قاسم ماضي: على قاعة المجمع الإسلامي الثقافي في مدينة (ديربورن) وبمناسبة ذكرى إستشهاد الإمام الحسين (ع) عرضت جماعة فرقة الباب المسرحية عملها الثالث بعنوان (من يأخذنا إلى المدينة) وهي من تأليف وإخراج الفنان ماجد أحمد بمشاركة مجموعة من خريجي معهد الفنون الجميلة منهم (حسن سفاح، حيدر الياسري، سعد السماوي) بالإضافة إلى بعض من الهواة من الرجال والنساء،، ويتزامن موعد العرض مع إحياء واقعة الطف الأليمة، وكالعادة إكتظت قاعة المركز الثقافي الإسلامي بالجمهور المتابع لمثل هذا النوع من العروض التي إعتادت الجالية العراقية مشاهدتها في المناسبات الدينية بشكل خاص،وبالرغم من تنوع البرامج في أوجه إحياء الشيعة الإمامية لمصيبة عاشوراء فقد تطورت أساليب إحياء تلك الذكرى ونالت أهمية بالغة في تكريس ظاهرة المسرح العاشورائي، الذي يحاول لعب دور جديد في نشر ثقافة معينة، ولكن هنا لابد من التذكير إن القضايا المطروحة من خلال تلك الأعمال التي غالبا ً ما ترتبط بتلك المناسبات الدينية يجب أن لا تقنن بسياق محدد بعينه كي لا تفقد تلك القضايا نطاقها الكوني الإنساني في الطرح، فقضية سيدنا الحسين (ع) لم تكن بمفهومها العام تخص طائفة دون سواها أو جماعة دون غيرها بل هي ثورة ضد الظلم والعبودية، والطغيان، ومحاولة لتصحيح الواقع بهدف التحرر من نير الإستبداد والخضوع لسلطان الحكم الظالم، ولا شك أن عملا ً كهذا سيكون له مردوده الكبير على وعي وثقافة جاليتنا بواقعة الطف، ويعد العمل في مثل هذه التجارب فرصة لإكتشاف مواهب مخبوءة لدى جاليتنا العراقية في المهجر الأمريكي، ولا ريب أن الذي له دراية في العمل الفني يستطيع أن يقنع المتفرج بالحدث المذكور، لا سيما أن واقعة الطف تتوفر فيها كل مقومات الدراما التمثيلية من (حبكة، حوار، شخصيات، زمان، مكان) فضلا ً عن عنصر الحدث الذي يعد العامل الاساسي والمحرك لعجلة جميع المفردات المذكورة،، وقبل الخوض في تفاصيل العرض المسرحي إتضح وعلى لسان عدد من المشتركين في الأعمال السابقة لهذه الفرقة أن ثمة خلاف مادي كان قد حدث في وقت سابق من تاريخ الفرقة وناجم عن صراع حول الغنائم، حيث عادة ما ينبري وجهاء الجالية الشيعية بتقديم التبرعات السخية لهذا النوع من العروض الطقسية، وليس لتلك العروض التي إعتدنا على مشاهدتها في معاهد الفنون الجميلة وأكاديمياتها التي تحاول أن تقدم خطابا ً مسرحيا ً يتلاءم مع ضرورات عصرنا الراهن،، ولو تأملنا النهضة الإسلامية المباركة التي حققها سيد الشهداء وأبو الاحرار الإمام الحسين (ع) نستنتج أنه لم يكن يلحظ من وراء ثورة عاشوراء إلا العمل بالتكليف الإلهي الذي ينحصر في شيء واحد وهو رضا الله تعالى وهو من أرقى الكمالات الإنسانية التي لا يصل إلى قمتها إلا المطهرون عن الرجس بنحو مطلق، والمهاجرون إلى الله تعالى يخطون خطاهم ويستضيئون بنورهم، وبما أن الله تعالى هو غاية الجمال فالسالك إليه يرى كل شيء فيه رضاه تعالى جميلا ً، وإنطلقت أحداث العرض الذي نحن بصدد الحديث عنه من حيث واجه الطاغية عبيد الله بن زياد أولاد مسلم ومن معهم، من هنا أراد المؤلف والمخرج توظيف الفكرة مع كادر عمله محاولين كشف الوجه الآخر لبني أمية والتشهير بزيد بن معاوية عليه اللعنة، على نحو خاص والمواقف البطولية لأولاد مسلم ومن تم إقتيادهم أسرى إلى الكوفة والشام، ولكن فريق العمل لم يوفق في الوصول إلى ما يمكن أن نطمح إليه من بناء رؤية ناضجة تفتح الباب لمزيد التفاعل العقلي والروحي للمتلقي / فكما هو معلوم أن المسرح لا يمكن أن يقدم أي نص بمعزل عن الرؤية الفنية الإبداعية والفن عموما ً والمسرح على وجه الخصوص ليست مهمته مجرد طرح محاكاة شاحبة للحياة، وإنما هي هي مهمة تنطوي على تقديم شيء أكثر عظمة وأعمق تعبيرا ً من الحياة نفسها، لذلك جاء النص مفككا ً ولم يستطع المخرج أن يقدم الفكر الحسيني إلى المتفرج بأسلوب يخاطب بآليات الجمال الفني إنطلاقا ً من حقيقة الإنفتاح والتسامح، وظل الخطاب ليس سوى حالة طقسية حسينية إرتكزت على عامل الشحن العاطفي عبر (اللطم، والضرب بسلاسل الحديد) فضلا ً عن نواح (الملايات) اللأئي يتم زجهن في مثل هكذا عروض للمرة الثانية على التوالي في محاولة لمناغاة عواطف الجمهور، مستغلا ً بذلك أحداث المجزرة الأليمة التي واجه خلالها سيدنا الحسين (ع) قوى الطغيان لمتمثل في المؤسسة الحاكمة وقتذاك، ولا بد من القول إن الإنطلاق من الهاجس الآيدلوجي المحض على حساب المعيار الفني ضمن العمملية الفنية يضعنا في موقف حرج أمام العملية الكتابية الإخراجية، وينبغي على المؤلف الحفر في الأعماق لا أن يتعاطف مع شخصياته، لأن تعاطفه ذلك قد يدخله في مطبات عديدة مما يجد نفسه راكضا ً بل لاهثا ً وراء شخصياته التي رسمها على الورق الأبيض، ويجمع مجمل المهتمين بالشأن المسرحي أن النص لا زال يمثل العمود الفقري للعرض حتى بالنسبة لعروض ما يسمى بمسرح الصورة فالأخيرة يتم إشتقاقها من وحي النص ومن ثم تبدا ً عمليات تأسيس الرؤية وفق مسرح الصورة، ومن ثم تأتي التفصيلات الأخرى، وتبدو بنية عرض (من يأخذنا إلى المدينة) قد فقدت بعدما أقحم المؤلف العمل بالعديد من المشاهد التي زادت من ترهيل النص وزادته تشوه ولو إستغل المؤلف النص بإعتماده على المادة التاريخية مرتكزا ً على قانون الدراما المعروف في وحداته الثلاث ومعززا ً متانة نصه بإيجاد حبكة متماسكة، وفضاء لللعب على المتاح من عناصر اللعبة المسرحية لكانت طبيعة العرض قد تغيرت، وفي معرض الحديث عن النصوص الدرامية التاريخية لابد من التذكير أن هناك الكثير من تلك النصوص كتبت بلغة رقيقة وأصبحت ذات قيمة كبيرة على حساب العرض في حين يمكن لفريق العمل إخضاع مادة النص المسرحي إلى حالة من التوازن تراعى فيها قيمة المعادل الموضوعي المرئي مع قيمة الحوار المسرحي للخروج بقيمة فنية معينة، ولإنعدام تلك المعايير ظلت أدوات العرض معطلة من تمثيل وديكور وأزياء وإضاءة دون تفعيل لدورها لخدمة فضاء العرض وخاصة في المشهد الأخير وهو مشهد تشيع الجثمان ومجاميع اللطم الذي إستخدمت فيه (الزناجيل) من قبل الممثلين، وقد يكون من إيجابيات العرض أنه أفرز طاقات تمثيلية جيدة مثل حيدر الياسري، سعد السماوي.