حظيت محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باهتمامٍ اقليمي ودولي واسع النطاق، بحكم أهمية العراق ودوره الاقليمي، فضلاً عن كونه ساحة مهمة من الساحات التي يحتفظ النظام الايراني فيها بأدوار لا أحد يعمل مداها ولا الحدود الفعلية لتأثيراتها الاستراتيجية والأمنية والعسكرية ناهيك عن الجوانب العقائدية والأيديولوجية.

ثلاث طائرات مسيرّة استهدفت منزل الكاظمي في محيط المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية بغداد، ما يعني أننا بصدد جريمة خطيرة لا يمكن أن ترتكبها حركة أو تنظيم ميلشياوي تقليدي مهما كانت قدراتها العملياتية والتسليحية، فالتخطيط والتنفيذ بهذه الطريقة وما يستلزمه من تخطيط ومعلومات استخبارية، يتطلب قدرات دولة تنفذ بنفسها او من خلال وكلاء او أذرع ميلشياوية لها.

الكل يعلم أن التنظيمات والميلشيات ذات قدرات تسليحية لها سقف معروف، حتى تنظيم "داعش" عندما سيطر على مساحة جغرافية بحجم انجلترا لم يمكن يملك تجهيزات قتالية متطورة مثل الطائرات المسيرّة أو حتى الصواريخ التي تستخدمها الأذرع الموالية لنظام الملالي الايراني، والكل يعلم كذلك أن الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي اليمنية ضد المملكة العربية السعودية تتم باستخدام الطائرات المسيرّة والصواريخ الموجهة ايرانية الصنع، فالانتشار الكبير لهذا النوع من التسليح القتالي المتقدم ينحصر في دول ومناطق معينة لها علاقات تبعية مباشرة مع ملالي إيران، وهكذا الحال في لبنان من خلال "حزب الله" وفي العراق من خلال ميلشيات عدة لا تخفي ولائها ولا تبعيتها التسليحية والتنظيمية والاشرافية للحرس الثوري الايراني، والوضع نفسه في اليمن!

وفي ضوء ماسبق، لا يمكن أن ينطلي على أحد حالة الانكار الايرانية لأي علاقة أو ارتباط بمحاولة اغتيال الكاظمي، فالملالي يرتكبون الجرائم في منطقتنا بصفة يومية ويصرون على انكار أي علاقة لهم بما يدور في هذه الدولة أو تلك.

للموضوعية يجب الاعتراف بأن الأوضاع الراهنة في العراق ربما لا توفر فرصة كاملة للتعامل بصرامة وحزم مع الجهة التي تقف وراء محاولة اغتيال الكاظمي، وبرأيي فإن الاهم من ذلك هو استيعاب دروس هذا الفعل الآثم والتحرك بموجبها، فمن يتحرك لاغتيال رئيس الوزراء العراقي في ظروف حساسة كهذه لا يستهدف الكاظمي فقط بل يريد اغتيال حلم العراق والعراقيين في الخروج من دوامة الفوضى والاضطراب والتصدي لنفوذ الميلشيات والحشود الطائفية التي لا تكف عن النيل من سيادة الدولة العراقية واضعافها، وبالتالي فإن الخطوة الأهم تكمن في التصدي لعوامل الخطر الحقيقية، وفي مقدمتها الفساد وفوضى السلاح والميلشيات.

معركة العراق في مواجهة الميلشيات الطائفية لا تقل خطورة وأهمية عن معركته مع تنظيم "داعش"، فالتنظيمات والميلشيات جميعها لا تتماشي مع فكرة الدولة وسيادتها، وهو خطر لا يتوقف عند حدود العراق بل يطال المنطقة العربية بأكملها، وبالتالي فإن معركة العراق تتطلب دعماً ومساندة اقليمية ودولية قوية لا تتوق فعند حدود الكلمات والدعم السياسي بل تنتقل إلى مشاركة العراق بالأفكار والتصورات والرؤى الكفيلة بإنجاح مهمته في مواجهة فوضى الميلشيات الطائفية التي يدعمها ملالي إيران.

العراق بحاجة ماسة لاستعادة هيبته وحصر السلاح بيد الدولة والقضاء على أي نفوذ للميلشيات، ومحاسبة المسؤولين عن الفوضى والعنف وسفك الدماء، فمن اتخذ قرار اغتيال المالكي في هذا التوقيت وهذه الظروف التي تمر بها البلاد لا يستهدف سوى دفع العراق مجدداً إلى مربع الفوضى والعنف، وهذه المحاولات لن تتوقف طالما أن فاعليها طلقاء لم تتم محاسبتهم على جرائمهم ولم يزاح اللثام عن هوياتهم، ولنا في لبنان مثالاً حياً على مانقول؛ فحزب الله الموالي لإيران لم يكف يوما عن دفع لبنان إلى الخراب والدمار، ولم يعترف كذلك يوما بمسؤوليته عما يقوم به من كوارث امام اعين العالم أجمع!

خطوات العراق في المرحلة المقبلة يجب أن تكون محسوبة بعناية فائقة، ويجب أن يقدم العرب والمجتمع الدولي كل الدعم الذي يحتاجه العراق للتخلص ـ او على الأقل الحد ـ من الظروف التي أسهمت في توسع النفوذ الايراني في هذا البلد العربي.