إميل أمين&
&

&
هذا رجل صادق تقدمي يستقرئ الأحداث المستقبلية ويستمد رؤيته من جذوره العربية والإسلامية وهي جذور شاركت فيها مكونات متعددة وخبرات حضارية ثرية أنتجت هذا الطرح العقلاني المحب للأخر والمقدر للتنوع والاختلاف الخلاق الذي يثري حياة الشعوب العربية وحاضرها بصورة خاصة ويفتح الأفاق واسعة لها أمام المستقبل.
سمو الأمير طلال بن عبد العزيز لا تشغل بلده قضية تعدد الأديان ومع ذلك نراه مهموما بقضية المسيحيين العرب والتي افرد لها دراسة قيمة خلاقة تناول فيها إبعاد الموضوع وقد قدر لنا أن نتشرف بلقائه حيث فتح الرجل صدره بمحبة مدهشة وجاءت عباراته حضارية صادقة تلمس شغاف القلوب.
لماذا انتم مهتمون بهذه القضية سمو الأمير؟
كانت الإجابة أنا أولا عربي ومسلم قبل أن أكون سعوديا لذا فان نظرتي دائما هي نظرة شمولية على مستوى العالم العربي وإذا كان عمقي التاريخي والاستراتيجي والثقافي هو في العرب والمسلمين فانه من هذا المنطلق أردنا أن نحرك المياه الراكدة في أي جزء من أجزاء الأمة العربية وننبه إلى انه هناك مشكلة ما نعاني فيها وهي هجرة أو تهجير الإخوة المسيحيين من البلاد العربية بسبب بعض الصعوبات بالتأكيد ليس كتلك التي خلقتها إسرائيل من قبل حيث كان بها نحو 60 ألف مسيحي في القدس اليوم تبقى منهم فقط نحو 13 ألف وهذا يعني أنهم يريدون أن تكون دولة عنصرية يهودية خالية من المسيحيين ولو أمكن من المسلمين وهنا يتساءل سموه كيف لنا أن نماثلهم بنفس العمل؟
ويجيب يجب أن نلحق أنفسنا لأننا لو مضينا على هذا المنوال لخسرنا بشكل مماثل ما خسرناه من إجبار اليهود العرب على ترك البلاد العربية.
ويضيف الأمير طلال إن أهل الكتاب موجودين في البلاد العربية ومن سكانها الأصليين وعلى سبيل المثال نجد الأقباط في مصر والذين منهم جاءت هدية المقوقس كبير القبط للرسول واعني بها ماريا القبطية وأختها وأخوها كما أنهم رحبوا بالفتح الإسلامي بسبب المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من الدولة البيزنطية وأملهم لم يخب فيها كما عاملوهم معاملة المواطن وابقوا على مصالحهم وكنائسهم لذا يجب علينا المحافظة على إخواننا المسيحيين في البلاد العربية وتكريمهم وإعطاءهم كل حقوقهم ومساواتهم تماما مع كافة المواطنين ذلك إذا أردنا أن نعتبر أنفسنا ماضين في طريق التحضر والتقدم كما نسمع من زعاماتنا السياسية والدينية وهذا يحتاج إلى أفعال وبالتالي إلى إثراء ثقافتنا بالثقافات المتعددة فعلى سبيل المثال الكنائس الموجودة لها ثقافتها وطقوسها في حد ذاتها ثقافات.
لكن لماذا خبأ النموذج الحضاري للتعايش هذه الأيام في بعض وليس كل الأقطار مما جعل من الغرب يرى الأمر بصورة مغايرة 360 درجة وينظر لنا نظرة مفادها التطرف فحسب؟
يجيب الأمير طلال بن عبد العزيز على هذا الطرح بقوله إن هناك متطرفين من جميع الفئات يعملون على توسيع هوة الخلاف إلا أن دور العقلاء والحكماء هو إفساد مشروع هؤلاء فعلي سبيل المثال ـ والكلام لسمو الأمير ـ كنت في مدينة ليما بأمريكا اللاتينية وهناك التقيت في وسط المدينة براعي إحدى الكنائس الكبرى الذي استضافنا وكرمنا وقلت له سوف أهديك قرآنا مترجما لتعلم قربنا من المسيحيين وكيف أن الرسول كان دائما يسأل الصحبة والرفقة مداراة الأديان السماوية لان الأنجيل منزل من الله وقلت له أيضا أن مريم عليها السلام ذكرت في القرآن أكثر مما ذكرت في الأنجيل.
