إيلاف- محمد السيف: بعد رحيل الشيخ عبدالله الطريقي، تساءل عددٌ من الذين أبّنوه ورثوه، كيف لوزير النفط في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم أن يموتَ فقيراً ؟!! والحقيقة أن الشيخ الطريقي لم يعشْ فقيراً، بكل ما تعنيه كلمة الفقر من معنى، إنما كانت حياته كفافاً، لا له ولا عليه، إنما كان فقرهُ- إن صح - نسبياً عند الذين رثوه، إذا ما قورن بغيره من وزراء النفط في دول العالم الثالث! الذين طال البعض منهم ثراءٌ فاحش! .
الناقد والشاعر المعروف الدكتور عبدالله الحامد، الأستاذ في كلية اللغة العربية سابقاً والناشط السياسي، نظمَ قصيدةً في رثاء الشيخ عبدالله الطريقي، وهو لم يلتقهِ ولم يجلس إليه، إنما سمع عنه منذُ صغره، ثم رآه كثيراً ولم يكن يعرفه، عندما عاد الطريقي في الثمانيات إلى الرياض، مفاجأة الشاعر الحامد هي أنه بعد رحيل الطريقي، عرف أن ذاك الشيخ البهي، الذي رآه كثيراً هو الشيخ عبدالله الطريقي!! فكان الرثاء بحجم المفاجأة!! .
في هذه الحلقة تنشر "إيلاف" مرثية الشاعر الحامد في الشيخ عبدالله الطريقي، وهي تنشر للمرة الأولى! يقول الشاعر الناقد عبدالله الحامد، مايلي: "سمعتُ منذ الصغر عن عبدالله الطريقي حكاياتٍ جميلة، تُجسد نموذجاً عالياً يحتذى، وترسم المثقفَ الذي يدرك أن له دوراً وموقفاً، فيُسخر ما وهبه الله لخدمة أمته ووطنه دون منة، لقد عزّ عليّ أن أكتشف بعد فوات الأوان أن ذلك الشيخ البهي الذي ألمحه كلما صليتُ في مسجد حذيفة بن اليمان في الروضة، هو عبدالله الطريقي دون أن أحيّيه، وعزّ عليّ أنه حين عرفته وسعيت لمصافحته سافر إلى مصر، ثم لم ألبث حتى نعاه النعاة، فعز علي أن أقصر عن تحيته حيّاً ثم ميتاً، فلعل هذه النبضات بعض عزاء لأولاده وأهله خاصة وعامة، وبعض وفاء وتذكيراً بموقف رجل أعطى ووفى- رحمه الله -&

رنوتُ إلى رؤى نجمٍ
يحدقُ في السماواتِ
لنوء الخصب والبشرى
بصحراء انتظاراتِ
سعيتُ لكي أصافحه
أكفّرُ عن جهالاتي
وأقبسُ من حصافتهِ
ضياءً في الدجى الشاتي
أقبلهُ أحييهِ
وهل تشفي تحياتي
&
رعاك الله ياصقراً
يُجنحُ في المدارات
يؤم الصدقَ ممتطياً
متون الجندل الناتي
ليرفعَ رايةَ البشرى
على أعلى أبانات
يُعلّمُ كل متخذٍ
معاني الوعي بالذات
ويلهم كل منتكسٍ
ثقافةَ عصرنا الآتي
ويرسمُ في مهالكها
لجوابٍ أو علامات
فيومضُ مثل بوصلةٍ
تُشيرُ إلى المسارات
كنجم القطب لماعٍ
توقّد في المتاهات
أبا صخرٍ أيا نهراً
تحدّر من مروءات
فسال الغيثُ في مَرَخٍ
ليُخصب روض تنهات
من الزلفي يجري في
سهوبٍ نحو واحاتي
لينقش صخرةَ البشرى
عطايا وابتساماتِ
فيرسم فوقها حقلاً
بزيتونٍ ونخلات
ويرسم حولها بيتاً
بأعلامٍ وقاماتِ
ويطليها بألوانٍ
بزيتٍ حول مصفاةِ
ألا مرحى لنفطيٍ
يخطُ بروح نحاتِ
كدأب مثقفٍ ساعٍ
تعالى كالمجرات
وملاحٍ على فلكٍ
يجدّف للكرامات
يُصارعُ موج تيارٍ
ليرسو فوق مرساةِ
&

