طهران بين دعوة الأزهر لتواجد في إيران واضطهاد أهل السنة

انتهى في إيران الشهر الماضي أعمال ما يسمى بأسبوع quot; الوحدة الإسلامية quot; وهو أسبوع حافل بالندوات والمؤتمرات واللقاءات بين عدد كبير من كتاب وصحفيون ورجال دين lsquo;بعضهم من داخل البلاد و آخرون مدعون من عدة دول عربية و إسلامية و أجنبيةlsquo; وهذا الاجتماع الذي كثيراً ما يشبه المهرجان الخطابي lsquo; يعقد كل عام تحت عنوان الوحدة الإسلامية. غير أن هذه الوحدة هي ابعد ما تكون عن هدف المنظمين لهذا المهرجان lsquo;و يعلم من يتابع الشأن الايراني أن الثور الإسلامية و بعد مضي أکثر من ربع قرن على انتصارها بدت أهدافها وآثارها السلبية فكريا و عقائديا تظهر علي الناشئين من أهل السنة في المدارس الحكومية من روضة الأطفال تبدأ حتى المرحلة الجامعية lsquo; ولا يخفي علي من يعيش داخل إيران أو خارجها أن اهتمام المسئولين والسلطات العليا وسائر المشرفين عن الدوائر الثقافية والتعليمية و حتى الأمور الاجتماعية lsquo; يركز على نشر فكر التشيع الصفوي وتبليغ عقائد الخاصة وقد بلغ الأمر حدا لم يشهد تاريخ الشيعة ولا أي مذهب آخر مثله.حيث أن سلطة الملالي قد عملت دائما على فرض مصالحها السياسية والدينية، خالعة بذلك رقبة الحرية والديمقراطية lsquo;ضاربة احترام عقائد و أفكار الآخرين بعرض الحائط. على الرغم من أن الثورة الإيرانية قد تحققت بأيدي جماهير الشعوب الإيرانية كافة و التي خرجت إلى الشوارع متظاهرة ضد النظام البهلوي البائد وقدمت صوتها في الانتخابات الأولى لصالح النظام الجمهوري الإسلامي lsquo; وهذه الجماهير لم تکن من الشيعة فقط lsquo; بل كانت هناك مساهمة واسعة لأهل السنة الذين قاموا بالدفاع عن الثورة وحماية مكتسباتها وعدم انجذابهم إلى التيارات الإلحادية وهذا لاکبر دليل علي صدقهم وحضورهم النشط في إنجاح هذه الثورة وذلك بعد أن اظهر القائمون علي السلطة والنظام آنذاك انهم سوف لن ينكروا يوما جمهورية النظام ولا دعمه للمذاهب والقوميات الأخرى lsquo; وجعل النظام نموذجا وأسوة من الديموقراطية الإسلامية الصالحة أن تطبق وتصدر إلى سائر البلاد الإسلامية الأخرى لتكون بديلا عن الأنظمة المتعصبة التي تعمل لصالح مذهب خاص أو قومية معينة.
غير أن فكرة الوحدة وتنمية موضوع التقريب بين المذاهب علي مستوي العالم الإسلامي واختصاص أسبوع لهذا الأمر وإرسال وفود إلى العواصم الإسلامية و المراكز العلمية و إنفاق الملايين من ميزانية بيت مال المسلمين واستخدام الأجهزة الإعلامية بمختلف وسائلها وعقد مؤتمرات واحتفالات في الداخل والخارج يؤكد ويصرح فيها المسؤولين الإيرانيين بأمر الوحدة بين مذاهب الأمة وعدم انتقاص من المقدسات و إهانتها و عدم قضم حقوق أي طائفة أقلية من قبل طائفة الأغلبيةlsquo; وان جميع الطوائف لاسيما الأقليات منها قادرة أن تعمل بشئون دينها، تتعلمها وتعلمها، تأخذها وتعمل بها، لا تسعي الشيعة لتشييع السنة و لا السنة لتسنين الشيعة lsquo;و کل فرقة حرة في بيان أفكارها ومعتقداتهاlsquo;جميعها يتنافى ويتعارض مع ما يمارس من أعمال العنف والشدة علي أهل السنة ومنعهم من ممارسة العبادة وإنشاء المسجد الأمر الذي تستنكفه الدول غير الإسلامية فضلا عن الحكومات الإسلامية. ومع كذلك فإن المسئولين الإيرانيين مازالوا يصفون ثورتهم بثورة المستضعفين lsquo;ومع الأسف أيضاء أن كثيراً من المثقفين والمتنورين والثوّار في البلدان العربية قد تأثروا بهذه التصريحات الكاذبة واعتقدوا أن الثورة في إيران بارقة أمل لفتح نافذة جديدة علي العالم الإسلامي يمكن أن تعقبها النهضات والثورات وتغطي صيحات التكبير والتهليل ارض الإسلام وتزول الأنظمة الجائرة کما سقط النظام البهلوي في إيران lsquo;هذا لما كانوا يشاهدونه ويسمعونه من الشعارات والنداءات والمنشورات التي لا تزال تتكرر.
