في الوقت الذي كثفت فيه إسرائيل هجومها على مدينة خان يونس، يتحدث الفلسطينيون في غزة عن مخاوفهم بشأن المستقبل. وشهدت مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة على مدار الأيام الأخيرة معارك عنيفة جداً، وهذا دفع العديد من الأسر النازحة إلى الهروب مرة أخرى من المدينة، بعد أن كانوا يعيشون في محيط مستشفى ناصر الذي يعدّ أكبر المستشفيات العاملة في هذه المنطقة. وتوفي أكثر من 24900 شخص في القطاع منذ بدء إسرائيل حربها رداً على هجمات حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

وتثقل الأسعار المرتفعة حياة الناس المحزونين في غزة، الذين تعرضوا للضغط من جهة الحرب العدوانية، ومن جهة أخرى، تجار الجشع الذين زادوا الأسعار، وهذا أمر غير مسبوق في أي حروب سابقة تعرض لها القطاع. وفيما توقف العمل بالكامل، شهدت جميع القطاعات في قطاع غزة اضطراباً وسط القصف المستمر والتدمير، والغزو البري والعمليات العسكرية القائمة التي تنتشر من منطقة إلى أخرى.

وبالرغم من أن الشهداء الذين يسقطون بالآلاف، لم يتعاطف التجار مطلقًا أو يظهروا أي رحمة أو إنسانية تجاه سكان القطاع، الذين غالبيتهم فروا من منازلهم تحت ضغط القصف، ويمكثون في وسط الأنقاض من دون مأوى أو طعام أو شراب. وانتشرت المجاعة الحقيقية في معظم خيام النازحين في مناطق متفرقة من قطاع غزة، حيث تم تسجيل حالات وفاة بسبب الجوع، بالإضافة إلى البرد الشديد في فصل الشتاء.

إقرأ أيضاً: المغرب والسعودية... أمل الجماهير العربية

القتل والتدمير من قبل العدو الصهيوني الفاشي واقع مرير، لكنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يختبرهما فيها الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين وأراضيها منذ عقود. مع ذلك، زاد تصرف التجار من هموم الناس ومعاناتهم، وجلب لهم المزيد من الألم والمأساة، وهذا ما أدى إلى تعرض حياة جميع سكان غزة الذين لم يجدوا سبيلاً آخر للتكيف مع الواقع الاقتصادي المؤلم. المصابون والجرحى لم يسلموا أيضاً من المأساة التي أثقلت جروحهم ومعاناتهم، حيث أصبحت العلاجات والأدوية مكلفة جدًا، ولا يستطيع غالبية المصابين شرائها حتى في حال توفرها.

وشهد الهجوم الأخير على غزة دمارًا في النباتات والبشر والمباني. وطوال العصور التاريخية للشعب الفلسطيني، كان الحجر يشهد على معاناتهم الرئيسية. تعرضت المواقع الثقافية لاستهداف شديد وغير مسبوق، في محاولة فاشلة للقضاء على الهوية الفلسطينية وتدنيسها ومحو الوجود التاريخي لسكان غزة. ووفقًا لتقرير أصدره المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في 30 كانون الأول (ديسمبر) 2023، تم تدمير 200 موقع أثري وتراثي في غزة من إجمالي 325 موقعاً في القطاع، بما في ذلك المساجد الأثرية والكنائس والمدارس والمتاحف والمنازل الأثرية القديمة ومواقع التراث المختلفة.

إقرأ أيضاً: أرى رؤوساً (في إيران) قد أينعت!

وتواصل قوات الاحتلال الصهيوني اقتراف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، من خلال تنفيذ عمليات قصف جوي ومدفعي واستخدام أحزمة نارية، مما يؤدي إلى مجازر دموية للمدنيين وارتكاب جرائم بشعة في مناطق التوغل، وسط واقع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 90 بالمئة من السكان.

وبتتبع السياسة الصهيونية في فلسطين، يتبين أن الهدف ليست مجرد التدمير والتهجير واستبعاد الآخر، وإنما إقامة دولة يهودية عن طريق خلق رابط عرقي تاريخي زائف لليهود في فلسطين. لقد بذلت الحركة الصهيونية جهودًا كبيرة لاختلاق تاريخ مزيف ورواية مزيفة لضمان البقاء الدائم في هذه الأرض. إن مسعى الحركة الصهيونية لإبادة الهوية في غزة واضح جدًا، وهو مرئي أمام العالم من خلال حكومة اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، التي تسعى إلى تجويع وتشريد وابادة الشعب الفلسطيني بشكل جماعي. وهي تقوم أيضًا بتدمير الأدلة التاريخية التي تثبت حقوق الشعب الفلسطيني في ملكية هذه الأرض وسيادته عليها.

إن هدف التصعيد الأخير خدمة أجندة يمينية متطرفة، تركز على إزاحة وجود الفلسطينيين والتخلص من السيادة الفلسطينية العربية لتحل محلها سيادة صهيونية مزيفة فوق ركام شعب بأكمله. وهذا يأتي في إطار سلسلة من انتهاكات وتجاوزات للمواثيق والقوانين الدولية.

إقرأ أيضاً: في مزايا الصلع ومناقب الرجل الصليع

ما يدفعنا إلى التفاؤل المفرط حول مستقبل فلسطين، بالرغم من كل الدمار الذي تعانيه والمخططات المرسومة ضدها والتخاذل الذي تتعرض له، هو وضوح الطريق نحو التحرير ووضوح العقبات التي يجب تجاوزها ووضوح الأدوات التي يجب استخدامها ووضوح مسؤولية الشعوب تجاه هذه القضية الحميدة، واقتناع كل أحرار العالم أن الصهيونية الليبرالية العالمية أصبحت تمثل تهديداً كبيراً على البشرية في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وطالما أنَّ إسرائيل هي سم أفعى الصهيونية العالمية، فلا يمكن القضاء عليها إلا بقطع رأس الأفعى وتخليص العالم من سمها الخبيث.

صحيح أنَّ الهدف ليس سهلاً، ولكن الضرورة هي الأهم والإرادة أقوى... إنهم يرونها بعيدة ونراها قريبة.