تعيش بيروت أجواء هدوء ما بعد العاصفة الذي ربما يكون أيضا هدوء ما قبلها، وانصرف الجميع إلى اعادة تقييم كل ما جرى على ضوء التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية فترة ولايته لثلاثة أعوام، وصدور قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559 الذي يطالب بالانسحاب السوري وبنزع سلاح كل الميليشيات في لبنان.

وتقوم السلطة اللبنانية بعملية "حصر للاضرار" وتطويق داخلي للانعكاسات السلبية المتعددة لتعديل الدستور الذي سمح بتمديد ولاية رئيس البلاد، بضغط سوري مباشر وخفي، كما تؤكد واشنطن، وبالقمابل تقوم المعارضة المسيحية، بحشد قواها لاستقبال ذكرى مقتل الرئيس اللبناني الاسبق بشير الجميل (في14أيلول/سبتمبر)، الذي اتى إلى الحكم مباشرة بعد دخول القوات الإسرائيلية إلى لبنان العام 1982، حيث يتوقع ان تكون ذكرى مقتله لهذا العام مناسبة لاستعراض قوة تمارس ضد الوجود السوري في لبنان وضد السلطة اللبنانية نفسها، خاصة ان من يقوم بالحشد حاليا هم عناصر من القوات اللبنانية (المليشيا المحظورة والتي يقبع قائدها سمير جعجع في السجن). وسيتم في الاحتفال القاء كلمة باسم البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، الذي يعتبر كلامه السابق مباشرة على التمديد لرئيس الجمهورية أكثر المواقف لبنانية معارضة للوجود السوري في لبنان.

وعلى خط معاكس تقوم الكتائب اللبنانية (الحزب المسيحي الذي يؤيد الوجود السوري في لبنان، والذي يحصل على مناصب في الحكم) باحتفال للمناسبة نفسها، وقد وزع بطاقات تذكر بكلام الرئيس القتيل بشير الجميل جاء فيها "وحدنا نستطيع ان نعلن اليوم دولة التقسيم، وهذه أمنية غيرنا وغايته ليبرر لاحقا إعلان دولة التوطين، خاب فألهم. لن نقدم عليها اليوم، ولا في أي يوم".

رئيس الجمهورية الممدد له تحدث عن الوضع في العراق رابطا ما بين المعارضة الدولية لتعديل الدستور اللبناني وما بين ما يحصل في العراق، مؤكدا "ان القوة لن تولد الا المزيد من العنف والقتلى والدمار"، وقال ان ما حصل في مجلس الامن الدولي من اصدار قرار حول لبنان يندرج ضمن "الضغوط التي تمارس على لبنان وسوريا لدفعهما الى تغيير الاستراتيجية التي انتهجها البلدان في مقاربة النزاع العربي – الإسرائيلي"، مشيرا إلى انها لن تغير في الموقف اللبناني من مجمل القضايا خاصة توطين اللاجئين الفلسطينيين على اراضيه.

وحول التعديل الحكومي بعد ازمة استقالة اربعة وزراء من الحكومة التي يرأسها حاليا رفيق الحريري، لمعارضتهم التمديد لرئيس الجمهورية رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري ان الاحتمال الاكبر هوة لتشكيل حكومة جديدة قبل نهاية الشهر الحالي. مؤكد ان امام الحكومة الجديدة مهمات عاجلة أهمها قانون الانتخاب، خصوصا ان عمرها الفعلي اقصر من ثمانية اشهر للانهماك الجميع بعد انتهاء الموازنة بالانتخابات النيابية.

وفي بيروت شهدت الورقة الرسمية التي تقدمت بها وزارة الخارجية اللبنانية إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن ردا على قرار المجلس الرقم 1559، استنكارا خاصة لناحية ضعف مضمونها، ومن ناحيتها ربطت سورية عبر اذاعتها الموقف الإسرائيلي المرحب بالقرار الدولي بنية اسرائيل جر لبنان إلى توقيع معاهدة سلام معها، وهو ما يعتبر متأخرا على مستوى التحليل حيث اعلنت اسرائيل صراحة رؤيتها لمستقبل لبنان على المدى البعيد، بصفته "الدولة الثالثة التي تقيم معاهدة سلام مع تل ابيب" بعد مصر والاردن. وهو طبعا ما يشير إلى نقل المرجعية اللبنانية من دمشق إلى تل ابيب.

لحود

وابلغ رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود الموفد الصيني الى منطقة الشرق الاوسط السيد وانغ شي جي، الذي استقبله ليلا، تقدير لبنان للموقف الذي اتخذته الصين بامتناعها عن التصويت على القرار الرقم 1559 في مجلس الأمن يوم الخميس الماضي.

