من المسؤول عن مستقبل العراق والعراقيين؟ (2/2)

العراق: من البدلات الزيتونية الى العمائم البيضاء
لقد توالدت جماعات واحزاب وفئويات وعصابات في العراق الى الحد الذي لا يمكن متابعة اسماءها او احصاء اعدادها، ولقد تّحول العراق بقدرة قادر من بلاد النخب والمجموعات والافندية والمثقفين والمتخصصين الى بيئة لا اثر فيها للمجتمع المدني ابدا.. لقد نجح البعثيون من اصحاب البدلات الزيتونية والمسدسات المتدلية والشوارب السوداء الكثة والعيون البراقة اللامعة الى ان يغيروا جلودهم بهذه السرعة فينزعوا عنهم وبسرعة كل هيئتهم فيخرجون اليوم وهم من جماعات العمائم المدورة والوجوه الكالحة واللحى الطويلة والقذائف المحمولة!! لقد اختقى مجتمع عسكريتاري تحكمه القوى المخابراتية باسم الحزب الواحد والرئيس الضرورة القائد، وخرج من تحت عباءته مجتمع متمرد يستخدم الدين والاسلام بابشع وسيلة لتحقيق مآربه وتحكمه الجماعات والعمائم المتنوعة باسم هيئات وطوائف متمزقة!! فضلا عن شباب محطم في نفسياته ومغّيب في افكاره ومنسحق في ذاته.. لا يدري اين هو طريقه.. لا يعرف كيف يكسب قوت يومه.. لا يدرك اولويات عليا كي يفضلها على خصوصياته ومتطلبات حياته..
ان المشكلة لا تنحصر ابدا بمجموعة من الساسة المعارضين الذين كانت لهم ارتباطاتهم واجندتهم وجاءوا ليتولوا المسؤولية في العراق الجديد.. بل المشكلة اكبر واكثر تعقيدا، - كما كنت قد نبّهت الى حدوث ذلك في الذي كتبته عن مشكلات المجتمع العراقي -، اذ ان المشكلة الان تكمن بكل ما هو مخطط له ضد المجتمع العراقي المدني والبنية النخبوية الفوقية للمجتمع وضد حركة اعادة البناء والاعمار وضد مشروعات العراق الجديد.. مع طغيان التخلف الى الدرجة التي لم يميز فيها بين ما هو سياسي وبين ما هو اجتماعي.. بين ما هو ديني وما هو وطني.. بين ما هو دخيل وما هو اصيل!! ان العراق سوف لن يرى الاستقرار ان لم يتخلص من احتدام تناقضاته التي لا اول لها ولا اخر.. اقولها وساعيدها مرات ومرات.
والتفت الى الولايات المتحدة الامريكية لكي نقول انها السبب من وراء كل هذا الماراثون العجيب ولابد من يكشف التاريخ الاسباب التي جعلتها تغرق العراق في هكذا مستنقع آسن بعد ان ازالت نظام الطاغية .. وبعد ان اسقطت نظام الحكم السابق من دون ان تتعامل مع كيفيات تأهيل العراق واسترداد استحقاقاته بعد الحرب والاعتماد على الكوادر العراقية في تسيير العراق الجديد وكيفية اجتثاث كل اساليب الارهاب بالتعامل مع الحدود والتعامل مع القانون والتعامل مع الجماعات القديمة وتحقيق التطلعات التي يريدها ابناء العراق والقضاء على كل المسيئين وكل رموز الطاغوت وهم احياء يرزقون يتطلعون للعودة الى حكم العراق كرة اخرى! وبنفس الوقت كان استخدامها لشعارات وتطبيقها لممارسات لا يمكن ان يتمتع بها شعب خرج من اتون مرحلة شمولية لا يدرك مصالحه الدنيا، فكيف به يدرك مصالحه العليا! وهو الذي اصبحت تمثلّه جماعات ( دينية ) لا نخب ( مدنية ) من اجل تحقيق اهداف ( وطنية ) لا يمكن ان تتلاقى على تقرير المصير، وقضية الداخل والخارج واحدة من الامثلة التي تنازع فيها العراقيون وما زالوا امام كل العالم!