والتاريخ يشير إلى أن عرب قحطان كان بينهم من المسيحيين واليهود العدد الكثير وقد احترمهم الإسلام وأبقى عليهم وعاهدهم إلى أن نقض اليهود العهد- كما ورد في تراثنا الاسلامي- رغم احترام المسلمين لتوراتهم فكيف نأتي نحن أتباع الرسول ولا نحترم هذا الطريق الإنساني الذي يبيض وجه كل عربي لذا فإننا عندما تحركنا وكتبنا المقال الأول في جريدة النهار في بيروت قالوا هذا أتانا من بلاد مقدسة إسلامية وهذا يدل على أننا في المملكة متسامحين بدءا من اللقاءات الإسلامية ـ المسيحية التي انطلقت في عهد جلالة الملك فيصل رحمه الله وفي حبرية قداسة بابا الفاتيكان الراحل بولس السادس سنة 1974 لذا فإننا نرجو أن لا نلام من المجتمع الدولي على أننا مقصرين لان هناك منا من لم يعهد الحضارة في تاريخه لذا فنحن نرفض أي توجه ليس من الإسلام في شيء وليس من عاداتنا نحن العرب وهو شيء أتانا قريبا من أناس نرجو لهم المغفرة والتوبة من الله.
لكن كيف يتأتى للمسيحيين العرب أن يجعلوا من أطروحة مثل هذه التي ينادي بها الأمير طلال بن عبد العزيز ردا على أطروحة التصادم لهنتنجتون؟
يرى الأمير طلال أولا أن منشأ الصدام هو ذهني قبل أن يكون مادي وان كانت أحداث 11 سبتمبر قد أظهرته إلا أن القضية اكبر من مجرد شباب تم غسل أدمغتهم أما الإجابة عن التساؤل حول دور المسيحيين العرب فيؤكد سموه على أن هؤلاء لابد أن يتمتعوا أولا بكل حقوقهم ومساواتهم بشركاءهم في الوطن هذا هو الأمر الذي يخلق المكانة الإنسانية الدولية وله أعظم رد فعل في الغرب أهم بكثير مما لو إبتعثناهم إلى الخارج وان كانت هذه الخطوة يمكن أن تأتي لاحقا وان يكون لهم دور تقدمي في خدمة القضايا العربية والإسلامية شرط أن يشعروا بحالة من الارتياح في الشارع العربي ومن الحكومات العربية.
أما عن الدور الذي يقوم به المسيحيون العرب الموجودين بالفعل في أوربا وأمريكا فهؤلاء يقول عنهم سموه أن هناك فعاليات منهم خاصة في أمريكا تقوم بدور عربي على قدر كبير جدا من الأهمية مثل جيمس زغبي الذي احضر العرب لأول مرة للمشاركة في المؤتمرات التي كلن يعقدها الحزب الديمقراطي الأمريكي أيام رئاسة كلينتون وهؤلاء يجب أن يتم دعمهم لتحقيق الأهداف العربية والإسلامية المنشودة ويشدد الأمير طلال من منظور أوسع على الحوار مع الغرب خاصة الحوار الإسلامي ـ المسيحي وعلى حاضرة الفاتيكان تحديدا من اجل أن يسمع العالم لغة حوار راقية وقد بدأت بالفعل أعمال هذا الحوار العربي العربي في لبنان وهناك اهتمام به في المملكة العربية السعودية ومصر وسيتبلور عنه في القريب العاجل مراكز أبحاث تهتم بقضايا رجل الشارع البسيط بعيدا عن الزعامات الطائفية التي قد تكون مصالحها مغايرة ويؤكد سموه على أن الملك عبد العزيز رحمه الله كان مثالا للانفتاح على الأخر فلم يكتف بان فتح الأبواب للخبراء الغربيين من الأوروبيين وألامريكيين بل كفل لهم حرية العبادة داخل كنيسة في جدة فيما كان يسمى ببيت القناصل وقد كلفه الأمر قيام ثورة السبلة عام 1929 ضده ولأنه وقف لهم ونظر إلى الأمر نظرة تقدمية لذا فان التقدم الذي حدث في المملكة كان أساسه فكري قبل أن يكون مادي.