واطلع لحود الموفد الصيني على وجهة نظره حول الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا الى التحرك في مجلس الامن، معتبرا انها تندرج في اطار الضغوط التي تمارس على لبنان وسوريا لدفعهما الى تغيير الاستراتيجية التي انتهجها البلدان في مقاربة النزاع العربي - الاسرائيلي. وقال :"ان مثل هذه الضغوط لن تثني لبنان عن التمسك بحقوقه العادلة وبنظرته الى الحلول الواجب اعتمادها لحل ازمة الشرق الاوسط، من خلال تحقيق السلام العادل والشامل والدائم الذي يقوم على انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة في لبنان وسوريا وفلسطين وعودة الفلسطينيين الى ارضهم ومنع توطينهم في الدول التي تستضيفهم ومنها لبنان".

واعتبر لحود ان الوضع في العراق يزداد خطورة يوما بعد يوم، لان القوة لن تولد الا المزيد من العنف والقتلى والدمار، وان على الامم المتحدة ان تتسلم الملف العراقي بكل تشعباته ليتمكن الشعب العراقي من تحديد خياراته بحرية وديمقراطية.

الحريري

واختتم رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري زيارته إلى القاهرة بلقاء الرئيس المصري حسني مبارك، وعاد بعدها إلى بيروت.

وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط ان مباحثات الحريري مع مبارك التي جرت في مقر الرئاسة في مصر الجديدة "تناولت سبل دعم العلاقات الثنائية في كافة المجالات بالاضافة الى استعراض اخر المستجدات الخاصة بقضايا الشرق الأوسط".

إذاعة دمشق

وقالت دمشق انه "كان مفاجئا ان تبدي إسرائيل ترحيبها بقرار مجلس الامن رقم 1559 المتعلق بالشأن اللبناني والسوري، وهي التي تستخف بالقرارات الدولية.

وقال التعليق السياسي اليومي لـ"اذاعة دمشق" ان "إسرائيل حاولت توظيف القرار 1559 بما يخدم مصالحها ومخططاتها العدوانية في المنطقة، بدليل انها عندما غزت لبنان عام 1982 حاولت ان تفرض عليه بالقوة اتفاق السابع عشر من ايار الذي يحوله الى محمية اسرائيلية ومنصة للانطلاق منها في تنفيذ سياستها العدوانية في العمق العربي".

أضاف التعليق ان "ان إسرائيل ما زالت تتحين الفرص لتنفيذ مآربها في لبنان وفي الساحة العربية".

وتابع: "ان اسرائيل تعتبر وحدة المسارين السوري واللبناني، العائق الاساس بوجه تحقيق اطماعها، وان فك الترابط بين المسارين يجعل من لبنان فريسة سهلة الاصطياد بحيث يمكن احياء اتفاق أيار المقبور، بمد هيمنة اسرائيل الى الساحة اللبنانية".

وأشار الى ان "التهديدات الإسرائيلية تندرج في إطار استراتيجيا اشمل تمتد خيوطها من تل ابيب الى واشنطن وبعض العواصم العربية، بهدف احداث تغيير في المنطقة يخدم مصالح اسرائيل ويؤدي الى احتوائها وفرض الهيمنة عليها، بعد ازالة العقبة الكأداء التي تشكلها سوريا ولبنان سدا بوجه التحديات والمستجدات العدوانية القائمة".

واعتبرت الاذاعة ان القادة الاسرائيليين وجدوا في القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي حول سيادة لبنان فرصة لتكثيف تهديداتهم ضد سوريا بحجة انها تدعم ما يسمونه "الإرهاب الفلسطيني" وانها تقدم اسلحة لحزب الله الشيعي اللبناني.

بري

واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقائه الاسبوعي مع النواب "ان خوض معركة الدفاع عن الديموقراطية في لبنان في المحافل الدولية ليس دعوى خاسرة كي يكون مبررا التهرب منها او انتظار ما تحمله رياح الاقدار".

واكد للنواب "ان تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي "ان لبنان البلد الثالث لتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل غداة صدور قرار مجلس الامن 1559"، يغنينا عن الحاجة لتفسير القرار وكشف أبعاده".

وأضاف بري:" ان السؤال المطروح على الدول الكبرى، هو: هل نحن امام حل لازمة المنطقة؟ واذا كان الأمر كذلك، فسوريا ولبنان اول المطالبين بالحل والرعاية الدولية، وإسرائيل هي المتمردة، فلماذا استهداف سوريا ولبنان وتجاهل اسرائيل؟ واذا كان الهدف هو الحل فما هو مبرر طرح شروط تتحقق تلقائيا بمجرد انجاز الحل، كالوجود السوري والسلاح اللبناني المقاوم وغير اللبناني".

وعن التغيير الحكومي أعطى بري "ارجحية لتشكيل حكومة جديدة مع نهاية الشهر الحالي"، وقال للنواب:" ان امام الحكومة الجديدة مهمات عاجلة أهمها قانون الانتخاب، خصوصا ان عمرها الفعلي اقصر من ثمانية اشهر للانهماك الجميع بعد انتهاء الموازنة بالانتخابات النيابية".

وحول قانون الانتخاب أكد بري "الحاجة لانجازه قبل نهاية السنة على ابعد تقدير"، داعيا النواب الى "التمسك باصرار على اعتماد مقياس واحد للدوائر الانتخابية في كل لبنان والخروج من القوانين التي تتضمن في كل منطقة دائرة مختلفة عن الاخرى".

