*كركوك مدينة إختفتْ منها كلّ روائح الحياة بإستثناء رائحة النفط (المدينة المنفّطة)

أظنّه ليس دائما السكوت حالة صحيّة وثمّةَ أشياء توجع القلب، وأخرى لايستطيع المرء السكوت عليها، وأقولها صدقاً، في هذه المقالة أودّ أن أسلط الضوء على بعض النقاط الحساسة جدّا لها صلة بجغرافية الخارطة الفكرية والسياسية في العراقً، لالتأجيج المشاعر ضدّ ثلّة من المجتمع العراقي المكتظ بالهموم والجراج، لذا آمل ألأّ يُحمل على هذه المقالة على أنها تحريضيّة بل على العكس أروم من خلالها تثبيت بعض النقاط خدمة للوطن العراق.


في معرض زيارتي لكردستان العراق، فرحت كثيرا لأبنائنا الكورد بالأمن والإزدهار والعمران والنظام والنظافة، ولم يأتِ كلّ هذا من فراغ، إنّما من تجربة مُرّةٍ ومُعاناة حقيقية وجهاد دؤوب لمُعانقة الحريّة.
وأنا دائما أؤكّد أنّ الجور والظلم الذي وقع على شمال العراق يوازي الجور والظلم الذي وقع على جنوب العراق المصلوب، هذا لو إستثنينا (الطامّة الكبرى) والجريمة الكونية التي تعدّ عارا على جبين الإنسانية للأبد (طامّة حلبجة الكُبرى).


لكنّ الذي أثار حفيظتي لكتابة هذه السطور هو تصريح السيد رئيس أقليم كرستان مسعود البرزاني حينما قال بلغة مليئة بالإستنكار والإستخفاف أيضا: ( إنّهم يريدون أنْ تكون أربيل محافظة تابعة لبغداد)، أنا أفهم من هذا الكلام أن أربيل لم تعُد محافظة تابعة لبغداد العاصمة، وربّما لم تعُد عراقية أيضاً، لا أريد أن يُفهم من كلامي هذا أنّني ضدّ إستقلالية كردستان العراق، ولافرق عندي بين المسميات سواء أكانت جمهورية كردستان أو دولة كردستان أو أقليم كردستان العراق شريطة أنْ تُحترم فيها حقوق الإنسان، إذ إنّ لهذه المقولة مفاهيم شتّى لكن كلها تقود إلى نهلية واحدة وهي إستقلالية كردستان، أو دولة كردستان الشبة مستقلة ولو كانت لديها موارد نفطية تغطّي مصروفاتها لسمعنا اليوم بولادة دولة جديدة على خارطة العالم وأؤكد مرارا وتكرارا أنا( مع )وليس ضدّ إقامة دولة كردستان الكبرى أو الصغرى.


ومن خلال زيارتي أيضا فوجئت ببعض الصور واللافتات المعلقة والمكتوبة عليها باللغة الكردية (كه ركوك دلي كوردوستاني يه) بمعنى كركوك قلب كُردستان، حينما يصبح المطالبة بضّم وإلحاق كركوك إلى أقليم كردستان العراق شعارا يعلّق على الجدران وفي الأزقّة والدوائر، هذا يعني أنّ حكومة أقليم كردستان عازمة أن تضّم محافظة كركوك إليها في كلّ الأحوال، وأنا هنا أؤكد تارة أخرى أنّني لستُ ضدّ فكرة إنضمام كركوك إلى أقليم كردستان العراق، بل إنّني لستُ ضدّ أن ينضمّ العراق بأسره تحت لواء وراية كردستان العراق، وليُسمى العراق بأسره من الجنوب المصلوب إلى صحارى الرمادي ومرورا ببغداد العاصمة ب [ جمهورية الكوردوعرب ]فيما لو كان هذا يساهم في الحفاظ على دماء العراق التي تُراق يوميّا على أيدي الأسافل الأراذل المجرمين، وفيما لو كان هذا يساهم في رفع الأسى والجور الذي لَحقَ بعراق الأرامل وعراق اليتامى، وفيما لو كان هذا يساهم في الترفّع من الشعور بالنقصّ ليكون ذيلا وتابعا إلى دول الجوار، مثلما يحدث الآن في الجنوب من قِبل بعض الأحزاب الشيعية، ومثلما يحدث في المناطق الغربية من قِبل بعض الأحزاب السنية، وفيما لو كان يمنع من وقوع الإحتراب الداخلي بين الطوائف العراقية.