لماذا خسرنا حتى الاصدقاء القدماء؟
نعم، لقد ولدت العديد من كتائب وفصائل ما يسمى بالمقاومة العراقية وبدأت باصدار البيانات واخذت توزعها بصورة علنية في المساجد على مرأى ومسمع من الناس دون خوف أو وجل ولكن يبدو ان ابتداعها لاساليب من المقاومة الجديدة ستسيىء جدا الى العراق والعراقيين، وهذا ما يعترف به كل العقلاء ليس في العراق وحده، بل في كل العالم! وانني اشبه عمليات اختطاف المدنيين الابرياء من صحفيين ومراسلين وتجار وموظفي شركات وحتى سائقي شاحنات.. بعمليات تفجير المدنيين فهل من المعقول ان تتم عمليات الاختطاف لأناس مهنيين ومختصين جاءوا من بلاد بعيدة ليس لهم مع العراق والعراقيين الا المعروف واعادة الخدمات الى العراق! لماذا تريدون ايها الجهلاء ان تستعرضوا عضلاتكم على حساب هؤلاء اليابانيين والروس والفرنسيين والايطاليين والصينيين والبلغاريين والهنود والمصريين واللبنانيين وحتى النيباليين الفقراء.. الخ ما هذه الهجمة التي اساءت الى سمعة العراق والعراقيين باسم مقاومتكم؟ لقد اصبح العراق مرتعا لتصدير الارهاب ولوي ارادات الدول حتى في قراراتها الداخلية وكل ذلك باسم الدين الاسلامي.. انهم يشّوهون الدين الاسلامي.. وكل من يسكت على مثل هذه الافعال من الكتاب والساسة والاعلاميين العرب انما يشارك هؤلاء في عملياتهم الارهابية!
كيف يمكن ان تعيدوا بناء العراق وقد فقدتم ثقة هذه الشعوب التي هي ليست ضدكم ابدا؟ هل يجازي العراقيون الصين بمثل هذا الجزاء وينسون وقفاتها معهم؟ هل يدرك الخاطفون الذين يستخدمون الاسلام وشعاراته في اساليبهم وهم لا يعرفون قراءة جملة مفيدة واحدة ان اليابان قد اطفئت ديونها التي كانت مستحقة وبرقبة العراقيين؟ كيف يمكن للمهندسين الروس ان يرجعوا ثانية لاصلاح المولدات الكهربائية بعد ان تعّرضت حياتهم للخطر من قبل العراقيين؟ هل يمكن لهؤلاء من اصحاب الوساطة المعمّمين من هيئة العلماء المسلمين ان يفهموني كيف يمكنهم التعامل مع هكذا عصابات شريرة لا تدرك اولويات مصالحها الوطنية؟ هل لا يأتي استعراض القوة عند العراقيين الا مع اناس لا حول لهم ولا قوة؟ فهناك من يختطفوه وهناك من يقتلونه وهناك من يحزوّن رأسه وهناك من يمثلّون بجثته ويعلقونها على الاعمدة؟ انها الحالة الاستثناء في تاريخنا المعاصر ان يقتل العراقيون حتى من يساعدهم! واذا كنت لا اصدق ان يصل العراقيون الى هذه الدرجة من التوحش، فهل هناك طابور غير عراقي يعشش بينهم ليفعل كل هذه الافاعيل؟ ولماذا لا ينتظر العراقيون قليلا لنرى كيفية ستتم عملية الانتخابات التشريعية في البلاد عند مطلع السنة الجديدة 2005؟ ان العراقيين قد وقعوا بين ثلاث تحديات احدهم اسوأ من الاخر: الاحتلال والاختراق والفوضى.. وانا متأكد بأن العراقيين اذا بقوا من دون صمام امان، فسيأكل احدهم الاخر لا سمح الله والعبرة في النتائج.. وساذكركم بما اقوله اليوم في قابل الايام!


من يشّرع هذا الاسلوب باسم المقاومة؟
انه ليس تكتيكاً جديداً في العمليات تسلكه تلك التي يسمونها مقاومة عراقية وانها ليست اساليب نظيفة تستهدف الوجود المحتل في العراق، ويبدو ان الاساليب هي من مواريث وتركة نظام صدام حسين الجائر الذي عّلم العراقيين كراهية الاخرين مهما كانت نوعية الاخر، فكل اجنبي في الذهنية المتخلفة هو عدو لدود لابد الاقتصاص منه.. وعليه فان هناك من العراقيين من لم يّفرق بين المحتل والاجنبي، وكأنه اذا اختطف الاجنبي سيحصل على مكسبه فالعكس هو الذي سيحصل اذ انه سيفقد حسن نوايا الاخر به، وسيخلق له سمعة سيئة في هذا الوجود! ليس كل العالم عدو لكم ايها النفر المتخلف من العراقيين، فلقد وقفت شعوب ودول معكم ومع قضيتكم.. فلا يمكن ان تكافؤوها بهذا الشكل القبيح! وليست عمليات الاختطاف – كما يقول البعض – انها تكتيك جديد تلجأ إليه الجماعات المسلحة يدل دلالة واضحة على أن هذه الجماعات بدأت تفكر بطريقة أكثر جدوى من اجل الضغط الداخلي الذي ربما يكون هو الأنجع والأكثر فاعلية في التعامل مع تلك الحكومات، المساندة لقوات الاحتلال. لا ابدا!
هل يمكن ان يمنع هذا البعض هذه الجماعات من خطف العراقيين واطفال العراقيين ومساومتها بملايين الدنانير؟ هل يمكن لتلك الحكومات ان تخرج عن تحالفها مع الولايات المتحدة وتعريض مصالحها للخطر من اجل مجموعة خاطفين لا يدركون اثر ما يفعلونه! هل أمن العراقيون على حياتهم واموالهم واولادهم من قبل قتلة وجماعات تعّودت على اطلاق النار حتى نعتقد بأن مشروع الخطف سيحرر العراق.. فتصوروا كيف سيغدو العراق بيد محرريه الخاطفين؟


وأخيرا: لابد من تحقيق الامن اولا
ان هناك في العراق رجال شرفاء وهم يعملون من اجل العراق واستقلال العراق واعادة اعمار العراق ولا يمكنهم ان يكونوا من الكاذبين الدجالين الذين يلتزمهم الاعلام العربي فيجعل منهم ابطالا وهم بمثابة معول هدام لمصالح العراق والعراقيين في المستقبل.. وهنا التفت الى الحكومة العراقية المؤقتة ونسألها عما فعلته في مثل هذه الازمة الصعبة؟ كنا ندرك لماذا لم يكن باستطاعة مجلس الحكم السابق ان يفعل شيئا من اجل استعادة الامن والنظام؟ ولكن لماذا لا يحاسب من استقال وهرب بمسروقاته؟ وبالرغم من أن هيئة علماء المسلمين العراقية قد دعت لإطلاق سراح المختطفين الأجانب في أسرع وقت ممكن، وإحسان معاملتهم، استجابة لأوامر الشريعة الإسلامية، وكون اختطاف المدنيين من الأمور المستهجنة جداً فإن الرأي السائد لدى الهيئة يظل موضوع جدل من حيث شرعيته الأخلاقية والدينية! وهناك الجهات الاعلامية وخصوصا قنوات فضائية عربية كالجزيرة مثلا التي جعلت من نفسها ممثلة شرعية للخاطفين الذين تعلن رسائلهم وخطاباتهم واسماء جماعاتهم وكأنها قناة للمقاومة الوطنية العراقية ولابد من التنبيه على هذه القناة وغيرها من القنوات ان لا تجعل من نفسها وسائل لنقل رسائل الارهابيين.. ومن الاشياء الغريبة التي لا افهمها كيف باستطاعة الولايات المتحدة الامريكية ان تحتل العراق وتسحق أعتى نظام سياسي مخيف وهي تحتكر ما تريد فعله من سياسات متناقضة ازاء مختلف الفرقاء؟ انني ادعو الى فرض الامن والقانون في البلاد من اجل ايقاف الاختراقات الخارجية وتأمين اوضاع الامن والنظام .. فاذا وقف العراق على رجليه يمكنه ان يفاوض المحتل من موقع القوة ويخرجه.. فهل باستطاعته ان يمر بهذا السبيل من اجل حياته ومستقبل اجياله؟