في الوقت الذي تعيش فيه المرأة العربية وضعية quot;البهيمة،quot; حيث يتم استبدالها بالزوجة الثانية و الثالثة و الرابعة بنفس السهولة التي يستبدل بها الواحد منا جزمة حذائه، و يتم تطليقها بــquot;الثلاثquot; دون رادع أو رقيب، جاءت المفاجأة السارة من خلال حملة quot;المساواة في الإرثquot; التي أطلقتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات لتعيد بصيصا من الأمل إلى وضع حالك السواد.
لا نعتقد أن هذه الحملة جاءت عن طريق الصدفة، إذ انطلقت بمناسبة الذكري الــ 50 لمجلة الأحوال الشخصية، التي أصدرها الزعيم التونسي الخالد ndash; باني الدولة التونسية الحديثة ndash; الحبيب بورقيبة في 13 أوت 1956، و التي quot;ألغت تعدد الزوجات والطلاق الأحادي و واجب الطاعة على الزوجة وأقرت الاشتراك في الأموال وغيرها من الأحكام التقدمية في شتّى الميادين... و شكّلت مكسبا هامّا وأدوات تحرّر للنساء والمجتمع في تونس وأسّست لعلاقات جديدة بين الأفرادquot; كما ورد في بيان الجمعية.
و رغم أن الحملة جاءت كتتويج لعمل طويل المدى بدأته quot;النساء الديمقراطياتquot; منذ سنة 1990 بالمطالبة بإلغاء التحفظات على مواد اتفاقية كوبنهاجن المناهضة لكافة أنواع التمييز ضد المرأة، بما في ذلك التمييز في الإرث، فالأكيد أيضا ان الحداثة التي تعززت في تونس على مدى العقود الخمسة الماضية قد وفرت التربة الخصبة التي مكنت الجمعية النسوية من التطرق إلى هذا الموضوع الحساس، الذي يعتبر مجرد ذكره من المحرمات في معظم الدول العربية و الإسلامية الأخرى.
انطلقت الحملة بصفة رسمية سنة 2000، و لمزيد الجدوى توسعت منذ البداية باتجاه الجمعيات والأحزاب والبرلمان ولجنة المرأة العاملة بالإتحاد العام التونسي للشغل، كما عقد لقاء بتاريخ 16 مارس 2007 بمقر حزب الوحدة الشعبية بعنوان quot;المساواة في الإرث بين التحسين و التشريعquot;. و تم العمل مع الجمعية التونسية للبحث حول التنمية، مما أسفر عن نشر كتاب تحت عنوان quot;المساواة في الإرث من اجل تكريس مواطنة كاملةquot; تبعه إصدار آخر بعنوان quot;15 برهانا دفاعا عن المساواة في الإرث بين النساء والرجالquot;.
و حققت العريضة التي أعدتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات و التي تنادي بفتح الحوار حول المسالة وإقرار المساواة في الإرث نجاحا كبيرا اذ تم توقيعها من طرف أكثر من ألف مواطنة ومواطن تونسي، و هو ما يبرهن على مدى التصدي الاجتماعي لهذا التمييز الفاضح ضد المرأة.
ثم ما لبثت أن دخلت السينما التونسية على الخط من خلال إخراج كلثوم برناز لفيلم quot;نصف محبةquot; الذي تطرق لمسالة التمييز في الإرث، و قد استوحت المخرجة موضوع القصة من خلال النجاح الذي لاقته عريضة quot;المساواة في الإرثquot; لدى عديد الأوساط التقدمية في تونس كما صرحت المخرجة بذلك.
و انطلق العمل نحو الإقليمية لتحقيق quot;ما تسعى له النساء في المغرب والجزائر والمنطقة العربية لرفع التحفظات على اتفاقية القضاء على كلّ مظاهر التمييزquot;، و ذلك بتنظيم ندوة مغاربية عن المساواة في الإرث بدعم من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي جمع ناشطات من تونس و المغرب و الجزائر و موريتانيا.
لقد تحقق كل هذا خلال سنوات قليلة نسبيا بفضل الدعم الذي تلقاه مطالب المرأة بصفة عامة في الأوساط السياسية و النقابية و النخب المثقفة في تونس، خصوصا مع الانحسار الكبير الذي شهدته قوى فقه التخلف ممثلة في حركة quot;النهضةquot; الأصولية التي خصصت أول مؤتمر صحفي للإعلان عن تأسيسها في العام 1986 لانتقاد مجلة الأحوال الشخصية (بند إلغاء تعدد الزوجات أساسا)، و هي القوى التي انتهى أمرها في البلاد التونسية اثر اتهام بعض أعضائها بالإرهاب في عملية حرق حارس مقر الحزب الحاكم الشهيرة بباب سويقة و هروب مؤسسها و شيخها مدى الحياة راشد الغنوشي للإقامة بالخارج. على الأساس نعتقد أن التوجه المقبل لحملة المساواة في الإرث يجب أن يكون باتجاه المشرق، حيث أدى تغول الحركات الأصولية التي تتاجر بالدين الى سد كافة المنافذ امام إقرار الحقوق الآدمية للمرأة بدءا بإلغاء تعدد الزوجات الخبيث.
أبو خولة
التعليقات