کثيرة الادلة و الشواهد على إستغلال الاعداء و المناوئين لمسألة الاختلاف الفقهي بين الطوائف الاسلامية و توظيفها لخدمة أهداف و مآرب خبيثة و مبيتة، وفي نفس الوقت فإن الادلة أکثر على سرعة إنطلاء هکذا لعبات قذرة على عوام الناس و کيف أنهم إنجرفوا في قضية لم تقدم شيئا إيجابيا لواقعهم اليومي و الحياتي بقدر ما ساهمت في إضفاء المزيد من الازمات و المشاکل المستعصية بمخلتف أنواعها للشرائح المختلفة من المجتمع سيما الطبقات المسحوقة منها.


ولو ألقينا نظرة سريعة على مسار الاحداث التأريخية لوجدنا أن قوة و عمق الدافع الطائفي لتحريك و توجيه و تأليب الناس و کذلك إيصال الامور الى حافة الازمة المستعصية الحل وصولا الى إرباك و تأزيم الوضع العام، وفي کل مرة کانت الخدعة تنطلي على العامة و لاتنتهي الاحداث المؤسفة إلا بعد أن تأتي أکلها! وهنا لسنا في صدد التعرض لشکل و مضمون الاختلافات الفقهية و إصدار الآراء بحقها، ذلك أننا نرى أن للمسألة جذورا تأريخية عميقة جدا قد لايکون إطلاقا من الهين الوصول الى رأي محکم و صائب يرضي جميع الاطراف وعليه فإن السعي لتناول قضية الاختلافات بين أبناء الامة الاسلامية من زاوية أخرى تتناسب و عصرنا هذا و من الممکن أيضا توظيفها في بسياق يخدم مصلحة الامة العربية و أمنها القومي. اننا نرى أن الاختلاف وإن کان في العديد من الحالات مضرا و سيئا و يؤثر سلبا على الامة فإنه في نفس الوقت قد يکون مفيدا و فيه العديد من الابعاد الإيجابية التي تخدم واقع الحال وبرأينا أن الاختلاف الفقهي وکذلك إختلافات عديدة أخرى في مختلف الجوانب و الامور، هي أمور قد تکون أکثر من عادية و تتفق في أساسها و جذورها مع الاصالة الانسانية و تتماشى مع فطرتها الاساسية وان الانسان بطبعه ميال للإختلاف و الجنوح لنوع من التمرد في بعض من الامور سيما إذا الامر کان متعلقا بخصوصياته ومن هنا، فإن الحديث الشريف(إختلاف أمتي رحمة)، من الممکن جدا الاعتماد عليه کأساس قوي و متين للإعداد لواقع إجتماعي ـ فکري ـ سياسي يتفق و جوهر النظام الدولي الجديد الذي تسعى دوائر غربية للعمل على فرضه بصورة فوقية على المنطقة، و يؤکد عمق و أصالة ومعاصرة الدين الاسلامي لکل المتغيرات و المستجدات التي تطرأ على الکوکب الارضي وانه مامن حالة أو أمر طارئ يقع إلا وکان للإسلام معه شأنا وعليه، من الممکن احتواء حالات الاختلاف و إعتبارها جزءا اساسيا و مکملا للواقع العام برمته وليس امر مستجد او خارج عليه کما کانت تؤول أو تفسر لفترات زمنية خلت. ان الاستشهاد بصورة التعايش في الغرب بين مختلف الطوائف و الفرق المسيحية و الدعوة لمحاکاتهم و تقليدهم من قبل العديد من الکتاب و المثقفين هو امر مقبول و يخدم واقعنا الحالي لکننا نتحفظ على هذا الاستشهاد بنقطة جوهرية هامة وهي أننا کأمة اسلامية کنا نمتلك الاساس الصحيح للعمل عليه و تجنب الکثير من الحالات السلبية المؤسفة التي وقعت عبر مقاطع تأريخية متعددة، وان الحديث الشريف الذي أشرنا له آنفا وللأسف البالغ ليس لم يتم فهمه و إستيعابه بالصيغة و المضمون الذي کان ينبغي وانما تم تفسيره و تأويله أيضا بسياقات قد لا تتفق في خطها العام مع روح و جوهر الاسلام ذاته، ولو کان المرء سنيا أم شيعيا مثلا، هل انه غير مشمول بالآية الکريمة(هذه أمتکم أمة واحدة وانا ربکم فأعبدون)؟! والجواب قطعا بالنفي الواضح ذلك أن(رحمة ربك التي وسعت کل شئ) سوف تتسع بمشيئة الباري عزوجل لکل أبناء طوائف الامة الاسلامية واننا ان اختلفنا على أمور و حاجيات جانبية فإننا نتفق على أمور کبيرة و اساسية، إذن فليست هنالك من مشکلة بمعنى الکلمة، لکن هنالك ثمة ملاحظة مهمة جدا وهي لابد من وجود ثمة خطوط حمراء و ثوابت أساسية بين أبناء الطوائف الاسلامية ليس بوسع أي فرد أو جماعة مهما کانت أن تتجاوزها أو الاجتهاد في تأويلها و تفسيرها سيما کل ما يتعلق بمصالح أمتنا العربية و أمنها القومي.


أننا في المجلس الاسلامي العربي نعمل بجد من أجل مشروع عربي اسلامي يجمع کل التيارات و الاقطاب وفق سياق و خط واحد يتحدد بثوابت أساسية محددة و بخطوط حمراء تحددها مصالح و امن امتنا العربية و نسعى لتفعيل کل جهد خير من شأنه خدمة المشروع العربي الذي ندعو إليه و الذي برأينا لا يتناقض مع المشروع الاسلامي أبدا و نجد الفرصة مواتية لدعوة کل الخيرين من أبناء الامة الاسلامية للعمل وفق هذا السياق وان الله تعالى من وراء القصد.

محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.