وجهة نظر حول quot;سجال بين رئيسي إتحادي أدباء العرب والعراقquot;..

قرأت في ثقافات إيلاف اليوم ما كتبه عبدالرحمن الماجدي عن quot;السجال بين رئيسي إتحادي أدباء العرب والعراقquot; عبر وكالة نيوزماتيك. و كما هو معتاد على الطريقة العربية، فإنه سجال و ليس حوارا، فالحوار قيمة مفقودة بين مثقفي هذا الجزء من العالم الذي تحكمه الايدولوجيا وتطعمه وتسقيه.


ينشأ الكاتب و الأديب العربي عموما في ظلال الايدولوجيا حيث الحلول جاهزة و الأسئلة مجابة، فالسياسة التي تحكم العقل لعربي المتعلم تحقن فيه و تبرمجه منذ نعومة أظفاره، فيتعلم الطفل على كراسي المدرسة أمجاد الحرب و القتل و الضرب و الطعن، ومن هو العدو ومن الصديق، ومنجزات الثورة والقادة الملهمين، ومؤامرات الصهيونية و أعداء العروبة و الإسلام. و بذلك يرث الطفل العربي ما يسميه المؤدلجون بـquot;الثوابتquot; التي تنتقل من جيل إلى جيل بدون نقد أو تمحيص بعد أن وصلت إلى درجة المعتقد المقدس من يخالفه قد جاور مرتبة الكفر. و فين حين يتعلم أطفال الآخرين اللعب والكومبيوتر والموسيقى، ويتعلمون كيف يبدعون ويبتكرون، ترى أقرانهم في أوطاننا يتعلمون الكراهية و البحث عن أعداء وفنون المؤامرات، و لذا بات طفلنا مستهلكا لما يصنعه طفلهم عبر العصور.


ومن المثير للاهتمام، ربما لباحثي علم الاجتماع السياسي في المستقبل، هي ظاهرة توارث المصطلح السياسي اللفظي عبر الأجيال في مجتمعاتنا، بين البسطاء و المتعلمين و ما يدعى بالمثقفين على حد سواء، رغم التحولات الكبرى في العالم التي غيرت الكثير من مفردات اللغة السياسية والفكرية تفاسيرها ومفاهيمها في جميع ثقافات العالم باستثناء هذا الجزء الذي لا يزال في نعيم quot;الثوابتquot; المريح، حيث لا تفكير إلا ضمن تلك الحدود، فترى طفلنا وكبيرنا، وبسيطنا ومثقفنا، يستخدم ذات المصطلحات وذات المفاهيم، و ترى أبن العاشرة على شاشة التلفزيون يتحدث عن المؤامرات بنفس منطق ابن السبعين و لغته.


يطلب سلماوي من فاضل ثامر ان يعيد تعريفه للأشياء، أو على الأقل استخدام لغته ذاتها حتى يقبله في فردوس الاتحاد العربي. عليه أن يلغي الفردي ليندمج في الجمعي، فلا مجال في الجسم العربي الوهمي للاختلاف، فالمختلف خائن و عميل، بل وquot; يقبضquot; من المخابرات الأميركية، لأن الايدولوجيا هي مالكة الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من قبل و من بعد، تستوي في ذلك الايدولوجيا العروبية و الاسلاموية (اللتين تحالفتا رغم ميراث الدم الذي لا يلبث أن يتجدد ) على حد سواء. علينا جميعا أن نتبنى ما يقوله quot;السيد المثقف المؤدلجquot; و إلا أصبحنا في دائرة المتصهينين و المتأمركين والمحافظين الجدد والموساديين. ما أطرفها ماكنة إنتاج لألفاظ هذه، ويا لخيالها الواسع، وما أضخم هذا الجهد المبذول في نخل اللغة لابتكار مصطلحات الإقصاء والهجاء.


لست عربيا و لا مسلما ما لم تؤمن بـ quot;الثوابتquot;، فلغتك و موقعك الجغرافي و جنسيتك لا تعني شيئا ما لم تتعبد في محراب بطولات صدام حسين و عبد الناصر و جهادات حسن نصرالله و حسن البنا أو أسامة بن لادن أو مقتدى الصدر وفق موقعك في الخارطة المذهبية، فما دمت هنا ومن هنا، فهذه خياراتك، فالعروبة والإسلام ليست انتماءات قومية أو دينية هنا، إنما هي سياسية بحتة.


تكفينا قراءة واحدة لمحاضر المؤتمرات القومية لنكتشف أي كم مكرر من الشعارات و المصطلحات تنضح بها عقول المجتمعين وافواههم، مقابل أقل من القليل من الفعل والتأثير. لم يوفروا الخبز و الحرية عندما حكموا، بل سلبوها و استلبوا الإنسان وخربوا الأوطان، و لن يقدموا حلولا وبدائل عملية وهم خارج السلطة سوى استجداء عودتهم بذات الشروط و النهج و الأخطاء.


تحتاج ثقافة الخطابة إلى الكثير من دورات التحول الاجتماعي لتتحول إلى ثقافة الفعل. رحم الله الأستاذ الكبير عناد غزوان، فالاتحاد العربي يريد اتحادا عراقيا يرأسه مراهق غر كعدي صدام حسين، و ليس فاضل ثامر بالتأكيد.

سعد صلاح خالص