لحظات أخيرة مع الزعيم عبد الكريم قاسم

اطلعت يوم الاربعاء 19/8/ 2009 على موضوع للسيد ابراهيم الزبيدي عن اللحظات الاخيرة من حياة الراحل الزعيم عبد الكريم قاسم. وقد تضمن الموضوع الكثير من الافتراءات على أناس رحلوا عن الدنيا خاصة، اذ أن اعدام عبد الكريم قاسم جرى منذ خمسين عاما فمعظم الذين ذكرهم لم يعودوا أحياء فأعطى لنفسه دورا وهميا ناسيا أن هناك آخرين ما زالوا على قيد الحياة شهدوا الحادث عن كثب.
ولأنني أحد الاشخاص الذين شهدت اللحظات الاخيرة لحياة عبد الكريم قاسم مع آخرين ما زالوا على قيد الحياة كحازم جواد ومحسن الشيخ راضي وذياب العلكاوي وفارس نعمة وصبحي عبد الحميد وجميعهم تناولوا الحدث دون أن يشيروا الي ما أشار اليه الزبيدي.
انا شخصيا اعترف اني كنت أحد المشاركين بالحركة وتوليت مسؤولية الاذاعة والتلفزيون بعد نجاحها. بل وكنت ضمن المجموعة التي استولت على مرسلات اذاعة أبي غريب صبيحة 8 شباط مع حازم حواد وطالب شبيب والمقدم عبد الستار عبد اللطيف وجميل صبري واعلنا البيان الأول من هناك، أود أن أوضح بعض الحقائق التي حاول الزبيدي عن قصد أو دون قصد قلبها وتشويهها، وتوزيع الاتهامات لهذا أو ذاك، بل أنه أعطى لنفسه حجما أكبر مما يستحق.
راجيا نشره في موقعكم انطلاقا من حق الرد الذي ينتهجه موقعكم.

