مجموعة ناشطة من منظمة quot;الشهيد كامل شياعquot; / محلية الرصافة الأولى نظمت فعالية لتوزيع مئات النسخ من بيان موجه إلى quot;أصحاب المطابع الأهليةquot;، طافت المجموعة منطقة البتاوين، شارع السعدون، شارع النضال ومنطقة الكرادة، هذه المناطق المملوءة بمعامل الطباعة والتصحيف وفرز الألوان. كنت أظن أنهم سيوزعون البيان وأنا أغطي فعاليتهم، لكني إذ رأيت المآسي بعيني قررت أن أحوّل الخبر إلى مقال تقريري عسى ولعل ان يحلّ قضيتهم الشائكة، فبعد ان أغلقت هذه المطابع، تحوّل معظمها إلى أماكن مهجورة، لا يسكنها احد، وان تواجد فيها عمال فلا تسمع للمولدات والمكائن صوتا.
كانت مطابع بغداد تعمل صباحا ومساء، تطبع الكتب والصحف، أما اليوم فلا يوجد سوى بعض الصحف والمجلات وبعض الكتب، كان يصول تحت سقفها المئات من العمال والفنيين، أما اليوم وبسبب الإهمال الحكومي لهذا المفصل المهم، فقد أضيفت أعدادهم الكبيرة إلى صفوف البطالة المنتشرة في بلادنا.

انطلقنا من مطبعة quot;إيلافquot; في شارع النضال، هذه المطبعة التي جار عليها الزمن وإهمال الحكومة فصارت شبه مهجورة، ولا يوجد فيها سوى اثنين من العمال، أولهما رجل طاعن والثاني شاب هو ابن صاحب المعمل، وهذا الثاني تحوّل هو الآخر إلى عامل أيضا.
صاحب المطبعة quot;محمد عبد محمد أبو كريمquot; تحدث إلينا قائلا:
ـ هذا العام، أعلنت وزارة التربية مناقصة لطبع الكتب المدرسية، داخل العراق، هذا الأمر أفرحنا جدا، وكانت مدة المناقصة (90) يوما ثم تسلم الكتب إلى مخازن الوزارة. قدمت جميع المطابع الصغيرة والكبيرة، عطاءاتها إلى الوزارة، استغرقت دراسة هذه العطاءات من قبل الوزارة (50) يوما ؟؟، وعندما أعلن عن الشركات الفائزة بالمناقصة، خصمت الوزارة الـ (50) يوما من (90)، فلم يبق سوى (40) يوما لتسليم المواد إلى مخازن الوزارة، وهذه الفترة لا تساوي الا فترة الطبع فقط، من غير فرز الألوان والتغليف والإرسال إلى المخازن. انسحبت معظم الشركات لان الفترة غير كافية. بعض الشركات دخلت هذه اللعبة، فخسرت الكثير بسبب تجاوزها الـ (40) يوما، ترى من فعل هذا؟
وأصارحك القول بأني دائم التفكير في إغلاق مطبعتي التي هجرها العمال.