ولكن لم يتساءل أحد كيف لهذه الثورة أن تكون نموذجا للتحرر وقاعدة لاقامة الوحدة الإسلامية مادام أنها تمارس العنصرية العرقية والطائفية المذهبية بابشع صورها lsquo; وأنها تهضم حقوق أهل السنة السياسية والدينية کأقلية کثيرة تعد بعشرين مليون نسمةlsquo;وتعاملهم على انهم مواطنون من الدرجة الثانية لاحظ لهم في المناصب والوظائف العليا ولا يتم استخدام نخبهم في مجالات اختصاصهم lsquo; ويحرمون من بناء مسجد واحد لهم في العاصمة طهران و يمنعون أيضاء من إقامة صلاة الجمعة في المدن ذات الأكثرية الشيعية lsquo; بالإضافة إلى غيرها من الممارسات التمييزية و الطائفية الأخرى.
ولعل حادثة إغلاق مدرسة جامع النبي القرآنية ومدرسة للبنات تابعتين لأهل السنة، بمدينة مشهد، واعتقال أحد أئمة السنة بالمدينة مؤخراًlsquo; تشكل أحد أهم الشواهد التي يمكن أن تدفع المراقب لطرح مثل هذا التساؤل. حيث قامت السلطات الإيرانية في مدينة مشهد الدينية في إقليم خراسان مطلع الشهر الجاري بإغلاق المدرستين كما قامت بمداهمة منزل الشيخ quot;عبد العلي الخير شاهيquot;، إمام جامع النبي السابق الذي كان قد تم عزله من قبل السلطات الأمنية ومنعه من أية خطابة أو إمامة بعد انتقاداته للحكومة وتزايد شعبيته بين أهل السنة. وقد اعتقلت أجهزة الاستخبارات الشيخ شاهي و أحالته إلى المدعي العام الثوري الذي وجه له تهمة القيام بأنشطة دينية ممنوعة، على حد زعمه.واعتبر دار تحفيظ القرآن الكريم ومدرسة البنات قد بُنيتا بإشارة من الشيخ quot;عبد الحميدquot; إمام أهل السنة في مدينة زاهدان (وهو أبرز علماء السنة في إيران) lsquo;وأن عبد الحميد يسعى لجمع علماء السنة في هذه المدرسة.
ومن الطريف أن الشيخ عبد العلي الخير شاهي lsquo; وبعد أن تم إغلاق باب داره اضطر الى أن يقيم خيمة في الشارع يأوي فيها أهله و قد کتب عليها quot;مرحبا بعام الوحدة و الاتحاد الإسلاميquot;( حيث سبق لمرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي تسمية العام الايراني الحالي بعام الوحدة و الاتحاد الإسلامي ). متسائلا هل فکر رجال الحكومة في الوقت الذي يقولون فيه أن إيران تواجه خطرا کبيرا و تعاني من المقاطعة الدولية أن هذه الإجراءات لا ينحصر خبرها في مشهد و لا يبقى في إيران وحدها بل سوف يبلغ صداه العالم أجمع؟lsquo; فإن أهل السنة في مدينة مشهد و إيران عامة يعانون دائما من ممارسات هولاء المسئولين المتطرفين وإن هذه الممارسات تضعف معنويات السنة الإيرانيين و تهيج أهل السنة في العالم و تعرقل إجراءات الوحدة التي تقول الحكومة الإيرانية أنها تسعى أليها.
ألم يفکر هولاء المتطرفون الذين لا يتحملون مدرسة قرآنية واحدة كيف للسنة أن يصدقوا تسمية هذا العام بعام الوحدة و الاتحاد وهم يرون هذه الإجراءات و الممارسات و الضغوط المفروضة عليهم تخالف هذه التسمية.
جدير بالذکر أن مدرسة تحفيظ القرآن الكريم تنشط بمدينة مشهد فقط و ليست لها أي نشاطات خارج المدينة وكانت قد بنيت قبل عدة سنوات.
ومن الغريب أيضاء أن إغلاق هذين المدرستين واعتقال أحد ابرز أئمة أهل السنة قد تزامن من الدعوة التي وجهتها الحكومة الإيرانية الى الأزهر الشريف لفتح فرع له في إيران. ولا أحد يدري ما هي الأنشطة التي سوف يقوم بها الأزهر في إيران إذا كانت السلطات الإيرانية لا تتحمل وجود مدرسة لتحفيظ القرآن للأهل السنة.
فبعد كل هذا كيف يساوي المتأثرين بالنفاق السياسي للنظام الايراني lsquo; بين دعوة الأزهر لفتح فرع له في طهران lsquo; وبين إغلاق المدارس القرآنية ومساجد أهل السنة الإيرانيين؟.

صباح الموسوي

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف