شهدت الجلسة الختامية لاعمال منتدى الاعلام العربي أمس حفلة quot;ردح إعلاميquot; لا يخلو من quot;المدحquot; وquot;القدحquot; المتبادل في آن معًا لقطبين رئيسيين في الاعلام الفضائي العربي وهما قناتا quot;الجزيرةquot; وquot;العربيةquot;.
كيف لا و نجوم الحفلة هم محترفو quot;السجالاتquot; وquot;صنّاع الأخبارquot;! الجلسة التي تناولت الجوانب المهنية في عملية تغطية الحرب الأخيرة على غزة وكيفية تعاطي وسائل الاعلام معها والمصطلحات التي استخدمتها كل فضائية عكست انقسامات السياسة العربية بكل شروخها ومضامينها، فيما كان الجمهور الحاضر يصفق للاثنين معًا بشكل حول القاعة الى مهرجان خطابي بامتياز.

كلها من رحم اليأس ولدت!

لا أريد من عرض هذه الصورة ان أدين فريقا أو أحلل أداء أو أتخذ موقفا أو حتى أوصف معايير إعلامية فهذه ليست مهمتي ولا هدفي، ما يهمني هو قراءة quot;مسرحية الردح quot; هذه ببعدها الفكري وعمقها الانساني الذي يتجاوز شكليات الخطاب والموضوع واسماء الفضائيات بعينها.

صورة الاعلام العربي كله تقريبا تعكس صورة quot;إعلام الجدارquot; كون هذه الوسائل منحت نفسها ndash; بشكل واع او غير واع- حق مصادرة الحقائق واطلاق الاحكام وتخوين الافراد والمجتمعات واعلان النتائج وهي فوق كل ذلك تدعيّ quot;المهنية والحرفية quot;، وهي وان اختلفت أشكالها و تمايزت صورها وأهدافها وتنافرت مصطلحاتها السياسية المستخدمة إلا انها جميعها ولدت من رحم اليأس والاستسلام وتعمل على تكريس الذهنية الانفعالية وتسطيح الكائن الانساني، وأمست الشاشة مستوعب نفايات فكرية ولاعبًا رئيسيا في تكريس العنف، وتحول دورها من أداة فاعلة في الحوار بين الثقافات، إلى أداة تفتيت مدمرة تغذي العصبيات والعنصرية و المذهبية والعرقية حتى ضمن الشعب الواحد!

وهنا أسجلّ بعض النقاط الذي لابد منها :
bull;اولا : معظم الفضائيات تمارس من خلال أخبارها عقلا مركزيّا تكرست عوامله الوجودية والإجرائية بفعل انحسار عوامل ثقافة النهضة على حساب ثقافة الشك بالآخر التي تلقى رواجًا كبيرًا في زمن الانكفاء على الهوية.
bull;ثانيا : معظم الفضائيات العربية إن لم نقل كلّها تخضع لأجندات سياسية (وليس في هذا انتقاص او تجني او اتهام.. ) وكلّها في الممارسة الانتقائية سواء.
bull;ثالثًا: معظم الفضائيات تعمل على العزف على وتيرة quot; الانفعال quot; وتتعاطى مع المستوى الادنى من مكونات التركيبة الانسانية فهي لا تخاطب العقل المفكر بقدر ما تتوجه الى quot;الانفعال الشعبوي quot; وquot;الغرائز السلطوية quot; وquot;الرغبات السياسية quot;
bull;رابعا : تُعد مسألة صورة quot;الذاكرة الحضارية quot; في الاعلام هي الحلقة الأكثر أهمية ففيما تعمد بعض وسائل الاعلام على quot;استجلاب المصطلحات الحضاريةquot; مسخرّة اياها في أحداث حاضرة مكرسّة بذلك quot;استمرارية الماضي quot;، تعمل وسائل اعلامية اخرى على استبعاد quot;الذاكرة التاريخية quot; إن لم نقل محوها متجنّبة quot;المصطلحات اللاهوتية كونها مثقلة بالجراح وتحمل عبئا ايديولوجيًّا لا يمكن الفكاك منه بحال من الأحوال.
bull;خامسًا : فخ المقارنة بين التبعية والنرجسية : لقد اعتاد روّاد العمل الاعلامي بشكل دائم على مقارنة مضامين فضائياتنا واعلامنا العربي بفضائيات الآخرين، مما أوقعهم في فخ quot;دونية قاتلة quot; أو quot;نرجسية مرضية quot; بحيث استنسخ بعضهم نشرات الاخبار الاجنبية والمصطلحات وأولويات عرض الاحداث متخذًا من عمل الآخرين نموذجًا مقدسًا، فيما عمد البعض الآخر الى تثبيت quot;نرجسية مدمرةquot; تكرس ذاتا منكفئة على نفسها. والصورتين سبّبتهما عملية المقارنة بالاخر التي نحن بغنى عنها أصلا !
bull;سادسا : إن سمات الاعلام العربي اليوم تتميز بالاستعراض على حساب الموضوعية، والردح على حساب النقاش، والتخوين على حساب حق التنوع والتعدد، والتضخييم والتهويل على حساب التقييم والنقد، والاتهامات والشتائم بدل الدلائل ؛ هذه السمات منبعها احتقار الانسان وحقه في الاختلاف تحت شعار حريّة الذات احيانا، في حين ان التعاقد الاعلامي الديموقراطي الحر يفترض ان الحرية ليست مسؤولية تجاه أحد ما، بل هي مسؤولة بحد ذاتها.


أخيرًا، هل الاعلام رسالة انسانية؟
إن الاعلام لا يمكن ان توصف رسالته بالإنسانية، مالم يكن الانسان فيه حرّا متساميًّا خارجًا عن توترات وازمات التناقض والصراعات، بحيث لا يكون نتاجًا رخيصًا لضلالات الامراء والحكام ورجال الدين ولتفاهات المتحاربين، وليس الباحث عن تفوق ذاتي أنوي....
فهل هذا الطرح مجرد quot;كلام بكلام quot;؟؟ ربما يكون حلما ومن حقنا أن نحلم !
إنه بكل بساطة خطوة نحو quot;انسان حرّquot; و quot;اعلام حرquot; ينتمي لكون يشع سلامًا!
وان أول الحكمة أن نعي quot;انسانيتناquot;! كي لا يبقى إعلامنا وقود تاريخ من نار ودخان !

مروة كريدية

[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com