صالح كاظم من برلين: تحت عنوان quot;طفولة مريرةquot; أقام المصور العراقي المقيم في ألمانيا عباس على عباس معرضه الرابع في إحدى مكتبات فرانكفورت العامة، وذلك بدعم من منظمة quot;برو أسيلquot;، وهي منظمة إنسانية ذات بعد عالمي تهتم بشؤون اللاجئين. وقد سبق لعباس أن أقام معرضه السابق في العاصمة الألمانية برلين في quot;ورشة الثقافات quot; الواقعة في منطقة نويكولن تحت عنوان quot;التمر المرquot;، ذلك ضمن تطلعه لكشف الجوانب المؤلمة في الأوضاع العراقية الراهنة التي جعلت الإنسان العراقي معرضا لمختلف مظاهر الدمار التي زرعت بذورها خلال حقبة طويلة من الزمن، تحت هيمنة الأنظمة الدكتاتورية المختلفة التي توجت بالمرحلة الأشد قتمة في ظل نظام الدكتاتور صدام حسين. وقد تميز المعرض المقام في فرانكفورت في التركيز على ما يواجهه أطفال العراق حاليا من معاناة في ظل إنعام الأمن وإنتشار الفقر المدقع أثناء التجوال في هذا المعرض يجد المرء نفسه بمواجهة العديد من الأسئلة المتعلقة بطبيعة عمل الفوتغراف، ومن ضمنها: ماهو الفارق بين التصوير الذي يطمح أن يكون أرفع من الذكريات الشخصية و بين اللقطات السريعة للصور السياحية المنتشرة في الشبكة العنكوبية بفضل إنتشار الكاميرات الرقمية؟
ربما يمكن إعتبار ما قاله الفنان الفرنسي الكبيرهنري كارتيه بريسون أجمل ما قيل في هذا الصدد: quot;عين المصور تنظر من خلال العدسة وهي مفتوحة على سعتها، أما العين الأخرى، المغمضة، فهي تنظر في روحه.quot;
من هنا فأن روح المصور هي التي تبعث الحياة في الصورة. تطبيقا لهذه المقولة على صور عباس فأننا سنجد أنها تعبر عن نظرة إنسان قضى عشرات السنوات من عمره في غربة لم تكن من إختياره الى الواقع الجديد في بلده. فالعين التي تنظر من خلال العدسة هي عين مستغربة: عين تراقب أطفالا يعيشون في ظل الظروف المدمرة للحرب ويؤدون أعمالا ربما يعجز عنها الكبار، كما ترى نساءا يتحدين الحرب والبؤس ورجالا يسعون لتجاوز الموت من خلال العناد. أما العين الأخرى التي تنظر في الروح فأنها تضفي على الصور شاعرية خاصة أكتسبها المصور خلال إقامته الطويلة في ألمانيا، وهي شاعرية تنسف بؤس اللحظة العابرة وتشير الى أمل ربما يبدو بعيدا.
فوق هذا فأن المصور على وعي تام بأن إنعكاس الواقع في العمل الفني هو عاجز في النهاية عن تغيير هذا الواقع. لذا فأنه يتجه للمشاهد دافعا إياه للتسلل الى جلدة من صورهم خلال رحلته المتعبة إلى مدينته المحببة بغداد، ليمس جانبا بسيطا من الكارثة. ورغم حضور الحرب في كافة الصور، غير أن هذا الحضور حضور هاديء، يتجلى في حركة يد أو في نظرة ضائعة، أو في تحد يطل من عيني فتاة تحدقان في الفراغ.
من جهة أخرى نجد للمدينة حضورا آخر في الصور: بغداد مدينة الأسواق القديمة والمقاهي التي يلتف حولها نهر دجلة بكل رونقه مثل عاشق يتوسل لحبيبته.
ولا يخفي المصور أنه يستخدم إضافة الى الكاميرا الرقمية، كاميرا تقليدية أيضا، بشكل خاص في تصوير quot;البورتريهاتquot;، ولا يستخدم الصور الملونة إلا فيما ندر تأكيدا على أحد المبادئ الأساسية في التصوير المتمثل في إستخدام الظل والضوء لإبراز الطابع الدرامي للصور.
أن الغور في أعماق التصوير الفوتغرافي يتطلب الكثير من الحرفية والحس المرهف. فالتصوير هو كما تقول المصورة الألمانية ألموت آدلر هو: quot;كتابة بالضوء وعزف بالألوان ورسم بالزمن ونظرة مليئة بالحب.quot;
وهذا ما يتجسد في أغلب الصور التي أحتواها المعرض الذي سيستمر قائما حتى نهاية العام الحالي منتصف الشهر القادم في:
Nordwest Stadtbibliothek
Nidaforum 6
60439 Frankfurt/Main