ايلاف- خاص: ينطق المشهد الداخلي الصومالي بحجم الفوضى السائدة هناك، فالمباني مدمرة، والمسلحون يسيطرون على الشوارع، وآلاف من الصوماليين على شفا المجاعة فيما تعم البلاد حالة من انعدام الأمن في دولة تمارس فيها الحكومة مهامها بالكاد، كما ان الصومال تعد في مرمى أهداف الولايات المتّحدة حيث تعتبر المرحلة القادمة في " حربها على الإرهاب". لكن وسط الانحطاط والفوضى، فأنه من الأشياء الجديرة بالملاحظة حقا، هي انه يتم إرساء أحكام القانون ببطء مرة أخرى، كما ان المحاكم مشغولة.
وفى ظل مساعدات بسيطة من المجتمع الدولي، فان الصومال تحاول إعادة بناء نفسها بعد عقد تقريبا من الفوضى بعد إقصاء نظام سياد بري من السلطة في عام 1991. وبناء على حملة القانون و النظام الجديدة التي فرضتها الحكومة الوطنية الانتقالية في مقديشو، فان الأولوية القصوى هي إعادة بناء النظام الجنائي القضائي القابل للتطبيق في إطار سلطة مركزية.
وقد أعادت الخطة الطموحة الشرطة مرة أخرى إلى بعض الشوارع. ففي عدّة تقاطعات بالعاصمة، تقوم الشرطة في الحقيقة بتنظيم حركة المرور - الذي يبدو قليلا إلى الحد الذي تخلو فيه الشوارع من السيارات في بعض الأحيان.
وباستثناء لونها وهو الأزرق الغامق، فان سيارات الشرطة تشابه تقريبا السيارات التي يقودها رجال العصابات، وهى تعرف هنا باسم " التكنولوجيا"، وهذه التكنولوجيا كما يطلق عليها الصوماليون هي في الغالب شاحنة يابانية صغيرة مزودة بسلاح كبير مثل المدفع المضاد للطّائرات. كما يتسلح ما بين ثمانية إلى 10 رجال بأسلحة أصغر مثل قاذفات القنابل التي تعمل بالدفع الصاروخي والبنادق التي يتم تركيبها حول الشاحنات.
وفي مقر الشرطة، يعرض المسؤول بفخر نظام الكمبيوتر الجديد لتتبع المجرمين. وفي الاجتماع الذي يعقد صباح كل يوم بالقسم، يعرض كلّ قائد من قادة المنطقة الجرائم التي حدثت في المساء، وهى محاولة لمحاكاة نظام التقارير الخاصة بالجرائم لحظة بلحظة ووقت حدوثها كما يحدث في مدينة نيويورك. وفي السرداب، يوجد هناك حجرة الأدلة حيث تكتظ بالحشيش المصادر.
ويتم احتجاز المجرمين في السجن الرئيسي، الذي بناه الإيطاليون خلال فترة الاستعمار. وهو يبدو مثل قلعة ترجع إلى القرون الوسطى، تم استكماله ببرج، وأماكن عالية للمراقبة على أحد التلال الذي يشرف على الميناء.
الثقة بالقانون
وفي صباح أحد الأيام، تم نقل مجموعة من الصوماليين الذين وجهت إليهم اتهامات إلى شاحنة انطلقت بهم إلى المحكمة، حيث توجد لافتة بالقرب من المدخل مكتوب عليها: " ثق في القانون". وعلى الحائط، توجد صورة مرسومة حديثا للرّئيس عبدي قاسم صلاد حسن.
وتستدعى قاعة المحكمة إلى الذاكرة أحد مشاهد مدينة روما القديمة - حيث يوجد سجين حافي القدمين في رداء أحمر يقف على أرضية تكسوها الألوان السوداء والبيضاء بصورة مباشرة أمام القاضي.
