من المُلاحظ أنّ "جبهة المُقاوَمة" لا تَزال مُتماسكةً ومُتراصّةً تَسير بِخُطىً حثيثةٍ نحو تقويَّة بُنيانِها من خلال توحيد كلِمتِها وخُطَطها السياسيّة والعسكريّة واستراتيجيتها الحربيّة، خاصّةً في الظروف الحالية الصّعبة والأوضاع العصيبة التي تعيشها المنطقة بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) و"طوفان الأقصى". هذه المرحلَة التي تغوَّلت فيها إسرائيل، حيث استباح الكيان الغاصب دِماءَ الأبرياء في غزة، بارتكاب جرائم إبادة جماعيّةٍ للشعب الفلسطينيّ بمُسانَدةٍ صريحة ومُعلنة من الولايات المُتحدة الأميركيّة ومُعظم الدول الغربيّة، التي تمُدّ إسرائيل بأحدث أنواع الأسلحة، ضاربَةً عرض الحائط كلّ القيَم والأخلاق الإنسانيّة والقوانين والمواثق الدوليّة، وفي ظلّ الصمْت الدولي الرّهيب واكتفاء الدول العربيّة والإسلاميّة بِالتنديدات والنداءات والمُناشَدات، التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

في ظلّ هذه الظروف العسيرة التي يَمُرّ بها الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزة والضفة الغربية وفي القُدس الشريف، وفي ظلّ هَوان الدول العربيّة والإسلاميّة وتّخلّيها عن القضية الفلسطينيّة وعجزِها المُطلق عن إيقاف الآلة الحربية الإسرائيليّة التي تُخلِّف كلّ يوم مئات القتلى والجرحى، لم تجِد حركة حماس أيَّ خيارٍ آخَر سوى اللّجوء إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة من أجل إجراء مباحثات في المجاليْن السياسي والعسكري وكذا توطيد العلاقات الثنائيّة بين الحركة وإيران، إيران التي تُعتبَر الدّاعِمة الأساسيّة لحركات المُقاومة في المنطقة، علماً أنّ أميركا تعمل كلّ ما في وُسعها لِشيْطنة العلاقات بين الجمهورية الإيرانيّة والدول العربيّة في المنطقة، من خلال سياستها الرّامية إلى خلق شرخ شاسع بين الطرفين وإيهام هذه الدول بأنّ الجمهوريّة تُشكِّل خطراً عليها، وأنّها تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة ونشر فكرِها الشيعيّ، وتوهِم هذه الدول كذلك بأنّ إسرائيل لا تُشكِّل أيّ تهديدٍ لدول الإقليم.

تَعتَبِر أميركا ومُعظم الدول الأوروبيّة الجمهوريّة الإيرانيّة أكبَر داعِمٍ للإرهاب، كما تعتبرها مِحوَر الشرّ في منطقة الشرق الأوسط، مُتناسيَةً أنّها هي أساس كلّ المَصائب وركيزة الإرهاب في المنطقة، وخير مثال على ذلك شنُّها العديد من الحروب ضدّ الكثير من دول المنطقة، إمّا بطريقةٍ مُباشرة أو عبْرَ وُكلائها (حُلفائها)، من أفغانستان إلى العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وغيرها... وها هي اليومَ تَقِف إلى جانِب الكيان الإسرائيليّ في إبادتِه الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ في غزة داعِمةً إياهُ بالمال والسلاح والتخطيط والتدبير.

من حقّ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية زيارة إيران وإجراء مُباحثات ومُشاورات مع قادَتها السياسيّين، لكوْنه يُدرِك أنّ مَن كان من المَفروض عليهم أنْ يقِفوا إلى جانب الشعب الفلسطينيّ في مِحنَتِه والدفاع عن القضية الفلسطينيّة قد وَلَّوُا الأدبار ولا يُمْكن التعويل عليهم في الوُقوف في وَجه إسرائيل وأمريكا والغرب من أجل وقْفِ هذه الحرب الشعواء النّكراء على الشعب الفلسطينيّ في غزة.