حصل العراق على مرتبة رقم 178 ولم تتفوق عليه سوى دولتي هايتى و ميانمار حيث حصلتا على أسوأ مرتبة وهي رقم 179. هذه هى أحدث احصائية لعام 2007. ولكي يحصل القارىء على فكرة واضحة عن المستوى الذى وصل اليه الفساد فى العراق مقارنة ببعض دول العالم، يلاحظ ما يلي:

الدولـــــــــــــــــــــــــــــة ترتيبها
فنلندة/الدانمارك/نيوزيلندا 1
السويد 4
كندا/سويسرا 9
بريطانيا 12
المانيا 15
اليابان 17
فرنسا 19
الولايات المتحدة الأمريكية 20
قطر 32
الامارات 34
ايطاليا 41
البحرين 46
الاردن 53
الكويت 60
تركيا 64
السعودية 79
لبنان/الجزائر 99
مصر/ايران 105
ليبيا /اليمن 131
سوريا/باكستان 138
روسيا/اندونيسيا 143
السودان/أفغانستان 172
www.infoplease.com/worldوللمزيد من المعلومات يمكن الذهاب الى


والمقصود هنا بالفساد هو الفساد الذى يستشرى بين الموظفين والقادة السياسيين الذين تتيح لهم مناصبهم الوصول الى موارد الدولة، فيأخذهم الطمع والجشع ويمدون ايديهم الى أموال الشعب بدلا من حمايتها، ليصرفوها على مصالحهم الخاصة، بدون حياء ولا وازع من ضمير، فيسببون بذلك أفدح الضرر لبلدانهم.

وعرف العرب كما عرف غيرهم هذا النوع من الفساد منذ القدم، وبدأ به شيخ القبيلة او العشيرة حيث كان يفرض على أتباعه الضرائب تحت مسميات شتى، فيحتفظ بالجزء الأكبرمنها ومن الغنائم التى يحصل عليها من الغزوات لعائله وخاصته، وما يتبقى منه (يتكرم) به على العشيرة، فيمدحه الشعراء وتغنى له المغنيات وتدق له الدفوف ويحرق له البخور.

وجاء الاسلام للقضاء على كل أنواع الفساد، ولكن جميع الحكام كانوا يحكمون بالحق الالهي ولا من يحاسبهم، وهم كباقى الناس منهم العادل والظالم، ومنهم المحسن والمسىء. وظهر الفساد بكل وضوح مع بدء الحكم الأموي، حيث بدأ معاوية بصرف الأموال الطائلة كما يشاء وبدون رقيب على أتباعه، واشترى من الناس أنفسهم وضمائرهم، وجيش الجيوش لغزو الدول المجاورة للحصول على الغنائم، بحجة نشر الدين الاسلامي. فأصاب قادته ومنهم عدد كبير من الصحابة غنى فاحش لا يمكن تصوره. وكان الخليفة عمر بن الخطاب على دراية تامة بما سيحدث فمنع الصحابة فى أيام خلافته من الخروج من مكة والمدينة محتجا بحاجته اليهم للمشاورة فى شئون المسلمين. وتغير الأمر بعد اغتياله (رض) فغادر الكثير من الصحابة للالتحاق بالجيوش الاسلامية، وخير دليل على ذلك هو الثراء العريض والأموال الطائلة وأكداس الذهب التى استحوذ عليها الصحابة من أمثال: الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن ابى وقاص، طلحة بن عبيد الله، وعمر بن العاص، وغيرهم كثيرون. (راجع المسعودي فى مروج الذهب).


انتهى الحكم الأموي وبدأ الحكم العباسي، ولم يتغير شيئا كثيرا سوى تبديل الأمويين بالعباسيين. وكلما تقدم الزمن زاد فساد الحكام العباسيين، حتى ان آخر (خليفة) المستعصم بالله العباسي كان فى قصوره ما لايقل عن ثلاثة آلاف جارية وألف غلام، وفى خزائنه من الذهب والأحجار الكريمة ما لا يتصوره العقل. وكان له أتباع يجوبون البلدان لشراء الجواري الحسناوات والمغنيات.
وضاع الخليفة وضاع ملكه وضاعت بغداد على يد المغول لأن الخليفة لم يبذل الأموال الكافية للاحتفاظ بعدد كاف من الجنود يحمى بهم عاصمة ملكه.

وتغيرت الوجوه وتعاقب الحكام على العراق من كل الأشكال والألوان والفساد هوهو لم يتغير الا بنسب طفيفة، وجاء الحكم الملكي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقامت انتخابات كانت نتائجها مقررة سلفا، وأصبح لدينا فى العراق مجلس أمة ودستور وعلم. ولكن شيوخ العشائركانت لهم السيطرة الكبرى على شئون البلد، حتى ان نورى السعيد بجبروته لم يكن يقطع أمرا دون استشارتهم وموافقتهم. سارت الأمور سيرا وئيدا نحو التحسن وزاد عدد المثقفين والمتعلمين، وزاد عدد الدارسين خارج العراق والذين مع عودتهم كانوا ينقلون اليه حضارة الغرب المزدهرة. وتشكلت الأحزاب، وبدأ الناس يجاهرون بمعارضة الحكومات المتعاقبة ومحاسبتها ومراقبة أعمالها.

قامت ثورة تموز عام 1958 وتغير الحكم الملكي الى جمهوري. وحصل ما حصل خلال الحكم الجمهوري ولغاية سقوط صدام حسين كما ذكرته فى مقالى السابق: صدام حسين وأدولف هتلر.

جاءت أمريكا بقوتها وجبروتها لحماية منابع النفط وضمان تدفقه اليها، وأغلب الظن انهم كانوا مخلصين حينما قالوا انهم يريدون نظاما ديموقراطيا فى العراق يكون مثالا لبقية البلدان فى المنطقة، ولكن حساباتهم كانت خاطئة، فان الديموقراطية لمن يفهمها وليس لشعب جاهل خيم عليه الجهل لقرون طويلة وتأخر عن ركب الحضارة العالمية أشواطا طويلة. شعب فيه من الأديان والطوائف والقوميات المتناحرة المتنافسة التى تعودت على ان يحكمها دكتاتوريون استطاعوا كبح جماحه وأصبح من المستحيل على اية حكومة ديموقراطية ان تمارس عملها بالطرق الديموقراطية الصحيحة أكثر من أسابيع او أشهر معدودات حتى تتنحى او تنحى عن الحكم.

من ينتخب الشعب الجاهل ليمثله فى الحكومة او البرلمان؟ خارج المدن سينتخبون الشيوخ الجهلة او رجال الدين الذين أغراهم نجاح الملالي فى ايران وأخذوا يحلمون بالأموال والمناصب، وأما داخل المدن فان نسبة كبيرة من سكانها ما زالوا يخضعون لشيوخهم وتوجيهاتهم مهما بعدت الشقة بينهم. أما أهل المدن من الجهلة وأنصاف المتعلمين، فمنهم من سيطر مشايخ الدين على عقولهم، ومنهم انجرف فى تيارات دينية وسياسية من داخل البلد ومن خارجه ينفذون أوامرهم دون تفكير او مناقشة. وبعد ذلك تبقى قلة ضئيلة من المثقفين المخلصين وهم لا حول لهم ولا قوة وأكثرهم غادروا البلاد بعد ان يئسوا من الاصلاح وأصبحت حياتهم معرضة للخطر وقتل منهم الكثيرون.

برلماننا العتيد الذى غامر أبناء الشعب لانتخابه، قلما يحصل النصاب ليجتمع، فالأكثرية اما ان تكون مشغولة بتأدية مراسيم الحج، او يسكنون خارج العراق هم وعوائلهم، ورواتبهم مضمونة، حيث يستلم الواحد منهم وبدون حياء وخجل مجموع ما يستلمه أكثر من خمسين شرطيا يخاطرون بحياتهم فى كل ساعة من الليل والنهار. وبعض من الذين يحضرون يقضون معظم أوقاتهم يسعون لتعيين أقاربهم فى الدولة وادارة اعمال تجارية والحصول على مقاولات حكومية، والبعض الآخر وهم أسوأ الجميع يشاركون فى المجلس والحكومة وفى نفس الوقت يديرون أعمال الارهاب ويزودون الارهابيين بكل المعلومات التى يحتاجونها لتنفيذ أعمالهم الاجرامية. وانتشر الفساد فى كل مؤسسات الدولة، وأخذ المفسدون يحرقون كل ما قد يكشف عن فسادهم. ويقال ان الحريق الذى حصل قبل أيام قليلة فى البنك المركزي ببغداد كان بتخطيط أجنبي للتغطية على أسماء مستلمى كوبونات النفط ومستلمى الرشاوى من الأجانب اثناء تطبيق ما سمي ب(النفط مقابل الغذاء).

لقد بلغ السيل الزبى، وتعدى عدد الأرامل المليون امرأة، وتعدى عدد اليتامى الأربعة ملايين يتيما، وتخطى عدد المعوقين المليونين معوق، ونسبة العاطلين عن العمل تعدت الأربعين بالمائة. وبعد هدوء نسبي عادت التفجيرات، وظهرت أنواعا جديدة من الانتحاريين المجرمين والانتحاريات المجرمات يأتون الينا من كل حدب وصوب، من اوروبا ومن أفغانستان ومن اليمن ومن السعودية ومن سورية والأردن ومصر وليبيا والجزائر والمغرب وغيرها يجمعهم هدف واحد هو قتل العراقيين وتدمير بلدهم باسم الدين وبحجة محاربة الأمريكيين.

الى ان يغير الأمريكيون خططهم ويضعون مشروع الديموقراطية جانبا ويساعدون فى تنصيب قائد مخلص لوطنه، لا يميز عراقي على آخر، ومشهود له بالكفاءة، ذو قبضة فولاذية ويضعون كل ثقلهم خلفه، فيعطل الدستور ويحل المجلس ويعلن الأحكام العرفية، وتشرع المحاكم العسكرية بمحاكمة المتهمين وتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم فور صدورها وبدون ابطاء، وتسفير الغرباء والسيطرة المحكمة على الحدود، فانه لا يفل الحديد الا الحديد، وبغير ذلك سنبقى نتعلل بالآمال والأمانى الفارغة.

عاطف العزي