وجلس السجناء الآخرون خلف سياج معدني. حيث يصيحون بغضب عند رؤية كاميرات التصوير، وذلك حتى لوّح أحد الحراس وهو صغير السن في وجوههم ببندقية من طراز AK-47. وقد نظر القاضي من مقعده إلى أسفل وحذّر المتّهمين بضرورة الالتزام بالهدوء.
وقرأ المدعي العام في المنطقة التهم الموجهة للمتهم الذي يقف أمام القاضي. وبشكل لا يصدق، في بلد كهذه تعرضت للتخريب بسبب القتال بين الفصائل وعمليات إطلاق النار والفوضى،فقد تم توجيه الاتهام للرجل بسبب تدخين الماريجوانا.
إذا ما هو الدليل؟ نتيجة فحص الدمّ- في مدينة تبدو فيها الرعاية الطبية غير موجودة بالمرة. وقد انتظر القاضي ردّا من المتّهم، الذي كان يدافع عن نفسه.
وقال المدعي العام في المقاطعة أن الاتهامات الموجهة للشابّ قد حفظت بواسطة والديه. وفي الصومال، فان القانون القبلي هو الذي يسيطر علي الموقف: فإذا ارتكب الابن أو الابنة جريمة ضدّ عائلة أخرى، فان الأباء يصبحون مسئولين.
أما في حالة عدم رغبة الأباء دفع الأموال اللازمة لتبرئة أبنائهم من الجرائم فانهم يسلمونهم للشرطة. ويعرف عن هذا القاضي، أنه الأقسى في مقديشو، حيث يستمع بعناية قبل الإعلان عن رغبته في ان يشهد الأبّ ضدّ أبنه. حيث يعيد احتجاز السجين حتى موعد الجلسة الأخرى.
وعلى الجانب الآخر من ساحة المحكمة توجد سيدة محتجزة. جريمتها؟ من الواضح أنها لا تطيع أبويها.
الجريمة والعقاب
و تحجب الدراما التي تعج بها قاعة المحكمة الصغيرة الصورة الأكبر في الصومال، حيث يتغاضى رجال العصابات عن رغبتهم في ذلك وتمر جرائم كبيرة دون عقاب.
وتخضع أراض قليلة تقع خارج العاصمة لسيطرة الحكومة الوطنية الانتقالية، التي أنشئت في أكتوبر/تشرين أول عام 2000 بتفويض يمتد لثلاثة سنوات لإنشاء حكومة وطنية دائمة.
إنّ التحدي يبدو عظيما. فبالإضافة إلى تجول رجال العصابات، اقتطعت مجموعتان أراض لإنشاء دولتين- هما صوماليلاند وبانتلاند - في شمال البلاد.
هذا، بالإضافة لاتهام حكومة حسن صلاد لدولة إثيوبيا المجاورة لمساعداتها للعديد من رجال العصابات مما يشكل مخاطر على وحدة الصومال. وقد أنكرت إثيوبيا هذه الادعاءات بينما تؤكد أنّ معسكرات تدريب التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي متواجدة في الصومال.
وقد صاحب الشلل السياسي الذي تعانى منه البلاد حدوث خراب اقتصادي. ففي أكتوبر/تشرين أول، حذّرت الأمم المتّحدة من أن الأزمة الغذائية المتردية في الصومال قد وضعت بالفعل مئات آلاف من الصوماليين تحت وطأة مخاطر المجاعة.
وقد أغلق ميناء مقديشو الرئيسي بسبب الحرب القبلية، مما أصاب حركة التجارة بالشلل.
لذا، فانه بينما خطت البلاد خطوات صغيرة ولكن هامة في حملة إعادة القانون والنظام، فمن الواضح أنه لكي تنتصر الحكومة في تلك المعارك المتأزمة، فان الأمر يحتاج دعما دوليا كبيرا ـ وهو الدعم الذي تبدو الحاجة ملحة له بشدة في الوقت الحاضر.