*******

عن الإيثار حدّثنا
فنحنُ فرائس الذات
وإن هم كرّروا الماضي
فحدّثنا عن الآتي
كدأبٍ مثقفٍ واعٍ
يهزُ لحافٍ أموات
يحدّقُ مثل زرقاءٍ
تشقُ دجى الدجنات
فتبصرُ تارةً غولاً
أتى في معطف الشاةِ
وتبصرُ تارةً سرباً
حماماً جوف حيّات
وتبصرُ ألف تنينٍ
غريبٍ حول غاباتِ
كدأب مثقفٍ صاحٍ
يرى جن المفازاتِ
كمثل الشمع محترقٍ
يضوء ليلنا الشاتي
يُجسدُ صدق أفعالٍ
لمرضى صدق نياتِ
يُقيمُ على مقالتهِ
بفعلٍ ألف إثباتِ
يُريحُ ضميره الهاني
بأعباء المشقاتِ
إذا حلبوا ثقافتهم
رآها طودَ آياتِ
ولم يجعل وظيفته
مصائد للعطيّاتِ
ولم ينسج تخصصه
عباءات احتفالاتِ
ولم يحصر عواطفه
بدمعٍ وابتهالاتِ
ومأساة المثقف أن
يُهرجُ جوف مأساةِ
يظنُ لنفسه دوراً
بدورٍ وسط ملهاةِ
ينقُ بجوف مخطوطٍ
ويُلهج بالحداثاتِ
ويرمزُ مثل عرّافٍ
يهمهمُ بالإشاراتِ
وينفثُ من سجائرهِ
حشيشاً في لفافاتِ
فيذوي الصوت من غبشٍ
فيخفى في الكناياتِ
وينفخُ بطنه نفطاً
ويهذي بالمعاناةِ
ويصرفُ علمه شيكاً
ويلهجُ بالرسالاتِ
ويسني أمتي ليلاً
كأبقارٍ بمنحاةِ
فيسقيها من البلوى
نكوصاً في خلاصاتِ
وشرُ العلم ثرثرةٌ
تفاخرُ بالتفاهاتِ
إذا هبطت ثقافتنا
غرقنا في المغاراتِ
وطفنا مثل خفاشٍ
يُجنّحُ في الخراباتِ
وأحلى الشعر أكذبه
إذن جوف الهباءاتِ
أحيي البارقَ الضاحي
بدا من غيرِ ميقاتِ
أضاء على ليالينا
بشمعٍ من مشكاةِ
على هبّات إعصارٍ
وأمطارٍ وآفاتِ
ومعذرةً أبا سهلٍ
أبا صخر الطموحاتِ
صفاتك حاكمتْ جيلي
بمحكمةِ الجناياتِ
إذا لم نشتعل نفعاً
فما جدوى الثقافاتِ
فعلمٍ دون تغييرٍ
تعاليم انحطاطاتِ
وفكرٌ دون تنويرٍ
ضباب من حماقاتِ
علامَ الشعر لا يروي
عن الشعرى حكاياتِ
وأحلى الشعر أصدقهُ
عن الأقوامِ لا الذاتِ
وأنت شمس ننظمها
قلائد للمروءاتِ
إن اختلفت مسالكنا
نعش أولاد علاّتِ
وأمتنا لنا قطبٍ
يُجمّعُ كل أشتاتِ
إذا لم نثنِ لم ننصف
ولم نصدّق طويّاتِ
فإن الشعرَ بالشعرى
يحفُ بها كهالاتِ
إذا مدحتك أشعار
حوت أعلى الفصاحاتِ
فإن الشعرَ أرواحٌ
تحلقُ حول شمعاتِ
ومن يطمح إلى مدحٍ
يُجنحُ في الفضاءاتِ
وأحلى الشعر أعلاه
تسامى للسماواتِ
وأدنى الشعر مرتكسٌ
أناني المعاناةِ
&
أبا صخرٍ يا صخراً
لدى قرع الحصا العاتي
لقد ألفتَ ملحمةً
تأرخ بالبطولاتِ
ثقبتَ بشمعة البشرى
سراديب الدجناتِ
رفعت لواء إصلاحٍ
خفوقٍ فوق هاماتِ
ونفط العُرب أسئلة
بحثن عن الإجاباتِ
ولأوبك أولت رؤيا
المصدّق في النبوءاتِ
فصرت قصيدةً تروي
لنا نبض الشهاماتِ
على أفواه شبانٍ
نشيداً في احتفالاتِ
تعلقها صبايانا
عقوداً فوق لباتِ
فأنت الناظمُ الباقي
ونحنُ رواة ابياتِ
&
أيا نبضاً بأفئدةٍ
كرمن عن المداجاةِ
غريبٌ أنتَ في زمنٍ
تلطّخ بالدنياتِ
به أحلامنا انفقأت
برواد الثقافاتِ
نعتك عروبةٌ جرحى
تئنُ من الحراباتِ
نعتك ديانةٌ ثكلى
ولودٌ مثل مقلاةِ
نعتك شبيبةٌ ترنو
إلى ضوء المناراتِ
فتحتَ أمامها كنزاً
مليئاً بالحكاياتِ
فقيرٌ عاش نفطيٌ
بلا قصرٍ وغلاتِ
وزيرُ الزيت مفتقرٌ
ألا مرحى لزياتِ
سجايا حرةٌ تسمو
على طُلاب أقواتِ
فهل نرثي الفتي الباقي
لبعث روح أمواتِ
وهل نبكيه أم نحيي
به موتي المروءاتِ
فكم أحياءُ أجسادٍ
وهم أولى بمرثاةِ
عقيم عاقر يفني
ويبقى ذو الولادات
فلن أبكيك بل أروي
من الذكرى هتافاتِ
فإن اليأس أن نبكي
وأن نرثي البشاراتِ
وهل يخبو سنا ضوءٍ
جلَى عن ألف مرآةِ
وإن يغرُب لنا نوءٌ
فإن رقيبه آتِ
وإن غداً لناظره
مليء بالعطاءاتِ
&

عليك غمامةٌ تترى
رذاذاً بالتحياتِ
لمن أسدى بلا منٍ
بأزمان المراءاةِ
لمن أعطى بلا ثمنٍ
على عصر المراباةِ
لمن أجدى لمن وفّى
بأوقات الخياناتِ
لمن ضحى لخالقه
خلود وسط جناتِ
وداعاً بل لقاءات
فأنت الذاهب الآتي!
&
&
الحلقة الثانية:
&&
الحلقة الثالثة:
&
الحلقة الرابعة
&
الحلقة الخامسة
&
الحلقة السادسة
&
الحلقة السابعة
&
الحلقة الثامنة
&
الحلقة التاسعة&
&
الحلقة العاشرة
&
الحلقة 11&
&
الحلقة الـ12
&
الحلقة الـ13
&
&
الحلقة 14
&
الحلقة 15