لا يمكن لأي مراقب عربي موضوعي أن يرى الزيارة التي قام بها مؤخراً سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى سوريا ولقائه مع الرئيس بشار الأسد، سوى من منظور ايجابي كونها تستهدف لم الشمل العربي وترميم الثغرات التي يعانيها النظام الاقليمي العربي منذ خروج دول مهمة مثل العراق وسوريا من دائرة التأثير الهادفة إلى تحصين هذا النظام وتعظيم دوره في صون مصالح الشعوب وحماية مقدراتها.
ما تعرضت له سوريا طيلة عقد كامل من الزمن لا يخفى على أحد، وليس من الواقعية مناقشة تفاصيل ماجرى لأسباب واعتبارات تتعلق باختلاف الظروف والمعطيات، ففهم التطورات لا بد وأن يأتي في ضوء سياقاتها الزمنية والمكانية والاستراتيجية، باعتبار أن التغير في السياسة هو الثابت الوحيد، وبالتالي يصبح من البديهي أن تطوى صفحة الماضي بين العرب وسوريا وأن يتطلع الجميع إلى الأمام من أجل ردم الفجوات التي يتسلل منها الأعداء ولا يكفون عن صب الزيت على نار الأزمات والخلافات من أجل ترسيخ الاهتراء والتشرذم القائم في المشهد العربي الراهن.
الامارات تتحرك في الملف السوري وغيره من الملفات الاقليمية من وعي عميق بما يحاك لشعوبنا وأمتنا من مؤامرات ودسائس، وإدراك لما تسببت فيه الأزمات التي عانت منها دول عربية عدة من خسائر لا تدفع ثمنها شعوب هذه الدول فقط، بل يتحمل أعبائها العرب جميعاً بما لهذه الأزمات من تأثيرات استراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية لهذه الدولة أو تلك.
وثد اثبتت هذه الزيارة ديناميكة السياسة الخارجية الاماراتية التي تنطلق من توجيهات القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وينفذها ببراعة وحيوية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، الذي يكتسب كل يوم أرضاً إضافية جديدة لمكانة الامارات في ساحة العلاقات الدولية.
الزيارة هي بمنزلة إعلان قوي وواضح على عودة سوريا لحاضنتها العربية وطي صفحة عزلة دمشق التي استغرقت عقد كامل، غابت فيه سوريا بكل مالها من ثقل استراتيجي ومكانة تاريخية عن الفعل والتأثير في محيطها العربي، ولكنها ظلت باقية في وجدان العرب جميعاً، فسوريا دولة عربية فاعلة لا يمكن الاستغناء عن دورها في تحقيق الأمن والاستقرار الاقليميين، ولا يمكن كذلك الحديث عن عالم عربي من دون التطرق إلى الدور السوري.
وقد حسمت الامارات موقفها تجاه سوريا، الدولة والشعب، منذ فترة طويلة، حيث أعادت فتح سفارتها في دمشق منذ ديسمبر عام 2018، حيث اطلقت ـ آنذاك ـ أولى إشارات عودة سوريا إلى محيطها الاستراتيجي الطبيعي؛ فسوريا بحاجة إلى دعم أشقائها من أجل الحفاظ على سيادتها ووحدة اراضيها والتصدي للتحديات الهائلة التي تواجهها، والكل يعلم تماماً مدى صعوبة الاختبار الذي وجدت دمشق نفسها فيه من أجل لملمة شتات الشعب السوري واستعادة بريق سوريا ومكانتها.
ولا اعتقد أن هناك عاقل يرغب في أن تبقى سوريا أو غيرها من الدول التي تعاني نفس ظروفها مثل العراق، تبقى على حالها مهددة من تنظيمات الارهاب والتطرف، أو أن تتحول بمرور الوقت إلى دولة فاشلة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والتنموية وتراجع مؤشرات النمو وماينجم عن ذلك كله أمنيا واجتماعياً وعسكرياً.
الامارات في تحركها نحو سوريا تستنتسخ مواقف قومية عديدة لها طيلة السنوات العشر الماضية، فأبناء زايد لا يرضون ـ بما تشبعوا به من قيم ومبادىء ـ لا يمكن لهم التخلي عن شعب عربي في وقت الأزمات، لذا نجد تحركاتهم تأتي دائماً في توقيتات مناسبة وتفتح أبواب الأمل في انقاذ الدول والشعوب العربية، والماضي القريب يؤرخ لبصماتهم العروبية المهمة التي أسهمت في ابعاد دول وشعوب عربية عدة عن سيناريوهات الفوضى والعنف والاضطرابات وسفك الدماء.
لا أدعي أن الدبلوماسية الاماراتية قادرة على تغيير المشهد الاقليمي بمفردها، ولكنني اؤكد أن الامارات لا تترك فرصة لتحسين ظروف دولة أو شعب عربي إلا وتقوم بواجبها وما يمليه عليه ضميرها القومي بشكل كامل، وهي لا تتحرك في هذا الإطار بشكل أحادي، ولكنها تنطلق من تفاهمات ومشتركات تتقاسمها مع عواصم القرار العربي الأخرى، التي تشاطر الامارات اهتمامها باستعادة زخم العمل العربي المشترك وبناء واقع اقليمي جديد يحقق تطلعات وأحلام عشرات الملايين من الشباب العربي في بناء غد أفضل.