أولا: إن السيد الزبيدي لم يحضر الي مبنى الاذاعة والتلفزيون يوم 8 شباط أي يوم الحركة. ولا السيد شفيق الكمالي الذي ادعى الزبيدي انه كان حاضرا صبيحة ذلك اليوم ولا السيدة هناء العمري. فالكمالي جاء الي مبنى الاذاعة والتلفزيون مساء يوم التاسع من شباط بعد اعدام عبد الكريم قاسم. وان السيدة هناء العمري قد حضرت هي الاخرى بعد ظهر يوم التاسع من شباط واذاعت بيان الحاكم العسكري العام العميد رشيد مصلح المتضمن اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم وذلك في الساعة الواحدة وخمسة عشرة دقيقة بعد ظهر ذلك اليوم.
ثانيا. حينما أخذنا نذيع البيان الأول من مرسلات أبو غريب عشرات الكيلومترات غرب بغداد، في هذا الوقت العميد جاسم كاظم العزاوي سكرتير عبد الكريم قاسم الي مبنى الاذاعة في الصالحية ببغداد يروم اذاعة بيان كتبه قاسم نفسه وطلب منه اذاعته مضاد للبيان الذي اعلناه عن سقوط نظام عبد الكريم قاسم. مما اضطرنا أن نوجه انذارا من المرسلات الي العاملين باستوديوهات اذاعة وتلفزيون بغداد بالكف عن اذاعة البيانات المضادة.والا سيتعرضون للقصف الجوي. وبالفعل توقف العاملون وانسحب العميد العزاوي وهرب جميع المذيعين وغالبية العاملين فيها وربما كان الزبيدي من ضمنهم خوفا من أن يتعرضوا للقصف. وحينما وصلنا الي مبنى الاذاعة بعد أن تمت السيطرة على بغداد لم نجد سوى مذيع واحد هو قاسم نعمان السعدي فقط الذي نصحني حينما توليت اذاعة بيانات الثورة بان اكرر بين فترة واخرى عبارة quot; هنا اذاعة الجمهورية العراقيةquot;.
وتاكيدا لوجود المذيع السعدي في الاذاعة صبيحة ذلك اليوم وليس في القاهرة كما ادعى الزبيدي فان الكاتب شامل عبد القادر يذكر في الصفحة 174 في كتابه quot;
عبد الكريم قاسم البداية والنهايةquot; يقول فيه نقلا عن العقيد ذياب العلكاوي انه حين دخل مبنى الاذاعة استقبله المذيع قاسم نعمان السعدي. ولا ادري لم يات السيد العلكاوي على ذكر الزبيدي علما ان الاثنين من ابناء مدينة تكريت.
وفي اليوم التالي حينما استسلم عبد الكريم قاسم وجرى حوار بينه وبين القائمين بالحركة الذين اكدوا على ضرورة احترام الزعيم وذلك قبل وصوله مبنى الاذاعة والحيلولة دون تعرضه للاهانة ولم يتفوه أحد منهم بكلمة مسيئة له وخاصة العبارة ( من اين لك شرف) كما حاول الزبيدي الصاقها بي زورا وبهتانا.
المقدم قاسم الجنابي مرافق عبد الكريم قاسم الذي جيء به مع قاسم وآخرين وكاد أن ينفذ فيه حكم الاعدام لكن في اللحظات الاخيرة سحبه حردان التكريتي وأخرجه من بينهم. وهو شاهد على ما جرى اثناء المواجهة بين قاسم وقادة الحركة اذ يقول الجنابي في حديث له مع العميد الركن اسماعيل العارف وزير المعارف في حكومة قاسم الذي اورد الحديث هذا في كتابه بعنوانquot; اسرار ثورة 14 تموزquot; يقول التقيت بقاسم الجنابي في لندن يوم 30/5/1984 وحدثني عن هذا الموضوع قائلاquot;وجه علي صالح السعدي ndash; كان أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك- سؤالا لعبد الكريم قاسم قائلا ( كانت عندنا حركة قبل اسبوعين واخبرك بها أحد الاشخاص. فمن هو هذا الشخص؟ هل هو موجود الان بيننا نحن الحاضرين؟ أجابه قاسم: لا يوجد الشخص الذي أخبرني بينكم بشرفي. فرد عليه علي السعدي quot; من أين لك أن تفهم الشرف. أجابه قاسم : أن لي شرفا أعتز بـهquot;. ان هذه الرواية الوحيدة التي جاءت على لسان الجنابي اذ لم تأت في كل المذكرات التي صدرت عن تلك الفترة. ومع هذا لا أعرف من أين جاء الزبيدي بهذا الافتراء وينسب هذا الكلام لي؟
ان هذا ليس افتراءا فحسب بل هو في الحقيقة محاولة محاولة مغرضة لا افهم ما هي الدوافع التي تكمن وراءها وهي بالتالي تدخل في عملية التحريض المكشوف ضدي. وفي هذه الحالة فمن حقي أن أعرض الزبيدي للمساءلة القانونية بتهمة التزييف والتشهير والتحريض ضدي.
ثالثا: يدعي الزبيدي انه كان في غرفة الكونترول المشرفة على صالة الموسيقى الكبرى التي شهدت تنفيذ حكم الاعدام بالزعيم قاسم وجماعته. وفي الحقيقة كنت انا وهاني الفكيكي ومحسن الشيخ راضي وكريم شنتاف ومعنا مدير التلفزيون عبد الرحمن فوزي الذي تولى تسجيل كل الحوارات الساخنة التي جرت داخل القاعة. ولم نشاهد السيد الزبيدي انذاك. وقد ذكر هذا الحدث الاستاذ هاني الفكيكي في الصفحة 252 من كتابهquot; أوكار الهزيمة quot;.يقول quot;قبيل ذلك ndash; اي قبل عملية تنفيذ الاعدام- كنا عبد الستار الدوري ومحسن الشيخ راضي وكريم شنتاف وأنا، اذ غادرنا الصالة لنراقب المشهد من وراء ستار زجاجي يحجب الصوت ويفصل الصالة عن غرفة المراقبة حيث كناquot; وهو يعني غرفة الكونترول-.
رابعا- قال الزبيدي بالحرف الواحدquot;لقد أرادت القيادة أن تستعين بمذيعين محترفين لإضفاء نوع من مظاهر الوضع الذي عاد طبيعيا، لتوحي باستتباب الأمور في العهد الجديد، وبالتالي لا فائدة من مواصلة المقاومة. هذه الرسالة كانت موجهة بالأساس إلى جماهير الحزب الشيوعي أكثر من غيرها. أقلتني سيارة عسكرية من منزلي في الجعيفر إلى الصالحية. وصلت في حوالي الساعة العاشرة أو قبل ذلك بقليل. دخلت، لكنني فوجئت أن كل شيء عاديquot;
ان هذا الكلام غير صحيح وغير معقول ان تفكر قيادة الحركة مبكرا بارسال سيارة عسكرية للزبيدي دون ان تفكر بتامين سيارات عسكرية مماثلة الى جميع المشاركين في الحركة لكي يتوجهوا الى كتيبة الدبابات الرابعة في ابو غريب. ثم لم يذكر لنا الزبيدي من هو هذا الضابط الذي قام بجلبه من بيته في الجعيفر. في الوقت الذي توجهت كل المجاميع المشاركة في الحركة بالانتقال الى الهدف الاول وهو كتيبة الدبابات الرابعة ليس بسيارات عسكرية على غرار سيارة السيد الزبيدي العسكرية بل انهم استخدموا سياراتهم الخاصة لتنفيذ مهامهم الانقلابية.. ففي الساعة التاسعة ودقيقتين ابلغ عدنان القصاب عبد السلام عارف بالحركة ونقله الى كتيبة الدبابات الرابعة في ابو غريب بسيارته الخاصة وليس بسيارة عسكرية.
في الساعة 8 وخمسة عشر دقيقة صباحا انطلق عبد الغني الراوي وبسيارته الخاصة ايضا الى قاعدة الحبانية للسيطرة على اللواء الثامن والتحرك به باتجاه بغداد للسيطرة عليها.
في الساعة التاسعة والنصف انطلقت سيارة خاصةاخرى الى كتيبة الدبابات الرابعة يقودها صاحبها الرائد عبد اللطيف الحديثي والى جانبه طاهر يحيى وفي الخلف جلس رشيد مصلح وابراهيم الدليمي وفي الوسط احمد حسن البكروهم ابرز قيادة الحركة الذين لم تتوفر لديهم سيارة عسكرية.كما توجه الاستاذ حازم جواد وطالب شبيب الى مرسلات ابو غريب بسيارة خاصة ايضا يقودها الملازم رياض قدو. في حين استعار هاني الفكيكي سيارة السيد فاروق عريم ليصل بها الى المرسلات. اما المقدم عبد الستار عبد اللطيف فقد وصل الى الكتيبة الرابعة بسيارة المقدم جميل صبري الخاصة ومعهما المقدم انور عبد القادر الحديثي. فيما انتقل الرائد علي عريم ايضا بسيارته الخاصة متوجها الى الكتيبة
اما من ناحيتي فقد انتقلت الى مرسلات ابو غريب بسيارة ابو طالب عبد المطلب الهاشمي الخاصة الذي كان يقودها شخصيا.
مع فائق التقدير

عبد الستار الدوري ndash; سفير عراقي سابقا