تابعت خلال الفترة الماضية، الكثير مما كتب حول العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية، والتعليقات العديدة على الزيارة المهمة التي قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، لإسرائيل. ويعكس النقاش الذي دار عبر وسائل التواصل الإجتماعي العربية بعد مرور عامين من توقيع إتفاق السلام الإبراهيمي، أموراً عدة أولها أن الإتفاق لم يكن إجراء بروتوكولي دخل غياهب النسيان بمجرد توقيعه، بل كان خطوة أولية نحو بناء علاقات طبيعية مع إسرائيل، فالزيارة بحد ذاتها تعكس رؤية الإمارات لعلاقتها مع الشريك الإقتصادي والإستراتيجي الإسرائيلي، حيث انطوت على رسالة رمزية واضحة بأن الإمارات لم تكن تقدم على خطوة السلام مع إسرائيل من أجل بعض الصور التذكارية، بل عن قناعة تامة بجدوى هذه الخطوة وتأثيرها النوعي الكبير في مستقبل المنطقة. ثاني هذه الأمور أن العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية تمضي في مسار مختلف وتتسم بطبيعة تفاعلية حية بحيث تحولت إلى واقع في الفضاء الجيوسياسي الإقليمي، لأن الزيارة تعني في أحد أوجهها أن هناك إرادة مشتركة لتوسيع نطاق هذه العلاقات وتوسيعها، كما أن النقاشات حولها تعني أنها علاقات مؤثرة في محيطها الإقليمي لأن الإنتقال من حالة السلام البارد إلى السلام الحقيقي يعني الإنتقال للتفكير في المستقبل وطي صفحة الماضي والبحث عن آفاق جديدة لتعاون يصب في مصلحة الشعوب ويعزز التعايش والإستقرار في منطقتنا.


الزيارة التي رافق فيها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وفد إقتصادي وسياسي رفيع المستوى، واستغرقت أياماً عدة تعكس أهميتها، وتؤكد أن هناك برنامج عمل يريد الجانب الإماراتي التباحث بشأنه، مايؤكد أن الإتفاق الابراهيمي يمثل حالة مختلفة في العلاقات بين إسرائيل ومحيطها الاقليمي العربي، وأن السلام ليس مجرد شعارات، او أحاديث خيالية مفتوحة تحلق في الفضاء ولا تجد لها مكاناً على الأرض.


لا يزعجني ـ كمراقب ـ تباين وجهات النظر بشأن السلام الإبراهيمي، وانظر للزيارة من زاوية مختلفة تتمثل في أن الدبلوماسية الإماراتية تواصل الإمساك بزمام المبادرة إقليمياً وتمضي في طريق ترسمه لنفسها من دون النظر لإعتبارات غير منطقية، لأن الأوضاع الجيوسياسية التي يعيشها عالمنا لم تعد تحتمل الوقوف مكتوفي الأيدي في مواجهة التغيرات الإستراتيجية المتسارعة على الأصعدة كافة، ومواجهة الأزمات المتفاقمة في عالمنا، سواء على الصعيد الإقتصادي أو الأمني أو السياسي باتت تتطلب حلولاً وبدائل خارج نطاق التقليدية والإرتهان لحسابات ثبت عدم جدواها.


إسرائيل من جانبها لم تعد كما كانت، فإسرائيل اليوم غير الأمس، وهذه حقيقة يجب الإعتراف بها، وباتت تفكر وتعمل كدولة طبيعية تحاول إستغلال قدراتها ومواردها في النمو والتطور والحفاظ على أمنها واستقرارها، وهناك مياهاً كثيرة جرت في قنوات علاقاتها الدولية، لأسباب تعود في أغلبها للتغيرات الطارئة على الوضع الجيواستراتيجي العالمي، وبالتالي يبدو من غير المنطقي مواصلة التعامل معها وفقاً لشعارات الماضي والأفكار المتطرفة، التي تتمحور حول الذات، قومية أو عرقية، وتنبذ التعايش وتقاوم التسامح رغم أن أصحاب هذه الأفكار أنفسهم يعيشون حالة صراع من أبناء جلدتهم ودينهم مع إختلاف الأسباب والدوافع!


ولتوضيح ماسبق، علينا أن نلاحظ كيف تعيش الفصائل والتنظيمات المتشددة حالة صراعية مزمنة مع بني جلدتها حول صراعات السلطة والنفوذ، وعلينا كذلك أن نتساءل عن حالة العلاقات بين الدول التي تزعم العداء مع إسرائيل بوازع ديني أو أيديولوجي، مع جيرانها والقوميات الأخرى التي تعتنق دينها أو أديان أخرى، وكيف أنها تحتل أراضي دول أخرى أخرى وتبرر لنفسها ما تنكره على غيرها، والمسألة هنا ليست شرعنة لحالة دون الأخرى، حتى لايسىء البعض فهم كلامي، ولكن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني هي ذاتها الحقوق المشروعة للشعب والدولة الإماراتية في جزرها الثلاث المحتلة، لا فرق.

لا أريد الغوص في تفاصيل الماضي، فأكثر أوجاع منطقتنا هي نتاج العيش في الماضي والإرتهان لشعاراته، وأكثر ما نحتاجه هو النظر للمستقبل، بكل ما يحتاجه ويتطلبه ذلك من رؤى وفكر لا يتجاهل الماضي ولكن يركز على الحاضر ويستهدف المستقبل، وينظر بعين العقل لعشرات الملايين من الشباب في دول المنطقة، ممن يفقدون الأمل تدريحياً في غد أفضل، ويبحثون عن طاقة نور تزودهم بالقدرة على التمسك بتلابيب الحياة، بدلاً من السقوط في براثن تنظيمات الإرهاب، أو القاء أنفسهم في قوارب الموت غير الشرعية، أو حتى الاستسلام للمخدرات.