الانتخابات حق دستوري اكتسبه الشعب العراقي بعد سقوط النظام البعثي البائد - وإن كانت تجرى فيه بصورة صورية - وهي المثال الأصدق للنظام الديمقراطي في العراق، رغم المشاكل والتحديات الكبيرة التي كانت تواجهها، ولعل قضية المقاطعة في الانتخابات الاخيرة هي أهون تلك المشاكل.

شكلت مجالس المحافظات لغطاً كبيراً خلال العشر سنوات الماضية، فقد أجريت آخر انتخابات محلية عام 2013، تبعها تمديد لسنوات عدة، بسبب الحرب مع داعش، ثم تم تعليق عملها عام 2019 لتجاوزها المدة الدستورية، ومنذ ذلك الحين لم تجر انتخابات أخرى، بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي حصل بعد مظاهرات تشرين وما رافقها من أحداث.

الرافضون لعمل مجالس المحافظات لديهم أسباب كثيرة، تندرج تحت عنوان الفساد المالي والإداري، وعدم الاستقرار في إدارة المحافظات، بسبب اختلال التوازنات السياسية التي غالباً تؤدي إلى تغيير الحكومات المحلية، وسوء الأداء الذي رافق بعض مجالس المحافظات، والفشل في تقديم الخدمات التي تلبي طموح المواطنين، إضافة إلى تداخل السلطات بين المجالس المحلية وحكومة المركز، مما انعكس سلباً على كثير من المشاريع العمرانية التي ما زالت معطلة منذ سنين.

لكن مجالس المحافظات في واقعها القانوني والدستوري، ركيزة من ركائز النظام السياسي في العراق، كونها تمثل مجالس خدمية قبل أن تكون سياسية، وتختار الحكومات المحلية التي تنهض بالواقع الخدمي والعمراني لكل محافظة وتقيم أدائها والإشراف على عملها، وتلبي احتياجات المواطنين بحسب واقع كل محافظة وطبيعتها الاقتصادية والاجتماعية، وتمنع الانفراد بثروات المحافظة من قبل المحافظين كما حدث في السنوات الماضية، إضافة إلى أنها تمثل الضمان الأمثل من حدوث انقلابات عسكرية على حكومة المركز.

بعد عقد من الزمن، أجريت انتخابات مجالس المحافظات، وظهرت تركيبتها الساسية مشابهة لتركيبة الحكومة المركزية، إلا في بعض المحافظات، مما يعني أنه سيكون هناك انسجام كبير بين الحكومات المحلية وحكومة المركز، خاصة أن العراق يشهد استقراراً سياسياً كبيراً، من المفترض أنه سيؤدي إلى حركة عمرانية واقتصادية كبرى، مما ينعكس إيجاباً على الخدمات المقدمة للمواطنين، وبالتالي إلغاء الصورة النمطية التي علقت بالأذهان عن مجالس المحافظات السابقة.

أمام مجالس المحافظات القادمة مهمتين كبيرتين: رسم سياسة البناء والإعمار للمحافظات في المرحلة القادمة بصورة تختلف عن السنوات السابقة، والتمهيد للانتخابات البرلمانية القادمة، وذلك يعتمد على استعادة الثقة بجمهور الناخبين والتفاعل مع احتياجاتهم.