التشبيه من الأدوات المهمة التي إستعملها العرب سواء في الشعر أو النثر، وأقرب أنواع التشبيه ذلك الذي يكون مجرداً عن أداة الشبه، كمن يشبه حبيبته بالقمر مباشرة ويقول [هي القمر] فهذا النوع من التشبيه يعتبر أقرب الطرق لتشبيه شيء بشيء آخر، وقد إعتمد أحد الشعراء هذا الضرب من التشبيه مبالغة في وصف حبيبته بالشمس رغم اليأس من قربها كما قال:

هي الشمس مسكنها في السماء *** فعز الفؤاد عزاءً جميلاً
فلن تستطيع إليها الصعود *** ولن تستطيع إليك النزولا

ولذلك فكلما أضاف الشاعر أداة للتشبيه يكون الشبه أبعد فإذا قال هي [مثل القمر] أو كالقمر ففي هذه الحالة باعد بين المشبه والمشبه به فإذا جمع أكثر من أداة كان نوع الشبه أبعد كذلك كقولنا [هي كمثل الشمس] هنا نجد أن المسافة أصبحت أكثر بعداً، كقول أوس بن حجر:

ليس كمثل الفتى زهير *** خلق يوازيه في الفضائل

وقد جاء عن العرب إستعمالهم للكاف زيادة في التوكيد كما قال بعضهم [وصاليات ككما يؤثفين].

ومن هنا يظهر أن قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى 11. إجتمعت فيه أكثر من أداة لنفي الشبيه أو المثيل وهذا أبلغ في التباعد بينه تعالى وبين كل ما عداه.

ولذلك فإننا نجد أن أكبر الأخطاء التي وقع بها المشبهة هو إعترافهم أن الله تعالى ليس كمثله شيء ولكنهم أثبتوا له السمع والأبصار بما يناسب حياتنا وحجتهم قوله [وهو السميع البصير]. وهذا قياس مع الفارق لأنه تعالى وإن كان قد وصف نفسه بالسميع البصير فلا يمكن إعتبار تلكما الصفتين كما هو الحال لدى المخلوقات.

والحقيقة إنه تعالى وإن كان متصفاً بالسمع والبصر والقدرة والعلم والحياة وغيرها من صفاته التي ذكرت في القرآن الكريم إلا أن تلك الصفات ترسم لدينا مفهوماً ذهنياً يناسب تصوراتنا التي تلامس الإعتبارات اللفظية التي نستعملها في لغتنا وليس الحقيقة الوجودية لتلك الصفات بواقعها الغيبي الذي لا يمكن الإحاطة به إلا بوجه من الوجوه الإيمانية التي تختلف من شخص لآخر.

لأن الواقع الخارجي لتلك الصفات يعني أن كل واحدة منها هي عين الأخرى وليست متباينة معها فمثلاً مقدرة زيد على قيادة السيارة أفضل من مقدرته على السباحة وهكذا بالنسبة لجميع الممكنات، ولكن علم الله تعالى هو عين سمعه وبصره وذاته وقدرته.... الخ.

ومن هنا يظهر الدليل على أن الله تعالى واحد لا شريك له ولا يماثله شيء من مخلوقاته مهما كان نوع المسميات التي تفرعت على تلك المخلوقات، لذا فلا يمكن للمخلوقات التشابه مع واجب الوجود لا في الذات ولا في الصفات أو الأفعال، فأي نوع من الإعتقاد يفضي بالإنسان إلى الشك بالمماثلة يكون داخلاً في الكفر، وكذلك فإن الصورة التي يتخيلها البعض لله تعالى ماهي إلا أوهام تخرج الإنسان عن حقيقة الدين الذي شرعه الله تعالى عن طريق أنبيائه الذين إجتمعوا على نبذ عبادة الأوثان والتوجه إلى عبادة إله واحد ليس كمثله شيء.

وقد إختلف أصحاب الديانات منذ القدم بهذا الموضوع وكذلك المذاهب والفرق الإسلامية جميعها على إختلاف مللهم ونحلهم إلا ما رحم الله، فمنهم من شبه المخلوق بالخالق بنوع من التوسع ومنهم من أخذ الجانب المعاكس وشبه الخالق بالمخلوق.

فمن أمثلة القسم الأول هو ما وقع فيه أقوام كثر على مر التأريخ، حيث نسبوا للمخلوق علم الغيب والضر والنفع لدرجة أن هذا النوع من التأليه أشرب في قلوبهم حتى إمتدت عبادتهم للأشخاص الذين وقع عليهم الإختيار إلى ما بعد موتهم ومفارقتهم هذه النشأة وقد مثلوا لهم صوراً مختلفة وتماثيل، ومن هنا بدأت عبادة الأوثان لدى الكثير من الأمم حتى أصبحوا لا علم لهم بالخالق نفسه وإنما أصبح المعبود بنظرهم هو الصنم الذي أخذ صفة الوسيط بينهم وبين الله تعالى، إلى أن أصبح التوجه يختص بالأوثان بعد رفع الواسطة التي أعتمدوها بادىء الأمر.

ولذلك كانت دعوات الأنبياء تواجه بالرفض كما حدث مع قوم نوح [عليه السلام] الذين يعتبرون أول الأقوام الذين أشركوا بالله تعالى، ولذلك حين دعاهم نوح إلى عبادة الله كان ردهم هو التمسك بأسماء كبارهم الذين أصبحت لهم هياكل منحوتة تمثلهم كما نقل ذلك القرآن في قوله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) نوح 23.

وهذه الأسماء التي ذكروها هي بالأصل أسماء لأناس كان لهم شأن بينهم ولذلك عملوا لهم تلك التماثيل وشرعوا بعبادتهم، وكذلك الحال مع الأمم التي لحقت بأمة نوح لذا سادت الوثنية والإعتقادات الباطلة مختلف أرجاء الأرض، حتى أن العرب كان لهم الكثير من الآلهة التي يعبدونها أو يتقربون بها وهكذا أصبح الشرك هو المنهج المتبع لديهم، حتى تطورت عبادتهم نحو الظواهر الكونية والملائكة والكواكب وما إلى غير ذلك.

أما في وقتنا الحاضر فقد وجد الإنسان معبودات أخرى من دون الله يقتني الصور الخاصة بهم ويتبعهم في جميع الأوامر التي تصدر عنهم وليس ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق طالما ظل الإنسان مسيراً بيد من يطلق عليهم أولي الأمر، وهذا السنخ من العبادة أكثر وبالاً على الأمة من عبادة الأصنام نفسها.

عبدالله بدر إسكندر المالكي
[email protected]