ابراهيم الطوش
&
&
&
&
من غير المعقول أن ننظر لظاهرة الإرهاب في إطار أشخاص خارجين على القانون 0 وإنما ننظر لها كممارسه لها أسبابها المادية وعواملها الموضوعية لمن يمارس الإرهاب ولمن يستهدفه الارهاب0 وهي تنبيء عن خلل في موازيين الصراع بين القوى المختلفة 0 وسببها عدم الفهم الكافي والاعتراف الفعلي بمصالح الأطراف التي يسود بينها ما يمكن أن نسميه ( العلاقة الارهابية) 0 وقد تكون هذه العلاقة بين دول مختلفة أو داخل دولة واحدة لم تستطيع إيجاد سبل ملائمة لحل التناقضات المادية والفكرية0 والتغذية الايدولوجية للإرهاب ليست محصورة في دين بعينه أو قومية ما،فقد وجدت هذه الظاهرة في مختلف العصور ولدى كل الأمم وان اختلفت المسميات والأسباب 0
&ظهرت كلمة الإرهاب أول مرة في اللغات الأجنبية في عام 1798 وكان تعريفها يعني استخدام الرعب والإجرام كوسيلة للتوصل إلى أهداف متعددة، وان كان الإرهاب كممارسة قديم قدم الأمم والشعوب 0 لكن الكلمة في اللغة العربية لم تكن تحمل دلالات سلبية إلا في السنوات الأخيرة بعد أن أصبح قضية عالمية شانه شان القضايا الأخرى التي نظرت فيها الأمم المتحدة كقضايا البيئة والمناخ والتسلح 000 واتخذ مجلس الآمن قراره رقم 1373 بتاريخ 28/9/ 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر الذي نص على ضرورة محاربة الإرهاب دون تحديد تعريف واضح أو تصنيف للأعمال التي تندرج تحت هذا المفهوم0 لأنه من غير السهل إيجاد تعريف جامع مانع للإرهاب 0 فأي تعريف من شأنه أن يخلق بلبلة وتعارضا مع القرارات السابقة التي اتخذتها الأمم المتحدة حول حق الشعوب في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي وحقها في تقرير المصير0 وتاريخ الإرهاب ليس حديثا 0 ولا هو بالظاهرة الحديثة وهو تاريخي مع تاريخ الدول والشعوب ونتذكر أعمال اليهود ضد الرومان نهاية القرن الأول قبل الميلاد 0 وفي مجمل تاريخ الشعوب هناك فصولا طويلة ودامية لأشكال متعددة الأهداف من الإرهاب وتاريخ الدولة الأموية والعباسية والحركات ألمعارضة لها فيها عشرات الامثله من الحركات الإرهابية من مثل : الخوارج إلى القرامطة إلى الجماعات الأخرى والحركات الشعوبية والثورات الإقليمية وتاريخ أوربا القديم والحديث فيه فصولا دامية من الإرهاب 0ففي ايطاليا حيث نتذكر الإرهاب الذي تمارسه عصابات المافيا الشهيرة 0 وتاريخ الحركة الصهيونية ومنظماتها من مثل : الهاغانا، وشتيرن، وارغون لطخت وجه العالم بصفحات سوداء من الإرهاب، فقد زرعت الرعب في فلسطين في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين.0 وكان الهدف هو إرهاب وتخويف الفلسطينيين في القدس وضواحيها وأريافها لكي يتركوا أراضيهم لليهود المهاجرين من شتى أصقاع الأرض. و الأمر ينطبق أيضا على مدن أخرى غير القدس، بل وعلى عموم فلسطين. وفي روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت حركة تدعى باسم «حرية الشعب». وكان أتباعها من العدميين الفوضويين الذين وصفهم دستويفسكي في روياته «الممسوسين». فهؤلاء كانوا يعتبرون أن من حقهم القيام بتفجيرات واغتيالات ضد نظام الحكم التعسفي. فقتلوا القيصر اسكندر الثاني في عام 1881. وكان هدفهم زعزعة الدولة وتفكيكها وتشجيعهم للطبقة الفلاحية على الانضمام إلى النضال الثوري ومن الأمثلة كذلك محاولة تفجير الجمعية الوطنية الفرنسية عن طريق قنبلة وضعت فيها عام 1893. وكان الفوضوي الفرنسي اميل هنري قد قام بتفجير مقهى في محطة قطار باريسية في شهر فبراير من عام 1894. وقد برر عمله قائلا: أريد أن تستيقظ الجماهير لكي تدرك واقعها وتثور على البرجوازية الحاكمة التي تمص دم الشعب.. ينبغي أن نقض مضاجع البرجوازيين الأغنياء الذين يتنعمون بكافة أنواع الرفاهية والشعب يتضور جوعاً والمرحلة الحديثة من الإرهاب جاءت بعد انهيار الكتلة الشيوعية السوفييتية. فنهاية نظام القطبين أدت إلى حصول متغيرات ضخمة. منها: التخلي عن المرجعية الماركسية والبلاغات الثورية التي كانت تضفي المشروعية على العنف الثوري وأشكال حل التناقضات0 ثم نفاد الدعم المادي واللوجستي الذي كانت تقدمه بلدان الشرق الشيوعية إلى الحركات الثورية في مختلف أنحاء العالم وظهر بديلا لذلك التعلق بالهوية والتعصب للجذور الدينية أو الطائفية. وقد دفع العالم ثمناً باهظاً لذلك خلال حروب البلقان والمجازر التي ارتكبها الصرب المتعصبون ليس في حق المسلمين فقط، وإنما أيضا بحق المسيحيين الكاثوليكيين في كرواتيا0
