يشعر المراقب أحياناً أن الإعلام الكردي يقع بين حين و آخر في أخطاء ملحوظة و يبدو له أنه إعلاماً غير دقيقاً بقدر المطلوب في تناول الأمور و معالجتها و أنما يشتغل في عدد من القضايا على أوتار عواطف و هواجس الشارع الكردي بطريقة غير علمية أو غير مبنية على الحقائق و المعلومات القويمة، و قد يكون هذا وجه من وجوه الضعف الحقيقي في أداء بعض القنوات الكردية الإعلامية المرئية و المسموعة و المكتوبة و كذلك مكمن الإشكالية في بلورة الرأي العام و إنتاج الحقيقة أو تعقيبها. و إذا أردنا هنا أن نأتي بنموذج لأستدلال رأينا هذا بشأن هذا الإعلام يمكننا الإشارة الى طريقة تعاطيه مع مسألة خطورة الجيش العراقي و الخشية من هذه المؤسسة، التي لاتزال قيد التشكيل بل يمكن القول بأنها ضعيفة بكل المقاييس و لن يكون قوياً أو متسلحاً على وجه مطلوب الى سنوات عديدة ربما تطول الى عشرات السنين على حد تقدير وزارة الدفاع العراقي نفسها.


كان تعاطي الإعلام الكردي و مايزال مع هذه المسألة تعاطياً مُتَسرعاً وربما السبب هو أنه عمِلَ فقط على إثارة الذاكرة الجمعية التراجيدية للكرد مع ماضي هذا الجيش في العهد البائد الذي تعرض فيه الكرد على يده لعدد من المجازر الإنسانية. كما أنه تعامل مع المسألة بحالة من التسرع في تشبيه خطورة الجيش العراقي الحالي بالجيش السابق الذي كان بحق ndash; و يجب أن نعترف بذلك - جيشاً مفترساً بحق المواطنين الكرد نظراً لوقوعه تحت إمرة زمرة مليتارية ndash; ديكتاتورية كانت غير مُجيدة مهنياً لطريقة توظيف المؤسسات الدولتية توظيفاً قويماً يصب في خدمة الشعب و الحفاظ على أمنه و حدوده و سيادته بل على العكس من ذلك تماماً وظِّف هذا الجيش لقمعه و ضربه و قتله جماعياً على ما نرَ و نحصد كوارثه اليوم في عثورنا المتتالي على المقابر الجماعية الواحدة بعد الأخرى.


عندما ننتقد هنا أسلوب تعامل بعض من القنوات الإعلامية الكردية مع هذا الموضوع ننطلق من منطق يفيد أن بث الخوف و الرعب بين أبناء شعبنا الكردي تجاه الجيش و تسليحه أمراً ليس في محله. صحيح أن ثمة ذاكرة مؤلمة لاتشجع طمأنة المواطن العراقي في كردستان العراق من نوايا أي عملية تسليحية للجيش سيما أن الخطاب الذي كان مصاحباً، في النظام السابق، لعملية كهذه، و مبرراً لها في الوقت نفسه، هو نفس الخطاب الذي يسود اليوم و الذي يقدم الجيش على صورة الحامي للدولة من الاعتداء الخارجي والمحافظة على الحدود البرية والمياة الإقليمية والمجال الجوي للدولة. و صحيح أن بناء الجيش و تسليحه بحاجة الى حملات مبرمجة لتوعية أفراده وعناصره بقيم الجيش الملتزم بمباديء الديمقراطية و الإنسانية لكي لايقترف الجرائم السابقة التي أقترفها بحق المواطنيين في عهد صدام، و لكن هذه الحقائق التي لابد تؤخذ بعين الإعتبار دون أدنى شك، لاتعني أن عراق اليوم متوجه بالضرورة نحو إعادة أخطاء الماضي في التحكم الجهنمي بهذه المؤسسة المهمة في الدولة و لابمقدوره أن يكون كذلك، و ذلك لعدة أسباب، أبرزها قبل أي شيء، هو أن الكرد اليوم يتمتع بقوة عسكرية لايُستهان بها، هذه القوة هي مدربة و مُشَكَلة من قوات البيشمركة التي تتراوح عدد أفرادها قؤابة 300.000، كما أن هذه القوة العسكرية هي اليوم، حسب تقدير بعض المراقبيين، من أشد القوات العسكرية الموجودة حالياً في البلاد و أكثرها مهارةً في فنون القتال و القدرة على المواجه و تحمل الصعاب و المهالك فضلاً عن الترسانة العسكرية الموجودة في الأقليم والتي تعادل حسب بعض المعلومات و التقارير - إن لم تكن أكثر ndash; الترسانة العسكرية للجيش العراقي الحالي.
ثم يجب أن يعي المواطن في الشارع الكردي أن قدرات الجيش العراقي الحالي ماتزال محدودة و لا بإمكان أي حاكم في بلد أن يقوم مستقبلاً بحماقة التعرض للمناطق الكردية إذا ما أحتدمت الصراعات و الخلافات مع الأقليم الكردستاني خاصة إذا ما عَلِمنا أن الجيش العراقي السابق في عهد صدام حسين كان له ترسانة عسكرية هائلة دون أن يستطيع القيام بذلك خاصة في المناطق الجبلية الوعرة التي تستعصي اليوم حتى على جيش نظامي وعريق في الناتو كالجيش التركي، هذا بالرغم من أن الجيش النظام السابق كان وقتذاك متكوناً من الجيش النظامي، والحرس الجمهوري، والحرس الجمهوري الخاص، والجيش الشعبي (الذي يعرف كذلك باسم جيش الشعب أو مليشيات الشعب)، والقوات العسكرية النظامية و رغم أن مجموع أفراده كان 350.000 (بما في ذلك 100.000 استدعوا للاحتياط) كان موزعون كما يلي: 7 قيادات فيالق،3 فرق مدرعة،11 فرقة ميكانيكية،6 فرق من قوات الحرس الجمهوري، 4 ألوية من الحرس الجمهوري الخاص،5 ألوية من الفدائيين، 2 لواء قوات خاصة، و المعلوم أن العراق حينذاك كان يشتري أسلحة من الاتحاد السوفياتي وأميركا وفرنسا والصين وألمانيا الغربية وإيطاليا والبرازيل وبولندا وتشيكوسلوفاكيا ومصر ودول أخرى. ووفقا لتقييم أعدته الهيئة الأميركية لمراقبة ونزع الأسلحة، استورد العراق بما قيمته 14 مليار دولار من المعدات العسكرية بين عامي 1981 و1985، هذا إضافةً الى أن الجيش السابق كان جيشاً مدرباً خاض حروباً جبهوية لسنوات طوال، أي لم يكمن مثل الجيش الحالي الذي يتكون عتاده الحربي من 100000 إلى 200000 قطعة سلاح من نوع AK-47 و 27238 من نوع M16A4 بالإضافة إلى 72 دبابة من نوعT-55 و 77 من نوع T-72 و 330 من نوع M-60A3 و 363 مدرعة من نوع BMP-1 و بعض طائرات الهليكوبتر ولا يمتلك حاليا مدفعية ثقيلة و مقاتلات جوية، هذا عدا أنه جيش غير مدرب تدريباً موحداً و لم يخوض أية تجربة في مواجهات عسكرية كبيرة على شاكلة الحروب السابقة التي ندعوا من الله أن لايقدرها لنا.


و على ضوء كل ما ذُكر ينبغي أن يعلم أبناء الشعب الكردستاني أن لا خوف من الجيش الذي ذكره رئيس الأقليم مسعود البارزاني في أكثر من مناسبة بعبارة quot;جيشنا quot; خاصة أن حكومة كردستان العراق أتفقت مع الحكومة الإتحادية على تشكيل فرقتين عسكريتين للجيش العراقي من قوات البيشمركة فضلاً عن أن رئيس أركان الجيش هو كردي فضلاً عن رئيس الجمهورية و نائب رئيس الوزراء و نائب رئيس مجلس النواب و كتلة كبيرة من كتل البرلمان و الذين سيكون لهم الدور دون شك في صنع القرار في البلد و لا يسمحون بالإنفراد بالسلطة العسكرية و السياسية في البلد فما بالك بأستخدام الجيش ضد الشعب الكردي الذي هو جزء من الشعب العراقي.

عدالت عبدالله

* كاتب و باحث كردي عراقي