قبل قرن من الآن وفي quot;26 آيار عام 1908م quot; تمكنت شركة D،Arcy الإنجليزية ( ويليام فاكس دارسي ) من اكتشاف أول بئر نفطي في الشرق الأوسط. وكان هذا الاكتشاف قد تم في حقل نفطون بمدينة quot; مسجد سليمان quot; الواقعة عند سفوح جبل زاغروس في شرق إقليم الأحواز. وكانت شركة دارسي الانجليزية أول شركة تحصل على امتياز حق اكتشاف النفط في الأحواز. وبعد7 سنوات على حصول هذا اكتشاف العظيم الذي غير وجه المنطقة عامة و الأحواز خاصة،فقد عقدت الحكومة البريطانية في 28 آيار عام 1915م اتفاقا جديدا، مع أمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي وملك فارس مظفر الدين شاه القاجاري، مدته 60 عاما يعطي الحكومة البريطانية حق امتياز استخراج النفط واستثماره ومد أنابيب النفط في أرجاء إيران و الأحواز. وكانت الحكومة البريطانية قد سبق ان عقدت في عام 1909م اتفاقا مع الشيخ خزعل الكعبي يقضي بدفع 650 جنيه إسترليني للشيخ كإيجار لموقع مصفاة تكرير النفط في عبادان ومرور أنابيب النفط عبر أراضيه، إلى جانب تأييد استقلاله ضد ادعاء المملكة الفارسية ( المملكة الإيرانية فيما بعد )، و وعد بمساعدته عسكريا إذا ما تعرض لأي اعتداء اجتبي. وعلى هذا الأساس تم إنشاء مصفاة نفط عبادان الواقعة على شط العرب، والتي تعد اكبر مصفاة لتكرير النفط في الشرق الأوسط.


لقد زاد اكتشاف الذهب الأسود من أهمية الأحواز و أعطاها شهرة عالمية، إضافة إلى شهرتها السابقة التي كانت قد اكتسبتها بسبب موقعها الجغرافي ودورها في الأحداث السياسية التي كانت جارية آنذاك في إيران عامة، والعراق ومنطقة الخليج العربي خاصة. وبنفس الوقت أيضا فقد زاد هذا الاكتشاف من أطماع المملكة الفارسية التي كانت تسعى على الدوام بضم الأحواز إلى سيادتها و لكنها كانت تصطدم بمقاومة الشعب الأحوازي ورفضه القطع الخضوع للهيمنة الفارسية.


لقد جاء اكتشاف النفط في الأحواز في الوقت الذي كانت فيه المملكة القاجارية تعيش أحداثا غاية في الأهمية، منها على سبيل المثال، ثورة المشروطة، أو الثورة الدستورية عام 1906م، حيث كانت هذه الثورة التي ساهم أمير الأحواز مساهمة فعالة ومؤثرة في نجاحها، قد أضعفت من قبضة الملك القاجاري و أعطت لقوى المعارضة دورا في الإشراف على قرارات الحكومة وقوت من سلطة حكام الأقاليم والولايات، وهذا ما أزعج القوى التي كانت مرتبطة بالقوى الاستعمارية الثلاث ( بريطانيا، فرنسا، وروسيا ) التي كانت قد قسمت بلاد فارس إلى مناطق نفوذ، الجنوب والشرق للبريطانيين، والشمال والغرب للروس، مع بعض النفوذ للفرنسيين في الوسط.
ومع قيام الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917م ازدادت مخاوف البريطانيين من هذه الثورة الجديدة التي جاءت بشعارات وأيديولوجية جديدة، و خشوا من ان تجد هذه الثورة طريقها إلى بلاد فارس وتزيح الحكم القاجاري الذي كان يقف على أرجل من قصب نتيجة الصراعات بين التيارات المنقسمة الولاء للقوى الاستعمارية الثلاث.