وهنا أريد أن أؤكد على بعض النقاط المهة حرصا على الوطن العراق، وخوفا من إنجرار العراق إلى الإحتراب الداخلي، خوفا من زيادة الجهل لعراق الثقافات عراق الجواهري والسياب والبياتي، خوفا من ولادة جمهورية جديدة تسمى جمهورية الأرامل ووطن اليتامى، وهذه النقاط التي أودّ الإشارة لها تتعلق بكركوك:


أوّلا: خارطة الفكر العراقي لايقبل مطلقا بضمّ كركوك إلى أقليم كردستان العراق، وحتّى لو حصل هذا الآن بفعل عصا الأكراد الغليظة أمام هشاشة وضعف عصا حكومة بغداد المركزية التي تترنح لحدّهذه اللحظة بفعل التَرِكات الثقيلة التي ورثتها من النظام البائد فضلا عن حالة الفوضى التي صاحبت دخول الأمريكان خاصةً بعد تفكيك المؤسسات الأمنية والنهب والسلب والقتل العشوائي وما إلى ذلك ممّا ساهم في تدمير البنية التحتية للبلد، أقولها مرّةً أخرى حتّى لو حصل بضمّ كركوك المحافظة إلى عاصمتها الجديدة أربيل، فهذه سوف تكون الخطوة الأولى لبداية حرب حقيقيّة بين جمهورية كردستان وبين جمهورية العراق، والنتيجة معروفة هو زيادة جمهورية الأرامل بأربعة ملايين أخرى، وحينها يحقّ لهنّ بتأسيس إمبراطورية جديدة تسمّى إمبراطورية الأرامل قوامها ثمانية مليون أرملة والبقايا أيتام.


ثانيّاً: بعد زيارتي لمحافظة كركوك الفقيرة الفقيرة، التي تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة والغنيّة بالبترول، وإذا حلّقْتَ فوق مدينة كركوك في الليل سترى ألسنة النار تتصاعد من أعمدة حقول النفط كما لو أنّها تشير إلى جحيم الحياة في مدينة إختفت منها كلّ العطور والروائح بإستثناء رائحة النفط، بعد الإطلاع عن كثب ومناقشة بعض الأطراف التي تنظر إلى المصلحة العامة وجدتُ أنّ أفضل السبل هو أنْ تصبح كركوك أقليما لوحدها ويتقاسم السلطة فيها أهلُها كما أنّه من الواجب أنْ ينعم أهل هذه المدينة بخيراتها بتخصيص نسبة لا تقل 25% من واردات النفط للنهوض بالواقع المعيشي والخدمي للمدينة وبناء المؤسسات العلمية والتربوية بصيغة تليق بالمحافظة ومكانتها الجغرافية والتأريخية، هذا وآمل من المسؤولين الذين يتصدون للخارطة السياسية في العراق أنْ يضعوا حلولا واقعية ونهائية حتى ينقطع السبيل أمام المغرضين الذين يسعون لِبثّ الفتنة والفرفة بين مكونات الشعب العراقي الذي لايكتمل إلاّ بجمالية مكوناته مثلما جغرافية العراق لاتكتمل إلاّ بجمالية أهوارها وجبالها وعتباتها المقّدسة.

حسن النصّار
شاعر وباحث عراقي

[email protected]