بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اجتماعاتها منذ بداية الاسبوع الحالي في مقرها في العاصمة النمساوية فيينا لمناقشة مشروع قرار أوروبي بشأن البرنامج النووي الإيراني. وخلال هذه الاجتماعات واجهت إيران وضعا غير عادي بعد أن تخلت عنها، ليس بالكامل ولكن ليس كما كانت عليه, البلدان الأوروبية الثلاثة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بعد ان كانت ضامنة لها في السابق.
ويأتي موقف الدول الاوروبية ولو انه يبتعد بعض الشيء عن الموقف الاميركي بعد ظهور اكثر من دليل لدى دول الاتحاد الأوروبي بأن إيران تجري ابحاثا في مجال الطاقة الذرية ليست، كما تقول للاغراض السلمية . فقد وزعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا مشروع قرار قبل اجتماع الوكالة الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي ينص على إمهال إيران فرصة حتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لتبديد الشكوك حول برامجها النووية. واجري عليه تعديل بعد ان وزع رسميا على الدول اعضاء مجلس المحافظين . وعلى الرغم من تباين وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاميركية حيث يتمحور حول مدى التشدد حيال إيران لحملها على احترام الضوابط المفروضة عليها في معاهدة الحد من الانتشار والتزامها بعد توقيعها البروتوكول الاضافي ، تحدث ديبلوماسيون في الوكالة عن تقدم في اتفاق الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث على صياغة مشروع قرار موحّد بعد ان تجاهلت الدول الأوروبية الثلاث مسودة المشروع الذي أعدته الولايات المتحدة وعممت مقترحاتها الخاصة على سائر الأعضاء أيضا.
اما مشروع القرار الأوروبي الموزع أمس كان نسخة مطابقة للنص الذي وزعته الدول الأوروبية الجمعة والذي وصفته الولايات المتحدة من جانبها بأنه غير مقبول. ويدعو مشروع القرار الأميركي إيران إلى السماح لمفتشي الوكالة بدخول المنشآت النووية بشكل كامل وفوري وغير محدود، والى تقديم كامل المعلومات المتعلقة بالنشاط غير الشرعي السابق وتعليق تخصيب اليورانيوم فورا وبشكل كامل وذلك حسب مفردات البروتوكول الاضافي الذي وقعته إيران بكفالة الدول الأوروبية الثلاث.
وعلى الرغم من الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول آلية التعامل مع إيران لكن ديبلوماسيين في مقر الأمم المتحدة في فيينا صرحوا بأن هناك اتفاقا كاملا بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في عدم السماح لإيران أن تملك أسلحة نووية في منطقة حساسة لأمن العالم واستقراه. وأحد نقاط الخلاف الجوهرية بين الطرفين الأوروبي والاميركي حول اتخاذ إجراء صارم ضد إيران بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن تلقائيا إذا لم تلب طهران متطلباتهما حسب الموعد النهائي المحدد له في نوفمبر القادم، وهو ما لا تحبذه في الوقت الحاضر الدول الأوروبية الثلاث. وعلى الصعيد ذاته قال محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس من الضرورة ان يكون نهاية نوفمبر موعدا نهائيا لإيران لتقديم معلومات بشأن برنامجها النووي.
وكانشدد عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور بوب غراهام على انه لا يمكن السماح لإيران بالحصول على الأسلحة النووية لأن ذلك سيؤدي إلى سباق للتسلح في منطقة الشرق. وتحاول الولايات المتحدة ان تكثف الضغوط على إيران خلال هذا الأسبوع من أجل أن تقدم طهران أدلة تبدد المخاوف بشأن برنامجها النووي،ولكنها قللت من أهمية الحاجة إلى فرض عقوبات مباشرة. من جانبه شدد وزير الخارجية الأميركية كولن باول على ضرورة تحرك المجتمع الدولي للضغط على إيران من أجل الكشف عن برامجها النووية. وكانت كوندوليسا رايس مستشارة الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي عبرت عن ثقتها في أن الخلاف يمكن حله من خلال الديبلوماسية. وقالت: "نعتقد أنها مسألة من الأفضل حلها بالوسائل الديبلوماسية، وأن هذا الحل ممكن. والعالم يجمع على أن من غير المقبول أن تنخرط إيران في نشاطات يمكن أن تمكنها من بناء برنامج عسكري تحت غطاء برنامج نووي سلمي".
وأشارت رايس في مقابلة مع إحدى شبكات التلفزيون الأميركية. إلى أن الرئيس بوش لا يستبعد أي خيار مطروح، إلا أنه يرى إمكانية حل هذه القضية على أفضل وجه بالسبل الديبلوماسية. وقبل بداية اجتماعات مجلس محافظي الوكالة أعلن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اهارون زئيفي يوم الاثنين أن إيران لن تكون بحاجة لاي مساعدة أجنبية في المجال النووي العسكري بعد ستة اشهر. وقال لإذاعة الدولة العبرية أن "الأشهر الستة المقبلة ستكون حاسمة وذلك لاندفاع إيران من اجل الحصول في الربيع المقبل على القدرة النووية، وهذا لا يعني أنها ستمتلك القنبلة عام 2005 لكن ستكون لديها كل الإمكانات اللازمة لصنع أسلحة نووية بدون مساعدة أجنبية". وكان حميد رضا آصفي، الناطق باسم الخارجية الإيرانية قد صرح أنه إذا كان الموضوع هو "ألا نتوصل إلى التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فإن هذا الموضوع أصبح منتفيا لأننا توصلنا إلى هذه التكنولوجيا ونمتلكها. وأضاف آصفي أن بلاده ترفض أي قيود على حقها في التكنولوجيا النووية المدنية، وتعتبر مسألة بناء أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم "هامشية".
كما اعتبر ممثل أهالي تبريز فى مجلس الشورى الاسلامي محمد حسين فرهنكى ان مجلس حکام الوکالة الدولية للطاقة الذرية يرتکب خطا فادحا اذا ما أحال الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وأکد فرهنكى أن الجمهورية الإسلامية الايرانية لن تتنازل عن مصالحها الوطنية معتبرا الاستخدام السلمي للتکنولوجيا الحديثة بأنه حق طبيعي لكل شعب ودولة فى العالم. وقد صرح في مقر الوكالة احد المسؤولين فيها بأن هناك دلائل على أن إيران أنتجت بلوتونيوم في وقت أحدث مما اعترفت به، وأن المعلومات التي قدمتها إيران كانت في بعض الأحيان متأخرة جدا بحيث لا يتسنى تحليلها قبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الحالي. ان البرنامج النووي الإيراني الذي تتجاذبه طهران بين التأكيد على أنه للاغراض السلمية ووجود اكثر من دليل على انه غير ذلك من جهة،ومن جهة اخرى مرونة مع الجانب الاوروبي في هذا الموضوع لفترة تتغير سياستها بعد حين مرة اخرى، وفي رفض مفتوح لكل مقترح اميركي في مجال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية والامم المتحدة، يعيد إلى الاذهان ما كان يقوم به نظام صدام حسين المقبور في بغداد. اما السؤال المهم هو موقف الدول العربية في مجلس المحافظين من جانب، ومن جانب آخر استراتيجتها على المدى القريب والبعيد بعدأن تكون ايران قد ملكت اسلحة نووية بالإضافة إلى ما تملكه إسرائيل. وفي تلك الحالة سوف تكون منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الدول العربية جميعها تحت خطرمحدق إذا ما لم يتدارك الان وضعه، لان نتائجه ستكون مرعبة، خاصة على الامة العربية.
التعليقات