منذ أقل من عامين واللوحة الدولية والإقليمية، من الزاوية السورية تتغير، أو هكذا يبدو للمراقب الخارجي، وللإعلام الذي يريد من الحدث، أي حدث أن يملأ صفحاته، وأوقاته، زيارات القادة العرب المتبادلة مع دمشق، والجولات المكوكية لمبعوثي الساسة في أوروبا وأمريكا، إلى دمشق والمنطقة. باتت الآن مفردة الحوار مع دمشق تحتل مساحات واسعة من الإعلام والتصريحات السياسية، والملفت في الأمر، أن هذه التصريحات الآن باتت، لا تقيم أية مسافة بين النظام الحاكم وبين المجتمع السوري، الآن سورية هي النظام الحاكم، والحوار هو مع سورية بوصفها فقط نظاما حاكما، حتى غالبية الأشقاء في لبنان موالاة ومعارضة يتحدثون عن السوري، ليصفوا الطرف الآخر في دمشق، وهذه السوري تحمل دلالات سلبية بشكل عام. كثير من قوى المعارضة السورية، أيضا بدأت تعد العدة لتغيير عدتها اللفظية، وعموما أيضا عادت مفردات الحوار والإصلاح تتصدر خطابات المعارضة السورية، ولا يقابلها هنا سوى عبارات التغني السلمي بالتغيير الديمقراطي، دون حوامل واضحة ومؤسسات تحمل هذا الاسم- الشعار.
التيار الإسلامي بدأ ينضج حركته الخاصة، أو لنقل أنه بدأ يأخذ نفسه بعيدا عن أية تحالفات معارضة، والتيار الديمقراطي- العلماني، بدأ مقسوما على نفسه، منهم من يأخذ تبنيا للغة الحوار مع النظام ومنهم من يستمر بدعوته للتغيير، كل هذا يحدث ولكن دون أن ينعكس على المجتمع السوري، بل العكس هو الصحيح، ما جرى ويجري الآن، هو إعادة إلحاق الهامش الذي تفلت من أيدي النظام في السنوات الأخيرة، ليلتحق بالنظام، ليس على طريقة أن ينضم لمؤسسات هذا النظام، بل على طريقة، أن النظام يستوعب هامشا يدعو للإصلاح و يزيد الهامش تهميشا للذين يدعون للتغيير، وكل ذلك بإشراف إقليمي بالدرجة الأولى، ودولي بالدرجة الثانية.
في ظل هذه اللوحة الشعب السوري، لازال يعاني من ثلاث رئيسيات:
الفقر والفساد والقبضة الأمنية. وهذه قضايا ليست خلافية، دون أن نتحدث عن إشكاليات أعمق لكنها خلافية، وهنا نتحدث عن الإشكالية الطائفية، وحل المسألة الكردية. ما الذي تغير بعد أقل من عامين على هذه المسائل كلها؟
المعارضة السورية ضعفت، وتشرذمت، والنظام بات أكثر تماسكا، ولكنه أقل قوة من السابق، وهذه نقطة سنفرد لها مقالا خاصا. والآن تجد كما وجدنا قبل فترة أن هياكل المعارضة تعرضت لتقويض من الداخل، بفعل المتغير الخارجي كما قلنا إقليميا ودوليا. وميزة ما حدث أن المعارضين والمثقفين والكتاب كلهم شاركوا في فضح هياكلهم، ودون استثناء، إنها ميزة لها وقع إيجابي، من وجهة نظري، لأنها لا تترك مستورا، وإن حاول بعضنا أن يستمر بالعمل على الطريقة الباطنية، ولكن هذا لم يعد مفيدا أبدا، فالنظام يعرف عن المعارضة والمعارضين أكثر مما يعرفون عن أنفسهم. ولها ميزة سلبية جدا أنها لم تتم بناء على أن النقد والنقد المتبادل والهجوم، والهجوم المتبادل يجب أن يكون على أرضية اللقاء مجددا، بل كان يتم على أرضية إحداث قطائع جديدة بين صفوف المعارضة، ولست خارج هذه المعادلة.
الأمل بالشباب السوري، في أن يعرف ما يريد، وهذا الأمل يبدأ أولا من تجاوز الموجود وبطريقة لا تعرف المجاملة. ولكن ما هي الفسحة المتوفرة لهذا الشباب وهو الذي استطاع النظام أن يجعله مهموما حتى العظم بالبحث عن لقمة عيشه ودون أحلام أخرى!؟
عنوان بسيط علينا ألا ننساه مهما حدثquot; إن النظام مبني على الأحادية السلطوية، كعلاقات تجلب معها شخوصهاquot; المشاركة والتعددية السياسية أمر مرفوض جملة وتفصيلا من قبل النظام، وهنا بالضبط تكمن رؤية أي تغيير أحدثته، همروجة الحوار الدولي والإقليمي مع النظام؟
لو افترضنا أن السيد باراك أوباما جاء إلى دمشق، هل سيقبل النظام المشاركة السياسية مع قوى المجتمع السوري وفعالياته؟
إعلان دمشق وجبهة الخلاص في نشاط الوقت الضائع، ودون مراكمة أية قوة ضغط على النظام، والأحزاب الكردية تنتظر ولادة أحزاب أضافية زيادة في الشرذمة، تقليصا للبعد السوري فيها.
والتيار الإسلامي ينتظر غودو حاملا تباشير رسالة من السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد، للترحيب به داخل الجبهة الوطنية التقدمية، بعد إلغاء القانون 49.
ما الذي استفاده المجتمع السوري من تزايد مفردة دعم الحوار الدولي مع النظام؟
لأنه كما بينا مثل غيرنا أن الأساس في كل هذا هو علاقة النظام مع المجتمع السوري: فقر، فساد، قمع، تمييز سياسي وطائفي...هل تغير كل هذا ولو بالمعنى النسبي للعبارة؟
التعليقات