وبعين الفاحص وكالطبيب النطاسي يشخص الأمير طلال مرض العرب الحالي بأنه المونولوج أي الحديث الأحادي ويكتب الدواء الناجع له وهو الديالوج أي الحوار مع الأخر وهو الأمر الذي يقي شر التخبط الحادث اليوم بل يذهب سموه إلى ابعد من هذا حين يتطرق إلى الحديث عن اليهود يقول سموه في معرض حديثه عنهم نحن لسنا ضد اليهود إطلاقا نحن ضد الصهيونية ومن هذا المنطلق فان هناك جحافل من اليهود يرفضون الصهيونية ويتساءل لماذا لا نتصل بهم ولماذا لا يكون لنا علاقات بهم؟ هذا ما لا افهمه. في حين انه يجب أن نفتح الأبواب للحوار مع المعتدلين منهم الذين ينظرون نظرة عادلة ودقيقة لقضية فلسطين وينظرون نظرة فاحصة لعلاقة اليهود بالمسلمين أما فكرة إلصاق الصهيونية بكل يهودي فهذا أمر لا يجوز إننا نريد أن نحرك مياه الفكر الراكدة على أسس من الحقائق لا الأضاليل والأكاذيب التي تغرر العامة هناك من يهود الغرب الأذكياء الواعين المعتدلين من يعرف أن مستقبلهم هو بالوفاق العربي اليهودي على ارض فلسطين.
أما القدس المدينة المقدسة فهي مكان مقدس عند الجميع ولنا جميعا والذي يقول أنها تخصه وحده هم الصهاينة لذا فأننا نفتح أذرعنا وقلوبنا وعيوننا للحوار خاصة مع الفاتيكان وقد كان لي شرف التقاء البابا يوحنا بولس الثاني عام 1982 في الفاتيكان وهذا الحوار يجب أن يستمر وان نذلل أي عقبات تقف في طريقه والحوار الذي نريده يجب أن لا نبحث فيه عن العقيدة كل واحد له عقيدته ماعدا ذلك نتعايش وهناك أمور كثيرة نلتقي فيها الأمر أذن يحتاج إلى تحرك واعي منا فعلى سبيل المثال كانت المرة الأولى التي يتم فيها تبادل الزيارات بين سعودي الأصل ـ يقصد سموه ـ والكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر وعلى رأسها البابا شنودة الثالث وهذا إن دل يدل على صدق التوجه لدينا في الانفتاح على الأخر وخلق مساحة من الفهم والتفاهم مع الأخر والوصل والوصال بديلا عن التصادم والافتراق وينهي سموه حديثه الشيق برأيه في مواقف البابا يوحنا بولس الأخيرة ويعني بها موقفه من الحرب على العراق فيقول سموه أن البابا كان مدعوا من الكنيسة في العراق لكن الزيارة لم تتم ذلك لأنه لم يرد أن يذهب تحت راية النظام العراقي السابق أما الموقف الأخر والذي كان مشرفا حقيقة للجميع كان موقفه من الحرب لأنه مع العقل والشرعية وتحرك الجيوش الأمريكية هو أمر مخالف للشرعية الدولية وقد استمعت إلى صوته الملايين من الأوروبيين والأمريكيين لذا كان موقف البابا الرافض للحرب موقف يمثل الانتصار للحقائق وللشرعية حتى أن بعض السعوديين أسموه البابا العربي المسلم لأنه قال لا للحرب هذه الأمور نقدرها للبابا ومواقف هائلة تحسب له ذلك لأنه لم يقف ساكنا كرجل دين لا علاقة له بالأحداث الدنيوية بل ناضل كرئيس دولة بجانب مسؤلياته الروحية كرئيس كنيسة.
إلى هنا يتوقف حديث سمو الأمير طلال بن عبد العزيز لكن الذي لا يتوقف هو دعوته الفكرية فهو من الرجال الذين يضن بهم الزمان الذين يفكرون بعزم ويعملون بحزم ينبهون الناس ويرفعون الالتباس وكمناضل صنديد يقول عن أمثاله عبد الرحمن الكواكبي انه من نوعية الذين لا ينفكون حي ينالوا ما يقصدون وكصوت صارخ في البرية يقف الأمير طلال بن عبد العزيز وكأني به يختتم حديثه معنا بقوله ألا قد بلغت اللهم فاشهد.
&
مدير مكتب إذاعة الفاتيكان ـ القاهرة