عدنان فارس
&
&

عندما يصرّح السيد بول بريمر رئيس سلطة التحالف الإتلافية بأنّ على العراقيين أن يضعوا وحدة العراق نصب أعينهم فهو بالتأكيد وقطعاً لا يعني أنّ فيدرالية كوردستان هي خطوة على طريق تجزأة أو تقسيم العراق وإلاّ فهل أن فيدرالية الوحدات الدستورية، وليست الإدارية، الأميركية هي قنبلة موقوتة تهدّد بتفتيت الكيان الإتحادي الأميركي؟ وبالتالي فلا يُعقل أن السيد بريمر يحرص على وحدة العراق ويتوانى في الحرص على وحدة بلاده!.
وحدة العراق في حَدَقات عيون العراقيين بمختلف مكوّناتهم، هذه الوحدة التي كانت إحدى دواعي استغاثة العراقيين وطلبهم نجدة ومعونة العالم الحر للخلاص من نظام صدام وبعثه حيث أنّ هذا النظام بجرائمه لم يضع فقط شعب العراق على طريق الإنقراض وانمّا أرض العراق أيضا فهو الذي اجتزأ من الأراضي والسيادة العراقيتين وأخذ يوزّعهما على أنظمة الدول التي ناصرته في جرائمه ضدّ الشعب العراقي.. والبرلمان العراقي القادم سوف يفتح ملف تفريط صدام وبعثه بوحدة وسيادة الأرض العراقية.
ممثلو الشعب العراقي في مجلس الحكم الإنتقالي وفي أوّل بيان لهم أقرّوا "مبدئياً" أنّ فدرالية كوردستان هي من بين مضامين الدولة العراقية الجديدة والتي الى جانب الديموقراطية وحقوق المرأة تشكّل أركان العراق الجديد القائم، دستوراً ومنهجاً، على مبدأ حقوق المواطنة وأن الأغلبية المطلقة والساحقة فيه هم "المواطنون" وليس جزءاً منهم كَبُرّ هذا الجزء أم صَغُرَ.. ورغم أنّ مجلس الحكم الإنتقالي هو أول هيئة سياسية في تاريخ العراق الحديث يُمثل أوسع فئات الشعب العراقي نرى مُغتصبي السلطة والمُتنكّرين للحقوق القومية في بعض دول الجوار الذين يُناصبون حرية العراق الجديد العداءَ ويشككون في "شرعية" مجلس الحكم الإنتقالي نراهم يتناخَوْن هذه الأيام ويقومون بزيارات "تاريخية" لبعضهم مُعلنين عن مخاوفهم من أنّ تشريع الحقوق القومية لأبناء الشعب العراقي يُهدّد بتمزيق العراق و "تمزيق" المنطقة!.. نعم سوف تتمزّق أشياء عديدة ولكن ليس العراق ولا المنطقة، سوف يتمزّق نسيج الظلام والتخلف الحضاري الذي سلب سكّان العراق والشرق الأوسط إنسانيتهم.. سوف يتمزّق ويتكسّر طوق الديكتاتوريات واستلاب الإرادة، سوف تتمزّق حواجز التظليل والكراهية الدينية والقومية وتخويف الإنسان من أخيه الإنسان في دول الشرق الأوسط.
أعداء الشعب العراقي من بعثيين وإرهابيين إسلاميين يتفننون الآن في مقاومة حرية العراق لأن "الفقه الإرهابي" وفقه الديكتاتورية يفترضان شكلاً واحداً وحيداًً للتعامل بين الدولة وبين مواطنيها شكلاً مضمونه تابعية وعبودية المواطنين لحفنة من عُتاة اللصوص المحليين الذين لا أحد من المواطنين يعلم كيف ولماذا أصبحوا هيئة حاكمة في البلد!.. إنّ التخفيف من سلطة المركز لا يعني الفوضى و "التقسيم" إنّما هو دعم لمساهمة المواطنين في إدارة شؤون الدولة و تطويق لطموحات "اللصوصية الوطنية".
إنّ لفدرالية كوردستان العراق أهداف وغايات عديدة يقف في المقدمة منها وعلى رأسها استبدال تسلط الفرد أو المجموعة، هذا التسلط الذي طالما فرّط ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة أيما تفريط بالحقوق الأساسية لمواطني العراق، بسلطة المؤسسات الدستورية المنتخبة مباشرة من قبل الشعب العراقي.. سلطة تسدّ الطريق على التسلط الفردي أو الفئوي وتأمّن مساهمة جدّية وحقيقية لعموم الشعب في إدارة شؤون البلد.
إنّ نظام الفدرالية قائم أساساً على مبدأ حق تقرير المصير الذي بإمكانه أن يتحوّل الى عامل دعم وتأكيد لوحدة الوطن "الحقيقية" وتعميق للشعور المتبادل بالمسؤولية المشتركة أزاء مصالح الوطن الواحد. ومن ناحية أخرى فإنّ اكراد العراق بكل أحزابهم السياسية وعلى مرِّ تاريخ نضالهم الطويل والشاق ضدّ التعسّف والتقتيل قد ربطوا تحرّرَهم بديموقراطية العراق ووحدته وما شعارهم العتيد "الديموقراطية للعراق والفيدرالية لكوردستان" إلاّ تجسيداً لارتباطهم بعراق حرّ موحّد. هناك نقطة أساسية وعلى درجة كبيرة من الأهمية وهي أنّ إقامة دولة كوردية مُستقلة إنّما هي بالمقام الأول مسألة دولية وحتى أنّها خارج نطاق صلاحيات دول الشرق الأوسط. على هذه الاعتبارات الثلاثة يمكننا الإستنتاج: إنّ التخوّف المُصطنع من أنّ فيدرالية كوردستان العراق تعني تقسيم العراق أو تعني تأسيس دولة كوردية إنّما هو إدّعاء زائف وفي حقيقته محاولة لئيمة للإلتفاف على الديموقراطية في العراق.
فيدرالية كوردستان العراق ليست للأكراد فقط وإنّما لكل مواطني كوردستان العراق على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، ولا ينبغي للبعض من سُكّان كوردستان أن يُعارض الفيدرالية، مُناكدةً، من مُنطلقات طائفية أو قومية ضيقة وأحياناً "ثأرية" بغيضة. إنّ الوعي السياسي الديموقراطي والإنفتاح القومي المتحضّر والحرص على كسب الثقة المتبادل والحذر من اثارة الفتن المُفتعلة هو الكفيل بحعل فيدرالية كوردستان العراق حجر الزاوية لبناء دولة القانون وحقوق المُواطنة في العراق الواحد.
أخيراً نُذكّر بأن الذين يُنفذون الإعتداءات ويرتكبون الجرائم ضدّ الشعب العراقي وضدّ مُحرّريه، هؤلاء الإرهابيين وحلفاءهم في بعض دول الجوار هم مَنْ يسعى الى عرقلة بناء عراق حرّ ديموقراطي فيدرالي مُوَحّد!