&وقبل ذلك عندما كانت فرنسا محتلة من قبل الألمان كانت بعض الجماعات السرية الفرنسية تقوم بأعمال تخريب أو اغتيال لزعزعة الاحتلال الألماني من اجل التحرر منه وتخليص الوطن من شره. وكان النازيون يعتبرون ذلك إرهابا، ولكن الحركة الوطنية الفرنسية كانت تعتبره مقاومة مشروعة 0
إن التحول في موازيين القوى الدولية ساعد في تمدد هذه الظاهرة خاصة للمناطق التي اجتاحتها
الهيمنة الأمريكية ومنها منطقتنا العربية 0 وأمريكيا نفسها تمارس إشكالا بشعة من الإرهاب فقد فرضت حصارا شاملا على العراق رغم وضوح الكلفة التي دفعها الشعب العراقي ولا يزال 0 ولكن لماذا أصبح الإرهاب هو الظاهرة المميزة لمنطقتنا العربية اخيراً 0 ولماذا أمريكيا بالذات هي الهدف الأول للإرهاب 0 لو عدنا سنوات قليلة إلى الوراء سنجد أمثله عديدة للإرهاب ولكن بالمسميات الثورية وحق الشعوب بالتحرر وتصفية الاستعمار0 وكان هناك تغطية إعلامية وفكريةوايدلوجية لذلك الإرهاب جعل منه سلوكا محمودا في أكثر البلدان 0 والمعسكر الغربي وأمريكيا تحديدا كانوا يغازلون هذه المنطقة العربية الإسلامية على أساس القوى المؤمنة في مواجهة قوى الكفر والإلحاد في المعسكر الشرقي 0 ولم تكن أمريكيا بهذا النفوذ الطاغي سياسيا وفكريا0
أما بعد انهيار المعسكر الشرقي فقد توهم البعض أن العالم الإسلامي هو المرشح والخلف ليكون القوة العظمي التي تنتظر ميلادها 0 وخاصة بعد نجاح طالبان في السيطرة على مقاليد الحكم في أفغانستان 00 فالنموذج الإيراني ومن بعده النموذج الأفغاني أوحى للبعض بإمكانية خلق القطب الثاني 0 والأسس الفكرية والسياسية متوفرة في هذه المنطقة من خلال التجربة الأفغانية والواقع العربي خصوصا 0 وقوى الغرب تنبهت إلى هذا الاحتمال 0 فقد أصبح مفهوم صراع الحضارات هو الأكثر شيوعا واعتبر العالم الإسلامي هو البديل الموضوعي للخصم المفترض رغم إن الرأي العام ليس مقتنعا بهذا الافتراض ولا ينظر للغرب على أساس الصراع إلا لدى قلة قليلة 0 لكن ما هو واضح أن هذا الوهم لا يحظى بالتغطية الرسمية من قبل دول المنطقة لأنها تدرك استحالة أن يُكَون العالم الإسلامي قوة عظمي في هذه الظروف 0 وعارضت جميع الدول مثل هذا المنهج الأمر الذي جعل هذه الحركات تخوض الحرب على أكثر من جبهة داخليا وخارجياً0 ولكن بالمقابل فان سيطرة الاتجاه المتطرف على الساحة الأمريكية قد شحذ أنياب هذا الصراع، فقد ورد على السنة المسئولين الأمريكان عدة تصريحات لا تخدم أسس الحوار الموضوعي بين الشعوب من مثل إعادة رسم الخريطة وإعادة صياغة المنظومة الفكرية للمنطقة والاتهامات التي تنصب على العديد من دول المنطقة وسياسات الحصار والتهديد والوعيد والمحاسبة وبشكل خاص تناول الحركات الدينية بشكل عام دون تدقيق يؤدي إلى حساسية خاصة0 فالجماعات الإسلامية تتخذ من مثل هذه التصريحات ذرائع وادلة0 وكان من الأولى بامريكيا أن تكون حذرة أكثر فيما تُعلن 0 وكان الأولى بامريكيا ( خصوصا ) أن تبتعد قليلا عن شؤون المنطقة وتركز اهتمامها على المساعدة عن بعد دون الانغماس في مشاكل المنطقة 0 ودعمها غير العادل لإسرائيل 0 وسيطرتها المطلقة على ملف القضية العراقية ومحاولة إعادة استعمار المنطقة هو السبب الأول 0 وكان من الأفضل لها أن تقتدي بنهج الدول الأوربية الأخرى واليابان 0فلا تُدخل انفها في كل كبيرة وصغيرة0 أن استمرار التواجد الأمريكي في المنطقة سيجعل منها الهدف الأول لللارهاب0 خصوصا وان المنطقة العربية تشهد مخاضات فكرية وسياسية 0 ووقوفها مع هذا الطرف أو ذاك سيجلب لها المزيد من المشاكل 0 وليس من مصلحتها أن تصدر لنا الديمقراطية 0 أو تنتقد أنظمة الحكم 0 وليس صحيحا أن الإرهاب مرده غياب الديمقراطية أو المدارس الدينية وإنما تدخلها المباشر فيما لا يعنيها وإصرارها على دور الشرطي العالمي هو السبب الرئيس0 ولماذا لا يذ هب الإرهابيون إلى اليابان أو الصين أو السويد !0؟ وشعار الحرب على الإرهاب في كل مكان من شانه أن يوفر هذا المناخ الموضوعي لتفاقم الظاهرة 0 وبدون الاحتكام إلى موازين العدل بين الأمم 0 ستظل الظاهرة الإرهابية مشتعلة 0 ولن تطفئها الحرب 0 وإنما العدل 0 العلاقة الإرهابية إذا توفرت أسبابها الموضوعية ستجد الغطاء الأيدلوجي في كل زمان ومكان 0