يقول المفكر البرازيلي باولو فريرlsquo;إن القاهر لا يستهدف في علاقته مع الآخرين سوى هزيمتهم بكل الوسائل المتاحة lsquo;العنيفة والمهذبةlsquo; القامعة والأبوية.
و على ضوء هذه القاعدة يمكن النظر إلى تعامل النظام الإيراني مع الشعوب والقوميات غير الفارسية عامة lsquo; ومع الشعب العربي الأحوازي خاصة. فالشعب الأحوازي يعاني في ظل الهيمنة الكاملة التي تمارسها السلطة الإيرانية ضده أشد أنواع القهر والاضطهاد ومنها الاضطهاد الثقافي تحديدا وذلك بغية التأثير على النمو والتطور الطبيعي والاستقرار النفسي للأجيال الأحوازية الناشئة قبل غيرها lsquo; حيث استخدمت السلطات الإيرانية هذه الأساليب بإتقان وبراعة بغية تشويه شخصية الفرد الأحوازي وإلغاء هويته العربية. ومن ضمن هذه الممارساتlsquo; إصدار سلسلة من القوانين والإجراءات ضد العرب اتصفت بالتمييز العنصري والتعسف في كافة المجالاتlsquo; الثقافية و لاقتصادية والسياسية والاجتماعيةlsquo; وقد كان الطفل العربي الأحوازي ومازال هو الضحية الأولى لهذه الممارسات العنصرية.
هذا المسعى الدءوب من قبل السلطات الإيرانية طوال الثلاثة والثمانون عاما الماضية من عمر اغتصاب الأحواز قد فعل فعله في البنية النفسية والثقافية في حياة الطفولة الأحوازية أكثر من غيره من الشرائح المجتمعية الأخرى lsquo; فمن الناحية الثقافية فقد مارست السلطات الإيرانية سياسية تمييز عنصري بشعة عندما فرضت التعليم باللغة الفارسية ومنعت الطفل الأحوازي من حق التعلم بلغة الأم وهي اللغة العربية وذلك بهدف تكريس اللغة والثقافية الفارسية وترسيخها في ذهن الطفل الأحوازي وتشويه وعيه وجعله ينظر إلى اللغة والثقافة الفارسية على أنها لغة العلم والتمدن والتحضر مقابل النظر إلى اللغة العربية على أنها مجرد لغة التحاكي في البيت والشارع وهي رمز للتخلف وعنوان للبداوة والى ما ذلك من السموم التي تبثها في عقل الطفل العربي منذ المرحلة الدراسية الأولى وحتى نهايتها.
هذا في جانب التدجين lsquo;أما في جوانب التجهيل والتهميش فإن سلطات الجمهورية الإيرانية قد اتخذت إجراءات أكثر سوء من سابقاتها بهذا الشأنlsquo; فبما أن غالبية العرب يعيشون في القرى والأرياف وعدد الطلاب في كل قرية أحيانا لا يكـفي لفتح مدرسة لكل قرية على حده من وجهة نظر السلطات lsquo; لهذا فقد قامت بفتح مدرسة واحدة لعدة قرى متباعدة يتم التواصل بينهما بصعوبة نظرا لوعورة الطرق وانعدام وسائل النقلlsquo; لذلك كانت هذه الصعوبات احد أهم العوائق التي تقف حائلا بوجه الأطفال وتمنعهم من الذهاب إلى المدرسةlsquo; و إن وجدت مدرسة ما في قرية من القرى فإنها تعاني من الإهمال والنقص الشديد في العديد من الضروريات حيث أن معظم المدارس في القرى و الأرياف مبنية من اكواخ طينية وخيام وكثيرا ما تكون من دون دورات مياه علاوة على فقدانها المياه أصلا وبعضها بدون نوافذ كما إن بعضها يفتقد الإنارة لعدم وجود الكهرباء في العديد من القرى الأحوازية lsquo;كما أن مستوى التعليم في تلك المدارس يتم بطرق جافة قساوة شديدة من قبل المعلمين الفرس ناهيك عن نقصان الكادر التعليمي في اغلب المدارسlsquo; سواء في المدن أو القرىlsquo; مما يضطر الطلاب إلى ترك المدرسة في مرحلة مبكرة وهذا ما تشجع عليه السلطات الإيرانية ليتحول الأطفال إلى أميين ومن ثم يذهبون لممارسة الأعمال الخدماتية المتدنية في المدن وبهذا يكون الطفل العربي قد جـّهل وحـُرم من حق التعليم الذي هو جزء من منظومة حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 من كانون الأول عام 1979م والتي نصت على أن يكون للطفل الحق في الاهتمام والحب والتفاهم والتغذية الصحية والعناية الطبية والتعليم المجاني والفرصة الكاملة في اللعب والرياضةlsquo; هذا بالإضافة إلى حمل الاسم والقومية والعناية الخاصة إذا كان معوقا lsquo; والأفضلية له في تقديم العون في أوقات الأزمات والكوارث lsquo; و يتعلم ليكون عنصراً نافعا في المجتمع وتطوير قابليتهlsquo; وأن تتم التربية والعناية في ظل السلام والأخوة العالمية والتمتع بكافة الحقوق بصرف النظر عن العرق واللون والجنس والدين والمنشأ القومي والاجتماعي.
كما ان سياسة التجهيل و التدجين التي تمارسها السلطات الإيرانية بفرضها اللغة الفارسية على الطلبة الأحوازيين وغيرهم من أبناء القوميات والشعوب غير الفارسية في إيران وحرمانهم من التعلم بلغتهمlsquo; لغة الأم lsquo; تتعارض مع قرار منظمة اليونيسكو الصادر في يوم الأربعاء 21 فبراير من عام 1999م والذي سمي بـquot;اليوم العالمي للغة الأمquot; و الداعي إلى الدفاع عن التنوع الثقافي وتعدد اللغات والذي وقعت عليه إيران كونها عضوا في منظمة اليونيسكو.
ان سياسة التمييز في الجانب التعليمي والثقافي قد جعلت الطفولة في الأحواز وسائر مناطق الشعوب والقوميات غير الفارسية في إيران تعيش محرومة من هذا الحق الذي أقرته شرائع السماوات والأرضlsquo; و ذلك بدعوى توحيد اللغة والثقافة من اجل الحفاظ على وحدة البلاد lsquo; وهذا النهج العنصري كان قد خطه نظام البهلوي في عشرينيات القرن الماضي و ورثه نظام الخميني وطبقه بكل وسائل العنف والإكراه.
لذا نقول إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصبح إنسانا إلا بالتربيةlsquo; كما يقول عمو نوئيل كانت lsquo; فإن التربية العنيفة والأبوية القامعة التي تمارسها السلطات الإيرانية كان من نتائجها حرمان الطفولة الأحوازية من ممارسة حقها في التعلم بلغة الأم lsquo; لغة القرآن الكريم الذي يزعم النظام الإيراني انه يطبق تعاليمه! lsquo;بهدف دفعها نحو التدجين والتهميش والتجهيل.
صباح الموسوي
كاتب احوازي
التعليقات