة، وعقلا منتبها للحقائق المتنوعة والمختلفة".

ومتحدثا عن مكانتة في الفلسفة العالمية، كتب الفيلسوف الفرنسي ألان باديو يقول بإن أرسطو كان قبل كل شيء المنافس والخصم والمعارض لأفلاطون. ومعارضته لهذا الأخير تتجسد في توجهين فلسفيين متناقضين تماما. ففي الحقل الأنطولوجي، يفضل الأفلاطوني (نسبة إلى أفلاطون) القوة الفاصلة للفكرة. وهذا ما يجعل الرياضيات بهْوا لكل فكر الوجود. أما أتباع أرسطو فإنهم ينطلقون من معطى تجريبي يرغب في أن يظل على وفاق مع الفيزياء والبيولوجيا. وفي المنطق، يختار الأفلاطوني المُسلّمة التي تؤسس، وتقيم بطريقة سامية مجالا شاملا للفكر العقلاني عوض التعريف الذي فيه يبدع أرسطو حين يحدد ويوضح في اللغة التجربة القائمة على المعطى.

ويرى الفرنسي ألان باديو أن أرسطو لا يزال معاصرا لنا، بل هو يعتقد أننا جميعا من أتباعه. وبحسب رأيه هناك سببان لذلك. السبب الأول هو أن أرسطو اخترع الفلسفة الأكاديمية. ونحن ندرك من خلال هذا أنه قدّمَ مفهوما للفلسفة تُهيْمن عليه فكرة التحليل الجماعي لمسائل موضوعة بطريقة سليمة. ونحن نعرف حلولها مُقدّما إذ أن أرسطو اخترع تاريخ الفلسفة كمادة للفلسفة. ونحن نقترح الحلول الجديدة التي تجعل الحلول القديمة غير نافعة، وغير مفيدة...

أما السبب الثاني الذي يجعلنا ننظر إلى أرسطو وكأنه معاصر لنا فهو الهيمنة الحالية للديمقراطية البرلمانية التي نجد صورة لها في البراغماتية التي انتهجها من خلال ميله للاقتراحات الوسطية، ونفوره من الاستثناء، ومن المخيف، ومن الوحشي، وأيضا من خلال مزجه للمادية التجريبية والسايكولوجيا الايجابية والروحانية العادية.

ويقول الأمريكي ريكس وورتر صاحب كتاب "فلاسفة الاغريق" بإن التبجيل الذي تمتع به أرسطو بعد وفاته أعظم، بل وأكثر خلودا من أيّ تبجيل حظي به غيره من الفلاسفة عبر مختلف العصور. وهذا التبجيل كان فريدا من نوعه حتى أن جل الفلاسفة كانوا ولا يزالون يعودون إليه دائما وأبدا. وفي كافة الأزمة كان المعجبون بأرسطو يميلون إلى معالجة مؤلفاته على أنها تشكل منهجا صارما وقاطعا بحيث يكون الرجوع إليها ضروريا في معالجة العديد من القضايا، لا الفلسفية فقط، بل السياسية منها والاجتماعية.، والنفسية، والفنية، وغيرها. ويعود ذلك إلى أن أرسطو كان واسع المعرفة، ملما بالعديد من فروع العلم، بما في ذلك علم الطبيعة، وعلم الحيوان، وعلم النبات. لهذا نحن نجد عنده دائما ما يمكن أن يضيء لنا ما هو غامض، ومعتم، ومعقد في جل مجالات المعرفة والحياة في مختلف تجلياتها.