توقفت طويلاً أمام الاتفاق الذي وقعته امريكا وسويسرا مؤخرا والذي سمح لواشنطن بالاطلاع على الحسابات السرية لعملاء امريكيين في بنك يوبي اس السويسري بعد اتهامهم بالتهرب من الضرائب.

صحيح أن هذا الاتفاق ليس الاول من نوعه فقد سبق ان وقعت فرنسا وسويسرا اتفاقا مماثلا حصلت بموجبه باريس على قائمة باسماء ثلاثة آلاف فرنسي تهربوا من الضرائب بايداع اموالهم في بنوك سويسرا.

لكن من المؤكد ان دولا اخرى في الاتحاد الاوروبي سوف تطالب بالمعاملة بالمثل مما يعني ان النظام المصرفي السويسري القائم على سرية الحسابات يتعرض لتهديدات متزايدة.

ولعل هذا مادفع اتحاد البنوك السويسرية لمطالبة الحكومة بالحفاظ على quot;سياسة خصوصية بيانات العملاءquot; باعتبارها اولوية قصوى للنظام المصرفي بوصفه الاكفأ في الحفاظ على أموال العملاء عالميا.

وحسب تفاصيل الاتفاق الامريكي السويسري فمن الواضح ان ضغوطا هائلة مورست على الحكومة السويسرية لإجبارها على الكشف عن اسماء 4450 عميلا من بين 52 الف عميل امريكي في بنك يو بي اس السويسري

وقد قامت الحكومة الأمريكية في المقابل بتجميد الدعوى القضائية المرفوعة ضد البنك والذي يعتبر ثاني أكبربنوك العالم في إدارة الثروات الخاصة ويقدر حجم استثماراته بحوالي اربعة تريليونات فرنك سويسري وله فروع في 50 دولة.

وفي وقت لاحق قامت الحكومة السويسرية ببيع حصتها في يو بي اس وقيمتها ستة مليارات دولار حتى لاتضطر مستقبلا للكشف عن بيانات عملاء آخرين في حين بدأ العملاء الامريكيون في تحويل أموالهم إلى بنوك اخرى

أما الاتفاق الفرنسي السويسري فقد كان أكثر سهولة حيث كشف عن الحسابات السرية لثلاثة الاف فرنسي قالت الحكومة الفرنسية انها سوف تمنحهم مهلة اربعة اشهر لتسوية اوضاعهم قبل ملاحقتهم ماليا وقضائيا.

والسؤال المطروح هل ما جرى يعني أن بنوك سويسرا فقدت حصانتها؟

كل الدلائل تقول إن هذا ليس صحيحا بشكل مطلق فالنظام المصرفي السويسري مازال جنة الاثرياء الباحثين عن ملاذ آمن لثرواتهم بفضل الحماية القانونية الصارمة لسرية الحسابات والاعفاءات الضريبية. لكن التحدي الذي تواجهه الحكومة السويسرية هو كيفية التوفيق بين الالتزامات المترتبة على معاهدات منع الازدواج الضريبي التي وقعتها وبين نظامها القانوني الضامن لسرية الحسابات المصرفية.

ووفقا لتصنيف البنك الدولي تحتل سويسرا المركز الاول في قائمة الملاذات الآمنة من الضرائب في العالم والتي تقدر بنحو 50 دولة تعمل فيها 400 مؤسسة مصرفية ومليوني شركة عالمية ويقدر حجم احتياطيها بحوالي عشرين تريليون دولار.

كما تأتي سويسرا في ترتيب متقدم ضمن 66 دولة تمارس غسيل الاموال الناتجة عن تجارة المخدرات والرقيق والدعارة والاسلحة والقمار بعد تايلاند ولوكسمبرج وامارة موناكو والنمسا وتشيك واسرائيل.

وحسب مؤسسة سويس موني للابحاث المصرفية فان النظام المصرفي السويسري يدير ثلث ثروة العالم المودعة في حسابات مصرفية خارجية. وتقدر الودائع الائتمانية وحدها في بنوك سويسرا بحوالي 636 مليار دولار، 80% منها لعملاء أجانب، قامت البنوك بتحويل ودائعهم باسمها الي بنوك في الخارج لغسل أموالهم ومنحها المزيد من الاعفاءات الضريبية.

ومن الغريب ان معظم الاموال السائلة المتدفقة على بنوك سويسرا تاتي من اشد دول العالم فقرا مثل غينيا وبلغاريا وبنجلاديش وروسيا البيضاء وقازاخستان وكينيا. بل ان قيمة الاموال القادمة من إفريقيا وحدها تقدر باكثر من 220 مليار دولار مما يوضح السبب في حالة الفقر المزرية التي يعيشها سكان القارة.

باختصار كشف الحكومتين الامريكية والفرنسية لحسابات سرية لمواطنيها في بنوك سويسرا لا يعني ان النظام المصرفي السويسري فقد حصانته، فالودائع مازالت في أمان لكن من الممكن الكشف عنها بالوسائل القانونية لاستيفاء الضرائب المستحقة عليها.

نصيحتي لأثرياء العالم المتعاملين مع بنوك سويسرا: لا تخشوا شيئا طالما أنكم لستم أمريكيين او فرنسيين أو من دول متقدمة وقعت مع سويسرا معاهدات لمنع الازدواج الضريبي!