يعلو، في هذه الأيام، روح الرئيس الراحل تورغوت أوزال، فوق المشهد السياسي الداخلي التركي، بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي عبد الله غول في أكثر من زيارة دولة، داعيا ً الى إستغلال الفرصة التاريخية لحل المسألة الكردية في تركيا، بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على الصراع الدامي بين الدولة التركية و حزب العمال الكردستاني. الأمر الذي يعني أن مشروع أوزال إنبعث من جديد، و لكن في ظروف مختلفة تماما ً.
الرئيس التركي من وجهة نظر كاتب هذه الأسطر يبدو جاداً في تصريحاته، هذه المرة. فالحرب، التي ذهب ضحيتها ما يقارب الخمسين ألفاً من الأرواح، أغلبه من الجانب الكردي، جراء سياسة الهدم و التقتيل و التهجير التي مارستها الدولة بحق الشعب الكردي، و دفع العملاء و المأجوين و حفنة من المرتزقة الكرد في واجهة المعارك مع حركة التحرر القومية الكردية في تركيا، لم تنته الى النتيجة المرجوة، بل بالعكس إستفاق الشعب الكردي من غفوته، و إنتفضت في دواخله كل مشاعر الغضب و السخط من سياسات الدولة بحقه، وإنبعثت من روحه مشاعر الإعتزاز القومي و الكرامة الإنسانية، والتي تجسدت و ترجمت في المسيرات و التظاهرات المليونية في كل أنحاء تركيا، مطالبة بالحرية و المساواة و الإعتراف.
و بعد أن أدركت حكومة العدالة و التنمية أن الخيار العسكري لا يفض إلا إلى المزيد من الفوضى و عدم الإستقرار و إستنزاف الإمكانات البشرية و المادية، و أن الشعب الكردي لن يخمد ثورته ما لم تلبى حقوقه، و بعد أن فشل العسكر في جميع حملاته و غزواته العبثية على معاقل الثوار الكرد، و إن العسكر لم يعد بوسعهم الإنقلاب على الدولة و الشرعية التي إكستبها من أصوات الشعب التركي، طلبت من الرئيس غول الذي هو رئيس لكل الشعب، و ليس لحزب معين، ان يهيئ الشارع و الشعب التركي للحظة الحل التاريخي، لأهم و اًصعب و أعقد مشكلة في تركيا، إلا وهي القضية الكردية.
فالإنتخابات المحلية التركية الأخيرة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث توقع حزب العدالة و التنمية إنتصاراً كبيراً في المدن و المحافظات و الأقضية الكردية، و بالتالي سحب البساط من تحت أقدام حزب المجتمع الديمقراطي و من خلفه العمال الكردستاني، إلا أن النتائج المذهلة و التقدم الكبير الذي حققه الكرد في مناطقهم، حسمت الخيارات، و مهدت الطريق للحل السلمي و الديمقراطي للقضية الكردية. فلم يعد بإمكان رئيس الوزراء تجاهل البرلمانيين الكرد، و عدم مخاطبتهم، و التحاور معهم، إلا بعد أن يصفوا حزب العمال الكردستاني بالمنظمة الإرهابية، و إنما بات مضطراً و مجبراً على دعوتهم للتوسط بين الحكومة و حزب العمال الكردستاني من أجل تشييد طريق الحل السلمي.
فعندما يعلن احمد ترك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي عن إستعداده للذهاب الى جبال قنديل للتشاورمع قيادة حزب العمال الكردستاني، فإنه لا يفعل ذلك على سبيل العبث و إضاعة الوقت، و إنما بهدف نقل رسالة من الرئيس و الحكومة التركية الى قيادة ال ( ب ك ك ) في شأن مبادرة الرئيس غول حول سبل و كيفية الوصول الى الحل.
و هنا لا بد من الإشارة الى التصريحات الأخيرة لزعيم العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي حث أحمد ترك على وجوب تهيئة مشروع الحل الديمقراطي للقضية الكردية و تقديمها الى الرئيس غول، و طلب منه العمل من أجل تسهيل مبادرة الرئيس.
لا شك أن قيادة ( ب ك ك ) تلقت الإشارة من زعيمها، و هي لن تبخل بالجهد و الحنكة و الحكمة السياسية من أجل إيصال الشعب الكردي الى بر الآمان، من خلال إقتراح خريطة طريق لحل القضية الكردية، يتم تحقيقها من خلال الحوار و التفاوض، سواءا ً بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن المهم في نهاية المطاف هو النتيجة.
و بعد أن بات حل القضية الكردية قاب قوسين أو أدنى نتيجة لنضالات أبناءه البررة، و إرادتهم الصلبة، بات من الضروري على جميع أبناء الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة و في الشتات، ان يهبوا لنصرة إخوتهم في شمالي كردستان، بالنصيحة و الدعم و المساندة.
زيور العمر
التعليقات