ليلى بسام من بيروت: يختلف اللبنانيون فيما بينهم حول اسباب الحرب الاهلية التي عصفت ببلادهم على مدى خمسة عشر عاما وانتهت عام 1990 . وصدرت كتب كثيرة تسرد رواية تلك الحرب من زوايا ورؤى مختلفة لكن احدا من زعماء الحرب لم يكتب رؤيته لها الى ان جاء كتاب الصحافي اللبناني نبيل هيثم "نبيه بري .. اسكن هذا الكتاب".

ويروي الكتاب من خلال السيرة الذاتية لزعيم حركة امل الشيعية ومن خلال موقعه كاحد اللاعبين الاساسيين على مسرح الاحداث قصة الحرب واسبابها وتداعياتها.

وتحايل بري ومؤلف الكتاب نبيل هيثم على السياسة والتاريخ للافلات من حدودهما الضيقة والانطلاق الى فضاء ارحب اتسع للسياسة والتاريخ وعناصر اخرى كثيرة كان لها تاثير في تكوين نبيه بري.

وتتسلسل الاحداث بدءا من الطفولة و"جمعية الكف الاسود" التي ناضلت من اجل استرجاع فلسطين على طريقتها الى مرحلة الشباب والنضال الطلابي عندما برز بري في كلية الحقوق بقوة شخصيته وحضوره لان يصبح عضوا في الرابطة الطلابية ثم رئيسا لها ثم رئيسا لطلاب الجامعة اللبنانية فرئيسا ايضا لاتحاد الطلاب الجامعيين.

وجاء اسلوب الكتاب ليظهر تدخل الكاتب بين حنايا رواية سردية لشخص ولد في بيئة ميسورة ماديا وسط الحرمان وتحكم الاقطاع بعامة الناس في منطقة جبل عامل الجنوبية لينتقل الى الدراسة في احدى الارساليات وهو مفعم بالشعور بعدم عدالة الوضع الاجتماعي والتنموي في البلاد.

ويوضح بري في الكتاب كم تحكمت البراجماتية في تفكيره من خلال روايته لمحاولته ان يأكل بعضا من عنقود عنب وقت الصيام وكان لم يزل طفلاً في السابعة من عمره فيقول "اذا ما تناولت الحبة الكبيرة فمن المؤكد انني سافطر لانها كبيرة وتفطر واما الحبة الصغيرة فلا اعتقد انها تؤثر لانها صغيرة ولن يكون لحجمها اي تأثير على الصيام وبالتالي هي لا تفطر."

وعن بداية تكونه سياسيا يقول بري "ثمة من كان يعتبرني يومها شيوعيا واخرون اعتبروني بعثيا وغيرهم اعتبرني قوميا عربيا انما في الحقيقة لم يكن انتمائي بالمعنى الحصري لهذا الفريق او ذاك ففي الامكان القول انني كنت بعثيا وفي الامكان القول انني كنت قوميا عربيا ولكن ليس في الامكان القول غير ذلك."

وبري احد اقرب حلفاء سوريا في لبنان حيث تحتفظ دمشق بقوات يزيد قوامها على 20 الف جندي منذ عام 1976 عندما دخلت القوات السورية لبنان للمساعدة في وقف الحرب الاهلية.

ويصف بري نفسه بانه بارع في السياسة اذ يقول "كثيرون جدا مارسوا السياسة على اساس انها كذب ورياء وطعن في الظهر وخردقة وتوريط. وبكل صراحة اقول ان ايا من هؤلاء لم يكن ابرع مني في السياسة .. انني في الحقيقة قد مارست السياسة بنزاهة فالسياسة المباشرة الصريحة والمواجهة هي التي تحقق الهدف سريعاً."

ويتناول بري سيرته على طريقة سرد القصص الشعبية التي يتخللها طرائف او مشاغبات صبيانية من هنا وهناك حصلت معه او مع احد اصدقائه او معارفه وهو يطعم روايته بكلمات عامية بين قوسين محاولا من خلالها ان يعكس اصالة انتمائه لاهل الجنوب.

ويروي بري قصة انشاء "المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى" الذي اسسه الامام موسى الصدر في ستينات القرن الماضي من خلال الحديث عن دوره في عملية التأسيس ليتابع مع انشاء "مجلس الجنوب" في ضوء التململ الشعبي لسكان الجنوب من العمليات الاستعراضية التي كان يقوم بها الفلسطينيون بعد كل عملية ضد القوات الاسرائيلية في شمال اسرائيل.

وينتقل بري بعدها الى الحديث عن تأسيس "حركة امل" عام 1974 .

ومن موقعه كاحد زعماء الحرب ينتقل بري في روايته الى التفاصيل الصغيرة والكبيرة وفي الشوارع والزواريب التي شهدت ابشع احداث الحرب التي حصدت عشرات الالاف من القتلى والجرحى ناهيك عن تطهير طائفي من الجانبين المسلم والمسيحي.

وباسلوب يضفي عامل التشويق على الرواية يستحضر اسماء قادة كبار او وسطيين واحيانا اناسا عاديين كان لهم دور ما فيما حدث.

الدخول السوري والاجتياح الاسرائيلي الاول لجنوب لبنان عام 1978 والاجتياح الثاني عام 1982 الذي وصلت خلاله القوات الاسرائيلية الى قلب العاصمة بيروت واختفاء الامام موسى الصدر واتهام حركة امل للعقيد الليبي معمر القذافي بالمسؤولية عن هذا الاختفاء .. قصص يرويها من زاوية الموقف السياسي لحركته.

ولا يغفل بري الكلام عن الدور العسكري للحركة في كل هذه الاحداث وصولا الى حرب المخيمات التي اشتعلت في منتصف ثمانينات القرن الماضي بين حركة امل والمخيمات الفلسطينية وحرب "الاخوة" مع حليفه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ولاحقا مع حزب الله المدعوم من سوريا وايران.

ويستمر وصولا الى مفاوضات جنيف ولوزان وانتهاء بمؤتمر الطائف الذي وضع حدا للحرب الاهلية ولاحقا توليه رئاسة مجلس النواب منذ 12 عاما بدعم مطلق من سوريا وحلفائها في لبنان.

ويتناول بري بعض الشخصيات السياسية الكبيرة في البلاد بالنقد المهذب حينا واللطيف احيانا اخرى ويبتعد عن التجريح حتى بخصومه السياسيين مما يجعل الكتاب رواية شيقة لا تخلو من مواقف اثارت حفيظة عدد من الساسة الذين ردوا على ما ورد في الكتاب ببيانات نشرت في وسائل الاعلام اللبنانية.

ورغم ان بري هو الراوي الاساسي في الكتاب فان اسم الكتاب هو فعلا اسم على مسمى.. فبري هو ساكن يتمدد على صفحات الكتاب بطوله وعرضه فيما استطاع الكاتب نبيل هيثم ان يتحرك كجندي وسط حقل الغام لحساسية الكلام ودقة المواضيع واثرها على المسرح السياسي اللبناني.

ويسجل للكتاب الذي يقع في 518 صفحة وتصدره دار بلال للطباعة انه مذكرات لشخص لا يزال في موقع القرار وهذا امر نادرا ما يحصل.