صفير

ومن ناحية أخرى بح البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير خلال ترؤسه في الصرح البطريركي في الديمان الاجتماع الدوري لنوابه العامين، في شؤون كنسية وراعوية ووطنية.

وكان البطريرك صفير استقبل السيدة ستريدا جعجع، زوجة قائد حزب القوات اللبنانية المحظور سمير جعجع، يرافقها المحامي ايلي كيروز، التي وضعته في التحضيرات القائمة لقداس ذكرى شهداء القوات اللبنانية، الذي سيقام الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الاحد المقبل الواقع فيه 12 الحالي، الذي سيترأسه المطران شكرالله حرب ممثلا البطريرك صفير.

الكتائب

وبالمقابل فقد أعلنت محافظة بيروت الكتائبية (الحزب المسيحي الذي اصبح جناحه الرسمي يؤيد سورية وممثلا في الحكم) ولمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لغياب الرئيس اللبناني الاسبق بشير الجميل اقامة " يوم بشير الجميل الكتائبي" في اقاليم بيروت الكتائبية واقسامها يوم الجمعة 10 أيلول الجاري.

وجهة نظر بيروت

وكانت وزارة الخارجية اللبنانية قد أرسلت إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي ان قرار المجلس الذي يدعو الى وقف التدخل السوري في الشؤون اللبنانية "يعرض لبنان لمخاطر جدية".

وقالت الوزارة ان "هذا النوع من محاولات التدخل يخلق جوا من عدم الاستقرار يمكن ان يعرض لبنان لمخاطر جدية".

واضافت ان "هذا التدخل يخفي نوايا سياسية لا تتلاءم مع واقع ومصالح البلاد".

واكد النص ان "التحالف السوري اللبناني في المجالات السياسي والامني والعسكري يساهم في تحقيق بعض التوازن في مواجهة الضغوط والانتهاكات والمخاطر اليومية الناجمة عن سياسة تكريس الاحتلال الاسرائيلي".

السلام والحرب مع إسرائيل

وشكك وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم في نية سورية استئناف مفاوضات السلام، واضعاً كلام الرئيس السوري في سياق الضغوط الدولية على دمشق.

وبالمقابل استهجن رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري كلام شالوم الذي توقع فيه ان يكون لبنان الدولة الثالثة التي توقع اتفاق سلام مع إسرائيل، واصفاً توقعات شالوم بأنها "أضغاث أحلام".

وقال الحريري رداً على الكلام الاسرائيلي: "ان لبنان اتخذ خياره الاستراتيجي للسلام منذ زمن بعيد وهو خيار السلام الشامل وليس السلام المنقوص والانفرادي الذي جربته اسرائيل وأفشله الشعب اللبناني". وقال: "ان الشعب اللبناني بكل فئاته ومشاربه السياسية لن يأخذ بهذا الكلام وهو يجد فيه تدخلاً سافراً في خياراته الوطنية والقومية".

وكان شالوم قد قال تبريرا لرفضه للاستعداد الذي أبداه الأسد للسلام ان سورية لا تزال تشكل "قاعدة لإيواء الإرهاب ولا يمكنها أن تتحدث عن استئناف المفاوضات نهاراً ودعم الإرهاب ليلاً" وأنها "ما لم تغير سياستها هذه، فإن إسرائيل ليست مستعدة للتفاوض معها". واعتبر أن "الدافع الحقيقي لتصريحات الرئيس الأسد تعرضه لضغوط دولية شديدة للخروج من لبنان وطرد قيادات الفصائل الفلسطينيين من دمشق واغلاق الحدود مع العراق".

وسبق لوزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز ان اشترط على سورية إغلاق مقار التنظيمات الفلسطينية فيها وسحب القوات السورية من لبنان لاستئناف المفاوضات مع دمشق، وقال "لتسمح لهذا البلد (لبنان) بممارسة سيادته على أرضه".

وكانت اسرائيل قد جددت تهديداتها بضرب حركة "حماس" في اي مكان، بما في ذلك في دمشق. بعد العملية الاخيرة التي نفذتها في غزة.

يذكر بان مجلس الامن الدولي اصدر الخميس الماضي وقبل اقل من 24 ساعة من جلسة البرلمان لتمديد ولاية رئيس الجمهورية اللبناني اميل لحود مساء الجمعة، القرار 1559 الذي يدعو الى ان تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية التي كان من المفترض ان تجرى في الخريف المقبل "حرة ونزيهة وبحسب القواعد الدستورية اللبنانية القائمة ومن دون تدخل اجنبي".

ويدعو القرار 1559 الذي قدمته الولايات المتحدة وفرنسا واعتمد الجمعة الى "احترام كامل للسيادة اللبنانية، ولوحدة اراضيه واستقلال سياسته" كما يدعو من دون تسمية سوريا بالاسم "الى انسحاب القوات الأجنبية المتبقية في لبنان".