بعدها انتقلنا إلى منطقة quot;البتاوينquot; حيث كثرة المطابع، فشاهدنا إحدى المطابع الكبيرة مغلقة، اسمها quot;باءquot;، وقد سألنا احد الجالسين قربها عن سبب الإغلاق، فقال لنا:
ـ كان يعمل في هذه المطبعة أكثر من 15 عاملا، كانوا يديرونها، أما اليوم فقد رحل عنها أهلها قبل سنة أو أكثر، توجد، داخل هذا المعمل، أكثر من 5 مكائن ضخمة، ولا احد من أصحاب هذه الشركة نراه هنا، البعض يقول أنهم راحوا يبحثون عن رزق جديد، وآخرون يقولون انهم هاجروا ليستثمروا أموالهم خارج الوطن، والسبب يشكو منه أرباب العمل والعمال.
إما مطبعة quot;الشواهقquot; فلها قصة حزينة، حكتها لنا مكائن المعمل المركونة، والحيطان أيضا فضلا عن العمال أو الأصح العاملين لأنهما اثنان فقط، هما quot;محمدquot; وquot;منافquot;، وقال مناف:
ـ هذه المطبعة توقفت عن العمل منذ أكثر من 6 أشهر، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وقلة الدعم الحكومي للمطابع الأهلية، ناهيك عن طبع كل شيء خارج العراق من قبل الوزارات والهيئات، ما أثر علينا، لاسيما في هذه الظروف الصعبة. كنا (10) عمال، أما اليوم فقد قلص عددنا إلى (4) لكل أسبوعين عاملان، مع نقصان في الرواتب، حيث نستلم الآن ( 150) ألف دينار لكل واحد خلال أسبوعين، فيما كنا نستلم ضعف هذا !!! لماذا؟، أتريد الحكومة ان تحولنا إلى إرهابيين.
ثم بكى quot;منافquot;. فغادرنا أحزان مناف، وانتقلنا إلى quot;دار المغربquot; للطباعة والنشر، وهي مطبعة كبيرة جدا، ومكائنها حديثة، ولديها كادر كبير.
عن أسباب تراجع هذه المهنة وهجرة أرباب العمل منها، تحدث إلينا مديرها quot;عباس قاسمquot; قائلا:
ـ أنا لا ألوم وزارة التربية فقط، بل أوجه اللوم أيضا إلى وزارة الصناعة والمعادن التي عليها ان تقدم كافة خدماتها إلى المطابع، حالها حال أقرانها في البلدان الأخرى، فوزارة الصناعة لم تستورد موادا أولية ولا مكائن حديثة، لذا من الطبيعي ان يلجأ أي شخص أو مؤسسة أو وزارة إلى الخارج لطبع الكتب، والسبب الثاني فهناك التواطؤات والفساد،.اي مطبعة أخرى في إقليم كردستان وخلال ثلاث سنوات فقط خصصت لي حكومة الإقليم أرضا كبيرة لبناء مطبعة أخرى كبيرة وفي أفضل الأماكن من اربيل، لماذا لا نجاري أشقاءنا، كما أطالب الحكومة وبخاصة وزارة المالية ان تصرف لنا القروض الميسرة من المصرف الصناعي، وأن تخصص قطع أراض من اجل إنشاء مطابع كبيرة تضاهي المطابع الأخرى في كردستان والجوار.
ثم ابتعدنا قليلا إلى مطبعة quot;الشعبquot;، فقال لنا صاحبها quot;بركات البحرانيquot;: أنا أوجه لومي لوزارة النفط التي لا توفر لنا حصة جيدة من مادة quot;الكازquot;. هذا quot;الكازquot; الذي أصبح شريكي ويناصفني أرباحي، إذ دائما نشتري من السوق السوداء بسبب الطوابير الطويلة، والحصة القليلة التي لا تكفي الا أياما عدة، ثم المعاملة غير الجيدة من قبل موظفي المحطات والفساد المستشري فيها.

أما مطابع quot;الجنوبquot; وquot;الحسامquot; وquot;الوسامquot; فهي مجموعة متلاصقة، ويملكها جميعا السيد quot;حسامquot; الذي تحدث لنا عن قصة توقف مطابعه، قائلا:
ـ آخر مطبوعة دخلت هنا كانت قبل سنوات، وأذكر أنها كانت كتابا لأحد كتابنا العراقيين، وبعدها لم يدخل أي شيء هنا. لقد اشترينا هذه المكائن الحديثة بمبالغ كبيرة جدا من اجل خدمة البلد وأيضا لكي أعيش حياة سعيدة، فما عدت أخدم بلدي ولا تمكنت من العيش السعيد.
لان الآن يعمل لديّ ( 4 ) عمال فقط، اثنان منهم صباحا والآخران في المساء ومن أجل الحراسة فقط ، بينما كان العمال هنا عددهم (50) وأكثر، لقد تحوّلت المكائن إلى كومة خردة غلب عليها (الزنجار)، وبدأت تتآكل شيئا فشيئا، كنا فيما مضى نستلم قروضا ميسرة، وكنا نشتري المواد الأولية بأسعار تشجيعية من الحكومة، لكن اليوم اختلف كل شيء، الحكومة تبيع لنا المواد الأولية وبأسعار باهظة وتشتري منا الإنتاج بأسعار منخفضة.