ولهذا فقد عزم البريطانيون أمرهم على إنهاء الحكم القاجاري بأيديهم والمجيء برجل قوي يمنع وقوع بلاد فارس في قبضة النظام الشيوعي الروسي، وبنفس الوقت يضمن استمرار نفوذ البريطانيين في بلاد فارس ويحفظ لهم حق امتياز إنتاج واستثمار النفط الأحوازي. وكان اختيار البريطانيين قد وقع على ضابط في فرقة الخيالة ( القوزاق ) يدعى quot; رضا خان بهلوي quot; وبدأت بدعمه حتى أوصلته إلى وزارة الدفاع. وقد قام سنة 1921م وهو على رأس وزارة الحربية بلخع الشاه القاجاري و تولى بنفسه منصب رئيس الحكومة. ثم قام في نيسان عام 1925م باحتلال الأحواز واسر أميرها الشيخ خزعل الكعبي ثم قتله.، ثم اجبر البرلمان الإيراني سنة 1925 م، على انتخابه ملكا جديدا على بلاد فارس التي قام عام 1934م بتغييراسمها إلى إيران (= بلاد الآريين). كما قام باستبدال اسم عربستان ndash; الأحواز- إلى خوزستان تمهيدا لضمها نهائيا إلى الدولة الإيرانية.


لقد استطاع رضا خان بهلوي،(الذي تم عزله سنة 1941م ثم نفيه إلى جنوب إفريقيا نتيجة إعجابه بهتلر وإبداء تعاطفه معه في الحرب العالمية الثانية )، من ان يثبت أركان حكم الأسرة البهلوية التي حكمت إيران مدة زادت على الخمسين عاما، قضتها في خدمة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحولت إيران بموجب الثروة النفطية التي أسولت عليها جراء احتلالها الأحواز، من الدول الفاعلة و المؤثرة في النظام الإقليمي، و لاعبا أساسيا في الكثير من الأحداث الدولية.


فإيران اليوم هي من الدول التي تملك احد اكبر احتياطات النفط المؤكدة في العالم و قد استخرجت منه طوال المائة عام الماضية نحو خمس وستون مليار برميل من أصل احتياطي نفطي يقدر بمائة و واحد وثلاثون مليار برميل من النفط الخام. وقد كان معدل الإنتاج عند بدء اكتشاف النفط 500 برميل يوميا ليصل إلى أربعة ملايين برميل حاليا.


ولكن الدولة الإيرانية ورغم كل هذه الثروة الهائلة فقد تعمدت طوال المائة عام الماضية وما تزال تتعمد ان يبقى الشعب العربي الأحوازي محروما من حقه بالتمتع بهذه الثروة التي انعم الله بها عليه. فلم يكتفي حكام إيران باغتصاب الأحواز وضمها إلى سلطانهم، بل عمدوا إلى جعل الاحوازيين لا ينالون من حصة هذا النفط سوى دخانه المنبعث من آبار الحقول التي تملأ ارض الأحواز. فبينما يعاني الشعب الأحوازي اشد حالات الفقر والحرمان، ويقتات الكثير منهم على ما يجنيه أبنائهم من العمل في المهن المتدنية، حمالين و غسالي سيارات وحراس بنايات ومزارعين وعمال مطاعم، في عدد من دول الخليج العربي، نجد ان المليارات من نفط الأحواز يقوم نظام الملالي بتوزيعها على التنظيمات والحركات الإرهابية التي أنشأها في العديد من دول المنطقة خدمة لأهدافهم التوسعية. فبينما يتفاخر النظام الإيراني بدعمه المغامرات الصبيانية لحزب الله و زعيمه quot; حسن نصرالله quot; بمليارات من الدولارات،اسماها نصرالله بالأموال النظيفة حسب زعمه، نجد ان سكان المئات من القرى الأحوازية محرومون من مدرسة واحدة أو مركزا صحي واحد.

وفي حين تعاني ألاف القرى العربية من فقدان التيار الكهرباء و المياه الصالحة للشرب والطرق المعبدة،فان النظام الإيراني يغدق بأموال طائلة على المنظمات الطائفية والإرهابية التي تقوم بتفجير وحرق المساجد ودور العبادة وقتل الأبرياء في العراق. وفيما بلغت نسبة البطالة في الأحواز ثلاثة أضعاف نسبة البطالة في إيران، باعتراف نائب مدينة المحمرة في البرلمان الإيراني المدعو مصطفى مطوري، فان النظام الإيراني يصرف سنويا عشرات المليارات على بناء ترسانته العسكرية ويوصل مساعيه الحثيثة لإتمام مشروعه النووي بهدف الحصول على إنتاج أسلحة الدمار الشامل. ويتم ذلك كله من مردود النفط الأحوازي الذي نتمنى لو انه ما كان ظهره أبدا، ونتمنى أيضا لو انه يجف اليوم قبل غدا حتى يتوقف اضطهاد ملالي طهران لشعبنا، ويتوقف دعمهم للفتن وأعمال الإرهاب التي تزاد عنفا يوما بعد يوم على يد عناصر مأجورة.


صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي