الإسكندرية: قال المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي إنّه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 قرر بدء العمل في سيناريو فيلم عصابات نيويورك (Gangs of New York) لكشف أحد المراحل المظلمة في التاريخ الأميركي.
وأوضح سكورسيزي بمكتبة الإسكندرية الأربعاء، في محاضرة مفتوحة اتخذت شكل حوارٍ أجراه الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة، أن هناك العديد من الفترات التي لا تذكر بتاتًا في تاريخ الولايات المتحدة لا يتم الإشارة إليها، مثل فترة الحرب الأهلية، وفترات اضطهاد الزنوج، واحتجاجات الستينات بعد مقتل مارتن لوثر كينج، وفترة اضطهاد الآيرلنديين. وأضاف quot;بعد أحداث 11 سبتمبر ركّزت السينما إلى جانب وسائل الإعلام على الأمجاد الأميركية، إلا أنني حاولت الإشارة إلى مناطق أخرى في التاريخ لتوضيح الحقائق أكثرquot; مشيرًا إلى quot;إنها حقيقة، في بدايات القرن العشرين كانت الحكومة والشرطة في أميركا تتعاونان مع العصابات لفرض النظام ولتأكيد سلطة الدولةquot;.
وبحسب سكورسيزي فإن سيناريو عصابات نيويورك كان موجودًا لديه في منتصف السبعينات، تحديدًا بعد إخراج فيلمه سائق التاكسي (Taxi driver) ولكنه ظل مؤجَلاً إلى أن تحمس لإنتاجه بعد أحداث سبتمبر.
وحصل سكورسيزي على جائزة الأوسكار عام 2007 عن فيلمه المغادرون (The Departed)، كما حصد جائزتين في مهرجان كان السينمائي، أحسن مخرج عام 1985 عن فيلمه بعد ساعات (After Hours)، والسعفة الذهبية لفيلم سائق التاكسي عام 1976. ورغم كل هذا القدر من الجوائز تجاهلت المسئولة عن تقديم الحفل ذكر اسم سكورسيزي إذ قالت quot;يسعد مكتبة الإسكندرية أن تعقد هذه المحاضرة، وفي خلال دقائق سيكون بيننا المخرج مع الدكتور إسماعيل سراج الدينquot;. وأضافت quot;قبل أن يدخل الضيف نرجو إغلاق الموبايلات، ففي كل مرة يكون هناك ضيف أجنبي يرن موبايل ويبقى شكلنا وحش قدّام الأجانبquot;.
وبالإضافة إلى عمله كمخرج، فإن سكورسيزي مؤرخ سينمائي وكاتب سيناريو ومنتج فني وممثل، ومؤسس مؤسسة السينما العالمية.
ورغم أن اللقاء يأتي بمناسبة ترميم المؤسسة لفيلم quot;المومياءquot; الذي أخرجه شادي عبد السلام عام 1969، إلا أن الحديث لم يتطرق إلى هذا الفيلم. وتلقىبوستر فيلم بعد ساعاتسكورسيزي عددًا كبيرًا من الأسئلة المكتوبة من الجمهور، اختار منها محاوره سراج الدين ثلاثة واحدٌ عن نيته إخراج أحد أفلامه في مصر، وأجاب سكورسيزي باقتضاب: quot;نعمquot;، والآخر حول ما إذا كان يفكر في إنتاج فيلمٍ عن الإسكندرية، وأجاب باقتضابٍ أيضًا quot;نعمquot;، والثالث عن رأيه في السينما المصرية المعاصرة، وهنا تحدث سكورسيزي عن مشاهداته للسينما المصرية والتي تضمنت عددًا من أعمال المخرج الراحل يوسف شاهين.
وضحك سكورسيزي طويلاً عندما سأله سراج الدين عن علاقته بالمنتجين، وقال quot;لقد توترت الآن عندما ذكرت كلمة منتجquot;، وأضاف quot;لا بد أن تكون الموارد محدودة بشكلٍ ما، وأنا كمخرج تعودت على العمل بأقل الموارد، تاكسي درايفر أنتج بمليون دولار، والرفاق الطيبون (goodfellas) طلبت من والدتي أن تقوم بدورٍ صغيرٍ فيه بدلاً من الاستعانة بممثلة.. في النهاية لا بد أن يصل المخرج والمنتج إلى حلول وسط لكي تسير الأمور بشكل جيدquot;.
وتحدث عن العلاقة الخاصة التي تربطه بالممثل روبرت دي نيرو quot;نحن أصدقاء منذ كنا في الخامسة عشر، ودي نيرو ارتبط بي فنيّاً منذ فيلم الشوارع الدنيئة (mean streets) عام 1973، واستمرت الرحلة في تاكسي درايفر وعدد كبير من الأفلام. وأضاف quot;عندما مرضت بشدة بعد فشل فيلم نيويورك نيويورك (1977) وأصبت بانهيار عصبي زارني دي نيرو في المستشفى ولامني quot;هل تريد أن تقتل نفسك؟quot; وساعدني على المرور من هذه الأزمة. كان معه سيناريو فيلم الثور الهائج (Raging Bull)quot;. وحقق الفيلم نجاحًا هائلاً بعد إنتاجه عام 1980، ويحتل المركز الرابع في قائمة AFI لأحسن مائة فيلم في تاريخ السينما العالمية، والتي صدرت عام 2007.
وامتلأت القاعة الكبرى في المكتبة، والتي تتسع لنحو 5000 شخص، قبل بدء المحاضرة بنحو نصف ساعة. وكان أغلب الحضور من المخرجين الشباب والصحفيين والمهتمين بالسينما. وبينما استقر الفنانون يسرا وحسين فهمي وأحمد السقا وبشرى وسمير صبري وخالد أبو النجا على مقاعدهم في الصف الأول، ظل المخرجان المصري يسري نصر الله والفلسطيني إيليا سليمان، الذي حصل فيلمه quot;الزمن الباقيquot; على جائزتين في مهرجان كان السينمائي 2009، يبحثان عن مقعدين يجلسان فيهما حتى بعد بدء المحاضرة بنحو ربع ساعة.
وتحدث سكورسيزي عن فيلمه quot;الإغواء الأخير للمسيحquot; المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، والذي أثار غضب الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان. وقال سكورسيزي الذي ينتمي إلى أصول كاثوليكية إنه كان يحاول الوصول إلى رؤية مختلفة للأشخاص في الروايات الدينية، فيهوذا الإسخريوطي على سبيل المثال، وهو الخائن في الكتاب المقدس، كان ضرورياً ليتمَّ المسيح رسالته.
واتضحت بعض الخواص المتعلقة برؤية سكورسيزي السينمائية ضمن اللقاء، إذ قال إنه في فترة معينة كان يجرب نهايات مختلفة لأفلامه بعد أن quot;وجدت أن هناك ثلاث أو أربع نهايات في كل الأفلام الأميركيةquot;. كما كان يجرب بعض التقنيات في الثور الهائج لتصوير ملامح وجه دي نيرو وهو يتعرض للضرب (إذ تدور أحداث الفيلم حول ملاكم). وأوضح quot;كان علينا تصوير المشاهد بالبطيء ثم تقوم بتسريعها بعد ذلك وإلا فإن المشاهد لم يكن ليرى أي شيء، أذكر مرة أن محمد علي كلاي أثناء إحدى مبارياته سأل مدربه: نحن في الجولة الكم الآن؟quot;.