توجهنا إلى مقر رابطة quot;أصحاب المطابع العراقيةquot; التي تأسست عام 2008، وبعد عرضنا للمعاناة والشلل الذي أصاب هذه الدور التي تضخ النور والعلم والحياة، قال لنا النائب الثاني للرابطة السيد quot;فاروق عبد الواحدquot;:
ـ نحن، في الحقيقة، أسسنا الرابطة على أساس الدفاع عن كل ماهو غير مقبول بالنسبة للمطابع العراقية. ففي زمن الديكتاتور، كانت وزارة التربية تزود جميع المطابع بالكتب وبالتساوي وحسب العطاء الاوطأ كلفة، لكن المشكلة بعد التغيير أي بعد 2003 أصبحت كبيرة، فتحركنا نحو أعضاء البرلمان، ونظمنا بعض التظاهرات، وطلبنا ان يكون الطبع في العراق حصرا وليس في الخارج، وطلبنا من مجلس النواب، أيضا، تطبيق قراره الخاص حول منع طبع وتوزيع الكتب المدرسية خارج البلد، لكن التفاف مجموعة من المستفيدين على القرار حوّله إلى quot;إشعارquot; !! من فعل هذا؟.. لانعرف.
والتعقيد الأكبر جاء من وزارة المالية التي قررت إعطاء قروض للمطابع الكبيرة والصغيرة من (50 إلى 250 ) ألف دولار وحسب الطاقة الإنتاجية، لكن هنالك من التف على القرار بوضع فوائد اكبر من المبلغ. ثم أضيفت إلينا مشكلة أخرى، وهي الضريبة التي أثقلت كواهلنا بحيث أضيفت مطابعنا من quot;الصناعات الورقيةquot; إلى معامل quot;الطابوق والبلوكquot;، فقفز الرسم الضريبي من (9ِ%) إلى (15%) دون معرفة الأسباب، بل هي معروفة.
هذا وبعد دورة نشاط استمرت لساعتين في طرق أبواب المطابع البغدادية العريقة، أعلنت هذه المطابع والتي كانت محطات لفعاليتنا الشيوعية تأييدها لكل ما ورد في بيان الحزب الشيوعي العراقي/ محلية الرصافة الأولى، وأعرب أصحابها وعمالها عن تثمينهم لهذه المبادرة. كما أعربت رابطة quot;أصحاب المطابع العراقيةquot; عن موافقتها على كل ما ورد في البيان، وقال أعضاء مجلس إدارتها إنهم يشدون على أيدي الشيوعيين في نضالهم من اجل الطبقة العاملة وحقوقها، وما هذه المبادرة بغريبة على الشيوعيين، كما أبدوا استعدادهم المشاركة في أية تظاهرات أو اعتصامات أو احتجاجات ينظمها الحزب حول معاناة المطابع.

وجاء في نصّ quot;بيانquot;اصدرتهمنظمة quot;الشهيد كامل شياعquot;،ووزع في الفعالية (منطقة الرضافة الأولى: بغداد):
quot;إلى أصحاب و عمال المطابع الأهلية
لا يخفى عليكم ما تتعرض له صناعتنا الوطنية من تهميش ورفع للدعم ووضعها في منافسة غير عادلة إمام المنتجات الأجنبية، من خلال فتح الحدود على مصراعيها دون ضوابط، مما سبب توقف المئات من معاملنا الإنتاجية، وضخ آلاف العمال إلى سوق البطالة.
ان الاستمرار على هذا النهج لن يؤدي سوى إلى تشويه اقتصادنا الوطني وجعله وحيد الجانب، معتمدا على تصدير النفط، وتابعا لاقتصاد سوق واحتكارات الدول الرأسمالية الكبرى.
إننا إذ ندرك خطورة الاستمرار في هذا النهج الذي يؤدي إلى نتائج تدميرية، نلتمس فيكم، وكما عهدناكم، الروح الوطنية، الأمر الذي يتطلب التضامن والاتحاد في الضغط على أصحاب القرار لتبني نهج واضح يدعم صناعتنا الوطنية عموما وبما يوفر لها مستلزمات تطورها، وندعوكم يا أصحاب المطابع الأهلية إلى التحرك نحو فرض الإرادة الوطنية الهادفة.
فمن أجل تفعيل مطابعكم، مصدر رزقكم وأرزاق عوائل آلاف العمال العاملين في هذا القطاع الحيوي، ندعو من اجل تحقيق المطالب التالية:
تفعيل قرار مجلس النواب بمنع طبع الكتب المدرسية خارج العراق، وإيقاف محاولات الالتفاف عليه.
توفير المواد الأولية الداخلة في الطباعة (ورق، أحبار، مواد طباعية) بأسعار مدعومة كما معمول به في بعض دول الجوار، الأمر الذي سبب التوجه للطبع في تلك الدول لقلة كلفتها.
ضمان حصول المطابع الأهلية على الطاقة الكهربائية، وجعل القطع المبرمج بعد الدوام الرسمي، وشمولهم بالمحروقات.
تقديم قروض مجزية، وبفوائد مخفضة، ولآماد طويلة، من اجل تحديث مكائنها وتطويرها.
توزيع قطع أراضي صناعية، وتوفير بناها التحتية.
استثناء قطاع المطابع الأهلية والصناعات الوطنية من قانون الإيجار النافذ وعدم النظر بدعاوى الإخلاء.
تخفيف الأعباء الضريبية، وتطبيق سياسة ضريبية تشجيعية.quot;

مقداد حسن/ من بغداد