مصيرنا أن نكون أبناء هذه المنطقة الملتهبة التي تتوسط العالم بنفطها وتاريخها ومقدساتها؛ يتربص بها القاصي والداني من جلاوزة هذا العالم حتى باتت ثرواتها نقمة عليها، وبات أهل العراق على سبيل المثال نتيجة لقسوة المؤامرات المُحاكة ضدهم يقولون "فليأخذوا نفطنا ويتركونا بحالنا"، ومن نكبات الدهر اليوم أن يتصدر بعض الشعوب اليوم إمعات يدعي بعضهم بالدين وخلافة الله، ويدعي الآخر بالقومية وتمثيل الأمة، وقد غدر الأول بدينه وشوهه، وغدر الثاني بقوميته وأمته وأهانها وحط من شأنها.

أكبر المحن والإبتلاءات اليوم هي تلك التي وقعت على رؤوس بلداننا وشعوبنا بعد أن اجتاحنا وسطا علينا كهنة معبد الولي الفقيه في إيران وقطعان ضباعهم وأفاعيهم تتوالى علينا مدينة تلو الأخرى مفترسة بلداننا ومقدراتنا وتاريخنا، وتتواصل مسيرتها بطباعها وخطابها المخادع ووفق المرسوم لها. أفلس كهنة المعبد من الدولة القاجارية فقبلوا بالتعاون مع الروس والغرب الذين وضعوا جنديهم رضا شاه سلطاناً على إيران المعاصرة، فلما أفلسوا منه خلعوه ونفوه إلى جنوب أفريقيا ووضعوا ابنه محمد رضا بهلوي شاهنشاه إيران خليفة له على العرش، وقد انعزل محمد رضا عن الشرق وتخلى حتى عن هويته، وقد حظي بدعم الغرب وبدعم كهنة ولاية الفقيه الذين تربط البعض منهم علاقات سرية قديمة وعميقة مع الغرب، وبدعم الملالي استمر حكم الشاه الذي اعتلى عرش أبيه المسلوب دون أدنى إحساس بالكرامة، ويتوالى حكمه بالطغيان وسند مسيرته أفاعي السوء ملالي السلطان الذين يتحملون مسؤولية دماء أبناء الشعب الإيراني وشعوب المنطقة المُراقة ظلماً وعدواناً؛ فلما تعاظم الرفض الشعبي للسلطان ولي نعمتهم، وتنامى المد الثوري في إيران، باعوا ولي نعمتهم للغرب وتعهدوا أن يكونوا الخليفة الأفضل للشاه مخلصين أوفياء على الطريق المرسوم ذاته.

لم يقض خميني في باريس التي دخلها على موعد وتنسيق مسبق سوى أشهرٍ قلائل، لذلك عاد كفرض واجب زعيماً مطلقاً على طائرة فرنسية، ومُهِدت له الأرضية ليكون الزعيم الأوحد الجدير بنفس البيعة التي بويع بها الشاه في حينها، وهكذا حطت الطائرة الفرنسية بكبرى الأفاعي التي ستتحكم بمصير الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، وقد رسمت هذا المصير الأسود للمنطقة وزاد سوءاً وسواداً يوماً بعد يوم، ولم تغادر تلك الأفعى إلا بعد أن خلفت وراءها خراباً وركاماً لا تُزيله ولا تبنيه الأيام والسنين وغرست شجيرات الأفاعي لتتمدد في المنطقة والعالم.

ماذا صنع كهنة المعبد في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين والأردن؟ هل سيكتفون، أم سيواصلون زحفهم نحو أقطار أخرى في أفريقيا والمغرب العربي؛ دروع بشرية لحقول الألغام وجماجم وشهداء بالإكراه ومعوقون وأرامل وأيتام وعنوسة وأضرار اجتماعية أصبحت ظواهر طبيعية، ومصانع أزمات مزدهرة وقطعان من السذج المغرر بهم يساقون حطب جهنم لمؤامرات الملالي ومخططات وشرورهم.

زجوا بالصبيان في حقول الألغام وساحات الحروب غير مُؤهلين ولا مُدربين، فاستشهدوا بالإكراه، وتركوا أقرانهم من الإناث في فراغ اجتماعي ومجتمع يعج بالمعوقين والأرامل والأيتام وشيبة وعجائز يعيلون أيتام ضحايا الحروب، ونواحٌ وأدمع لم تجف إلا بالرحيل عن الدنيا مادياً، لكنها بقيت في ذاكرة الصغار مخزونة معجونة بالألم لا تفارقهم؛ وعلى الجانب الآخر في العراق أوضاع مماثلة، كانت أفاعي الملالي سبباً لها، واليوم أيضاً في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين.

إقرأ أيضاً: إيران تشن على العرب حرب العملات المزورة

لا بصيرة لهم ولا وجدان، ولا تعرف لهم هوية ولا ملة، فإن حسبتهم على عرقٍ تجد أنه لم يسلم منهم، وإن حسبتهم على وطن تجدهم قد أمعنوا في تدميره، إن حسبتهم على دين فها قد خرجوا عليه وقتلوا وأذلوا معتنقيه ولم يقتلوا ولم يستهدفوا أحداً غيرهم، وإن حسبتهم على طائفة فها قد شوهوها وقتلوا وأهانوا أبناءها في إيران والعراق ولبنان وسوريا وفي كل مكان، وإن حسبتهم على وطن فها قد خانوه وأهانوه وخذلوه وأمعنوا فيه الفساد وقتلوا وشردوا أبناءه وأهانوا كبارهم ولم يرحموا صغارهم، وإن حسبتهم على الإنسانية فلن تجد لهم صلة بها ولا بصفاتها لا تفهم لهم وجهة ولا تجد لهم وصفاً يكفيهم... يأمرون بالبر ولا يعملون به، ويعتنقون الإسلام ويتنازلون عن أخلاقه، يوالون الأنبياء والأولياء ولا يقتدون بهم، ولا يتبعون سيرتهم وقيمهم، ولا يصونون كراماتهم، يقولون ما لا يفعلون وينقضون العهود والمواثيق، ولله الحمد لم يعد كذبهم مقدساً كما كان، فقد عمت فضائحهم أرجاء الكون، ولم يعد هناك ما يمكنه ستر سوءاتهم المفضوحة.

ولا تزال قطعان السذج تهتف بالولاء لرأس الأفعى وكهنة المعبد في إيران؛ وكم سعينا كي يفيقوا، ولكن الظلام كان قد خيم عليهم ونال منهم سم تلك الأفعى الرابضة في وكرها بطهران... لكننا سنبقى حتى ولو أبقينا مِداد أقلامنا كذلك الضوء الخافت الذي سيستنير به العميان يوماً ما... تُعمى الأبصار ولا تُعمى القلوب التي في الصدور.

إقرأ أيضاً: نظام الملالي ورخصة القتل

أبناؤكم وأبنائي ليسوا ملكاً لكم أو لي، أو لحكومة ما، وإنما هم ملكية إنسانية، أي أنهم ملكية عامة مطلقة... فالراحلون إلى مثواهم الأخير لا يأخذون أبناءهم معهم، بل يتركونهم يواصلون المسيرة في المجتمع مع باقي أفراده متفاعلين ومتعاونين... ولا تقف الإنسانية عند مجتمع أو عرق أو دين أو منطقة، وإنما تتخطى كل هذه الحواجز العنصرية، وبتخلي الفرد عن إنسانيته يصبح كائناً فاقد الأهلية ومريضاً ضائعاً يصعب علاجه كما هو في المجتمعات الفئوية العنصرية، ويبقى الهدف الأسمى هو إعلاء مكانة الإنسان كأغلى قيمة في الوجود.

من السهل على كهنة المعبد في إيران إثارة الحروب والفتن وصناعة الأزمات، ووفقاً لثقافة الإبادة الجماعية التي يعتمدها أفاعي الكهنة، فإنه لا يعنيهم الطفل ولا أمه ولا أبيه الإنسان، ولا يعنيهم سوى أن يصبح هذا الإنسان مجرد أداة لهم والدليل على ذلك ما يتعرض له أطفال إيران وأمهاتهم وأطفال العراق وسوريا ولبنان واليمن وعموم المنطقة بشكل أو بآخر... أمهات يعملن بالشقاء في أعمال قاسية من اختصاص الرجال وأطفال يعملون في الشوارع، وأمهات مُعيلات قد يُجبرن على نقل أشياء لا يعلمن بها كالمخدرات أو ممنوعات أخرى على سبيل المثال وتحت ضغوط المعيشة وانعدام الخيارات يحكم عليهن نظام كهنة الموت الحاكم في طهران بالإعدام دون أدنى مراعاةٍ للشرع ولا للإنسانية ولا لأطفال ستبقى من بعد موت الأم بلا مُعيل... وتحت خيمة وكر أفاعي طهران الحاكمة تلك استقمت أو لم تستقم فلن تسلم أنت وأطفالك من سمومها، وقد تعرضت مدارس الفتيات للتسميم الكيمياوي الموجه، وقتل عشرات الأطفال في انتفاضة 2022/ 2023 خير دليل على ذلك.

إقرأ أيضاً: أفاعي نظام الملالي ومشروع الفوضى الخلاقة

إنَّ مهمة مقاومة باعة الكذب ومدرسة الدجل في إيران ومخططاتهم بالمنطقة أمر واجب اليوم للدفاع عن الإنسانية التي يقتلونها ويخططون كل يوم من أوكار تلك الأفاعي المتمددة من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وكافة دول المنطقة لقتلها... ولن يسلم من شرهم حتى أولئك الذين يهادنون تلك الأفاعي في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا... ومع أن الحلول واجبة وممكنة، إلا أن الغرب لا يزال يدعم الكهنة وتلك الأفاعي وفاءً لميثاق العهد القائم بين الساحر والأفاعي.