الحادث الأخير( الخطير خطراً مميتاً، والبعيد كل البعد عن أخلاق الرجال وشرائع بني الإنسان) في الإعتداء الجسدي على الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان، يعبر عن تحول نوعّّي في الحرب التركية المعلنة ضد هوية ووجود الأمة الكردية. فقد نقل محاموا أوجلان عن موكلهم بان عناصر سجن جزيرة (إيمرالي) إعتدوا عليه وطرحوه أرضاً مهددين إياه بالقتل. وقال أوجلان لمحاميه بأن أحد هذه العناصر وضع قدمه على ضهره إمعاناً في المزيد من الإهانة والإذلال، مما دفعه إلى القول: إذا كنتم تريدون إهانتي فإقتلوني حالاً، فما كان من أحدهم إلا الصراخ: سوف نقتلك، ولكن في الوقت الذي نريد...

السلطات التركية عملت دائماً على عزل أوجلان( السجين منذ 15 شباط 1999) والتضييق عليه في الحجرة الإنفرادية بجزيرة إيمرالي( النائية في عرض بحر مرمرة، والتي يحرسها أكثر من ألفي جندي تركي) وإصدرت قرارات عزل مشددة داخل العزلة التي يعيش فيها، ومنعته من متابعة أخبار العالم ورؤية محاميه وذويه، وحالت دون حديثه مع أشقاءه باللغة الكردية. كما لجئت الحكومة التركية آواخر عام 2005 إلى إصدار قوانين خاصة لكي تستثني أوجلان من أي قرار عفو أرادت صياغته للتقرب من الإتحاد الأوروبي. هذا إضافة إلى القانون الجديد الذي يمنع البرلمانيين من لقاء الأشخاص الذين حٌكم عليهم بالمؤبد، وهو قانون خاص سٌن لكي يٌحرم أوجلان بموجبه من لقاء النواب الكرد في البرلمان التركي..

إن هذا التصرف يدل على مدى الإفلاس والعجز الذي وصلت إليه الحكومة والجيش التركيين أمام تطور وتصاعد النضال التحرري الكردي في تركيا. فالضربات العسكرية الأخيرة التي تلقتها قوات الجيش التركي من المقاتلين الكرد، والتي اسفرت في الأيام القليلة الماضية عن قتل وجرح عشرات الجنود الأتراك، هي الدافع/السبب الأكبر وراء هذا التصرف الخطير والمهلك ضد الرجل الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن الدعوة للحوار والتفاوض والمطالبة بإيجاد حل سلمي عادل للقضية الكردية. والجيش التركي الذي يقوده الجنرال إلكر باشبوغ عاجز الآن عن حماية قواته من هجمات المقاتلين الكرد المتزايدة. تصريحات باشبوغ (عند إستلامه منصبه قبل 3 أشهر) والتي توعد فيها بحرب شاملة ضد حزب العمال الكردستاني ودعى الإعلام ومؤسسات الدولة لخدمة جيشه في تنفيذ هذه المهمة، إصطدمت بهجمات نوعيّة وشاملة شنتها قوات العمال الكردستاني أحرجت باشبوغ، ودفعت الصحف، ولأول مرة في تاريخ تركيا، إلى إنتقاده وعرض عجز الجيش عن حماية جنوده والحديث المفتوح عن فشل خطط المؤسسة العسكرية في ضرب المقاتلين الكرد وإلحاق الهزيمة بهم...

وعلى صعيد الحكومة التركية فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم بواجه مصاعب كبيرة، فإستطلاعات الرأي الأخيرة( التي قامت بها شركة تهران أردم المعروفة في تركيا) أظهرت تراجع شعبيته في مناطق وولايات كردستان الشمالية( جنوب شرق تركيا) مقابل تقدم حزب المجتمع الديمقراطي( الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، وهذه مؤشرات تدل على إنكشاف أمر أردوغان أمام الشعب الكردي، والذي تأكد في زيف إدعاءاته وكذب أقواله فيما يخص موضوع حل القضية الكردية في تركياً حلاً ديمقراطياً عادلاً( تصريحات أردوغان في دياربكر 12/5/2005)، وحتى الزيارة التي كان ينوي أردوغان القيام بها إلى إقليم كردستان العراق، ولقاء المسؤولين الكرد هناك، والتي أرادها رئيس حزب العدالة والتنمية كطريقة جديدة لخداع الأكراد والتقرب منهم بغية الإستحواذ على أصواتهم في الإنتخابات البلدية القادمة في 2009.، هذه الزيارة أفشلها حزب العمال الكردستاني بهجومه النوعيّ على نقطةquot; بي زليquot; العسكرية التركية وقتل وجرح عشرات الجنود الأتراك المتحصنين فيها...

حزب أردوغان، ولمجاراة الجيش، ولأنه فشل في الإستمرار في خداع الشعب الكردي، عمد إلى تمديد مذكرة الحرب والتدخل الخارجي عاماً آخراً( 7/10/2008)، وهو الأمر الذي سيقوض شعبية هذا الحزب الباقية بين الأكراد، كونه يراهن على الحرب والحسم العسكري، ولايختلف بذلك عن بقية الأحزاب التركية الناكرة للحق الكردي..

الشعب الكردي لن يتخلى عن أوجلان وهو الذي قاد أعظم وأكبر ثورة في تاريخه. الكرد سيردون على الإهانة التركية هذه، وعلى باشبوغ وأردوغان أن يستعدوا لمزيد من الضربات ولمزيد من الذل والمهانة والعجز...

التصرف الأخرق، الخطير، بالإعتداء الجسدي على أوجلان سيدفع الجانب الكردي للرد وبشكل أقوى. هذا التصرف سيعتبره الكرد إهانة لهم في كل مكان وسيردون عليه بطريقتهم التي ستثير لتركيا المزيد من المتاعب والإحراج أمام العالم...

ليعلم أردوغان والجنرال باشبوغ بأن هذا الإعتداء سوف يدفع المزيد من الشابات والشبان الكرد إلى رؤوس الجبال للقتال، وسيساهم في توحيد صفوف الكرد ودفع الشعب الكردي إلى التلاحم وراء حزب العمال الكردستاني، وجعل هذا الأخير لايملك سوى الرد بشكل أقوى يتناسب وحجم هذه الإهانة...

عبدالله أوجلان وهو في السجن الإنفرادي المعزول يمثل كرامة وشرف الأمة الكردية. والرجل لايملك من حطام الدنيا شيئاً، حتى قطعة الأرض الزراعية التي ورثها من والده طالب شقيقه بمنحها لعائلة فقيرة من أبناء قريته. لكن اوجلان يملك الملايين من الأنصار بين صفوف المهمشين من الكرد في كردستان الكبرى وخارجها. هناك الآلاف من المقاتلين المستعدين للدفاع عنه بأرواحهم وينتظرون الإشارة، وهذه حقيقة تعلمها تركيا، وتعلمها أميركا ويعلمها الإتحاد الأوروبي...

يقول الأديب الروسي ليون تولستوي: تستطيع أن تسحق الإنسان ولكنك لاتستطيع أن تهزمه...

تركيا تستطيع أن تقتل أوجلان الآن، كما قتلت مئات الآلاف من أبناء شعبه، ولكنها قطعاً لن تهزمه ولن تهزم ثقافة المقاومة والتضحية والفداء بالروح والمال، التي خلقها ورسخهّا بين أبناء شعبه...

طارق حمو
[email protected]