اعتبرت مصادر أصولية أن رسالة أسامة بن لادن التي بثها أمس (الجمعة) تعد من أهم الرسائل التي وجهها زعيم تنظيم (القاعدة) منذ هجمات أيلول (سبتمبر) من العام 2001، و جاءت في وقت دقيق قبل أربعة أيام فقط من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما يدحض تلك الشائعات والتكهنات التي راجت عن مصرع ابن لادن أو القبض عليه وإخفاء الأمر حتى اللحظة الأخيرة لاستخدام هذا النبأ كعنصر حاسم في الانتخابات لمصلحة الرئيس الأميركي جورج بوش، وبدلاً من ذلك سوف يظهر فشله أمام الناخبين في القبض على المسؤول الأول عن هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الإرهابية .
لكن قطاعاً من المراقبين رأوا خلاف ذلك، معتبرين أن رسالة أسامة بن لادن في هذا الوقت من شأنها تعزيز موقف بوش في الانتخابات الرئاسية، وتؤكد لملايين الناخبين أمرين، الأول أن بوش محقّ في سياساته لمكافحة الإرهاب بالضربات الاستباقية وملاحقة عناصر المنظمات المتورطة، أما الأمر الثاني الذي خلفته رسالة ابن لادن فهو تعزيز أولوية المسألة الأمنية على غيرها من القضايا السياسية والاجتماعية الأخرى التي يتفوق فيها كيري على بوش، وهو ما يعني ببساطة دفع قطاع من المترددين فيمصلحة ترجيح كفة بوش .
في الجانب الآخر من المشهد رأى أصوليون من المتعاطفين مع نهج ابن لادن أن قطع كلمته وتعرضها للمونتاج قبل بثها حتى انحصر البث على رسالته للأميركيين لما أسماه "السبيل الوحيد للعيش بأمن وأمان، وتبريره لهجمات أيلول (سبتمبر)، ومخاطبته للشعب الأميركي بألا شيء سيحميهم ويوفر لهم الأمن غير الكف عما أسماه استهداف الإسلام والمسلمين، فضلاً عن تجديد الإعلان الصريح لمسؤولية تنظيم (القاعدة) عن هجمات أيلول (سبتمبر) " لكن الأصوليين اعتبروا أن توجيه ابن لادن إنذاراً للشعب الأميركي لا ينفي قرب وقوع الضربة للأسباب التالية بعد :
1- قد يوجه تنظيم (القاعدة) إنذارات إبراءً للذمة وتبريرا للأهوال الضخمة التي ستصيب الشعب الأميركي، على حد تعبيرهم .
2- قد يوجه تنظيم (القاعدة) إنذارات إذا تيقن من عجز أجهزة الأمن الأميركية عن وقف هذه الضربات والفشل في منعها أو معرفتها قبل حدوثها .
ويسود اعتقاد في أوساط كثيرة ان ابن لادن ربما يكون مختبئا في منطقة حدودية جبلية وعرة بين أفغانستان وباكستان، وفي حماية قبليين خارج سيطرة السلطات في الدولتين .

8 مبررات
ومضى الأصوليون الذين يتحاورون عبر أحد مواقع الإنترنت التي يغلب عليها التعاطف بل والتأييد لابن لادن والحركات الجهادية عموماً، ويبدو واضحاً من كتابات ومساهمات العديد من أعضاء الموقع أنهم خاضوا تجربة "الجهاد الأفغاني" في مرحلة ما، ليسوقوا عدة أسباب تعزز اعتقادهم بأن تنظيم (القاعدة) يرتب لعمل هجومي ضخم على الولايات المتحدة ومنها :
أولا : أن شريط أسامة بن لادن الجديد تضمن التالي :
1- إرشاده لما أسماه "السبيل الوحيد لحصولهم على الامن والامان" .
2- قوله "الدواعي لتكرار غزو أميركا لا تزال قائمة" .
3- استعراضه لما أسماه "جرائم أميركا القديمة والحديثة", أي إنه يبرر أي هجمات مستقبلية .
4- حديثه عما اعتبره عجز إدارة بوش, وادعاءه فهم طريقة تفكيرها, حين قال إنها عاجزة عن حماية شعبها، وإنه بوسع (القاعدة) تسديد ضربات أخرى وأيضا قال بوجود ثغرات أمنية لديهم .
5- حرص ابن لادن على ايجاد ذريعة إضافية لضرب أميركا عندما هدد الولايات الأميركية التي ستنتخب بوش، لأن ذلك يعد ضوءا أخضر إضافياً لما أسماه "حرب الإسلام والمسلمين"
ثانيا : شريط عزام الأميركي أو أبو صهيب الأميركي، وهنا يؤكد الأصوليون أن شريط عزام صحيح وأنه صدر بالفعل عن تنظيم (القاعدة) استناداً إلى أنه لا يمكن لإدارة بوش أن تغامر بإصدار شريط مُفبرك مدته 75 دقيقة ناهيك عن أن الخطاب الجهادي الإسلامي تصعب فبركته، معربين عن اعتقادهم بأن هذا الشريط إبراء للذمة وتبرير للهجوم المقبل وتحد لبوش وإدارته .
ثالثا : ربط الأصوليون بين رسالة ابن لادن الأخيرة هذه، ورسائل أيمن الظواهري الأخيرة، وخاصة التي دعا فيها إلى إرسال ما أسماه "سرايا جهادية"، لتسديد ضربات لأميركا وأوروبا
رابعاً: تحدث الأصوليون عما وصفوه بالهدوء النسبي منذ تفجيرات مدريد، فبعد أن تعرضت (القاعدة) لضربات عديدة خلال عامي 2002 و 2003 , فقد اتسم العام 2004 بإعادة قيام (القاعدة) بتنظيم صفوفها وإعادة ترتيب أوراقها وخططها المستقبلية .
خامساً: الإشارة إلى وجود بعض أعضاء (القاعدة) داخل الأراضي الأميركية، كالأشخاص السبعة المدرجين على لائحة المطلوبين, فضلاً عن اقرار أجهزة أمنية عديدة بوجود عناصر من القاعدة في أميركا اللاتينية وكندا, علما بأن الحدود الأميركية مع كندا شبه مفتوحة .
سادسا : قال الأصوليون إن إقرار عدد من المسؤولين الامنيين الأميركيين بجدية تهديد القاعدة لأميركا، وعلمهم بمحاولات القاعدة للحصول على أسلحة دمار شامل وتخطيط (القاعدة) لتنفيذ هجمات جديدة , مشيرين إلى العبارة المنسوبة الى بروس هوفمان (المتخصص في قضايا الإرهاب)، من أن "تنظيم القاعدة يُعد لنا أمرا يفوق مخيلتنا"، بحسب المصدر ذاته.
سابعاً :إن دعوة ابن لادن والظواهري إلى إنشاء ما أسمياه مجالس الحل والعقد، وهو ما اعتبر أمراً للمجاهدين للاستعداد لمرحلة ما بعد أميركا، حتى يستغلوا الفوضى العالمية المتوقع أن تحدث، ومن مظاهرها على سبيل المثال الانهيارات الاقتصادية .
ثامناً وأخيراً : ما عبر عنه الأصوليون بالاستبشار بشهر رمضان، والقول بترجيح دمار الولايات المتحدة قبل ظهور "المهدي المنتظر" إضافة لما اسماه الأصوليون "بعض الحسابات الرقمية في القرآن الكريم، التي تفيد بأن حدثاً ما سيقع خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وهي الحسابات التي قالوا "نستأنس بها خيرا ولكن فيالوقت نفسه لا نبني عليها فنحن بشر نصيب ونخطئ"، على حد تعبيرهم .

سر يوم الثلاثاء
ومضت المصادر ذاتها موضحة أن المتتبع لعمليات تنظيم (القاعدة) يكتشف أن معظمها وقعت على النحو التالي : إما في أيام الثلاثاء، أو بعد ظهيرة أيام الجمعة، وأنها في الأغلب الأعم حدثت في أوقات الصباح، مشيرين إلى أن هذه التوقيتات ليست مُلزمة بالضرورة ولكن لو تسنى لمنفذي العمليات الاختيار لاختاروا تلك الأوقات، والسؤال هو : لماذا هذه الأوقات تحديداً ؟ ويتطوع الأصوليون أنفسهم لتقديم المبررات أو القراءات التالية :
ـ يتم اختيار يوم الثلاثاء تيمنا بمعركة بدر التي وقعت في هذا اليوم وبالتالي يتم اختيار يوم الثلاثاء اذا كانت الأرض المستهدف تنفيذ عملية فيها أرضا غير اسلامية، (أي في الدول غير الإسلامية) أيضا ومن هنا فلم تكن مصادفة أن تحدث هجمات مانهاتن ونيويوركو مدريد وبالي كلها أيام الثلاثاء.
ـ يتم اختيار يوم الجمعة لتنفيذ العمليات في البلاد الإسلامية بالتزامن مع صلاة الجمعة لئلا يُصاب مسلمون في الهجوم فالمسلم يجب أن يكون في المسجد في هذا الوقت ومن أصيب من المسلمين فلا يلوم إلا نفسه (ويسوقون أمثلة في سبيل إثبات ذلك بتفجيرات كينيا ودار السلام) .
ـ يتم اختيار وقت الصباح في معظم الأحوال، لئلا تفوت المنفذون صلاة مكتوبة، فالوقت بين آذان الفجر إلى آذان الظهر متسع, ولئلا يستشهد المهاجم وهو مدين بصلاة مكتوبة، (أمثلة : كل عمليات القاعدة باستثناء هجمات بالي وطابا)، على حد تعبيرهم .
و تجدر الإشارة هنا إلى أن آخر شريط فيديو ظهر فيه ابن لادن كان يوم العاشر من أيلول (سبتمبر) 2003 عشية الذكرى الثانية لاعتداءات الحادي عشر من أيلول، بينما كان آخر تسجيل صوتي له في شهر نيسان (أبريل) الماضي، الذي عرض فيه "هدنة" على الدول الأوروبية التي توافق على "عدم الاعتداء على المسلمين" وعدم التحالف مع واشنطن.