أقرأ آيات النثر الرحيم على الأرواح المسكونة بالأشكال، وانتحل من الشمس أعذار الغياب، أمتشق جذع الغريق وانتصب صنوبرا في وجه الخواء، البارحة قال لي وحيي في الهزيع: ازرع نفسك مواسم غيث وربيع، أعزف نبضك ألحان نسيم ينتعش بك ضيق المكان، انشر روحك بساطا للآتي على صهوة البريق، بلهفة الغريب، أرفع تراتيلك شجن ناي مقتحما المدن الجميلة، مدن يعتريها حزن ودهشة، يطوّق خصرها العذاب، تستحيل سلام ناسك تجالسه المسافة، تستحيل الشاردة إلى ذاكرة في حلقات راهب. أرسل نارك قيثارا يستحيل سلاما وجمال، يستحيل زهدا في الحياة بما مضى و ما سيأتي، اقتحم المدن الجميلة التي تحتويها السكينة ويستلذها العذاب. أرمي خلفك هشيم الفراغ غنيمة لنار الغربان والبوم، حصاد الأصوات و النقيق. أقرأ آيات النثر الرحيم على الأرواح المسكونة بالخلاء وارتسم وشما على جسد الرحيل، أنتفض شعاعا من منتهى الوجع، أخترق تماثيل اللعنة الراقدة في مرايا الضباب، خلف الخديعة و الخطيئة تدس خنجرها الذهبي. حطّم صنم الحكايات الواهية الموغلة في الأكاذيب. البارحة قال لي وحيي في الهزيع: أقرأ آيات النثر الجميل، إن الأجساد العفنة تتقاسمها الأشكال كما الصور، تسجنها الأهواء وتحاصرها الرغبة، اقرأ آيات النثر الجميل وبداخلك صنعة الله، خير وشر؛ إن الداخل ترتسم فيه حدود الأهواء و الكبح، إن الهلاك ليرقص شطحات منتحرة فرحا، شرسا بخناجر يأس وقنوط؛ بانتصار تعلوه أعلام الضياع ووعود الغرور. إن الاندفاع فخ الرغبة متزوجة الاستعجال. أذعن للأمر الإلهي كما أذعن الملكوت، تختصر الرؤيا، ترى بنور الله، أذعن جسدك، أجعله شراع، عرّج في علياء الصفاء و الطهر، تحرر من قفص النشوة و الرعشة المميتة، وهل الرعشة غير تعدي الجسد حدود الروح؟ وتعدي الروح حدود العقل.؟ طر واترك السجن المفتوح الأبواب؛ إن الطريق السليم فرار بوحدة؛ إدراك حكمة، تختلس هي النظر شفقة بالعبيد، المخطئون؛ نسينا المصابيح في غيابات الليل؛ قال لي البارحة وحيي في الهزيع: ألحق ذاك الضياء، اتبعه، فيه صفاء، منتهاه نبؤات ورؤى؛ منتهاه شفاعة وفلاح. إن الجسد ليركع ليصير عابدا مخلصا بولاء حرب، أغرز في قلبه رمح صوم قاتل. أقرأ آيات النثر الجميل على الأرواح المسكونة بالأشباح و أرقب بيقين فتح الصباح. قال لي البارحة وحيي في الهزيع: إن السلع لكثيرة متعددة كما الأسواق و إن للأسواق لمداخل كثيرة عليها الحراس يأخذون المكوس، أدخلها لترى الخيام المنتصبة والأعلام معلنة الحرب. إن الباعة كثيرون كما البضاعة، إن الأصوات لتتصاعد مخترقة حرمة الفضاء كأنها رؤوس المفاتيح، نداء الباعة بعناوين وشعارات داخلين بها عقول الأغبياء بسلام آمنين. كسّر المعتاد و ألبس الصراحة، أجذع أنف النفاق و تكلم هادئا، السوق عرض و طلب من لم يشتري اليوم يشتري غدا. استمع لآيات النثر الحنين؛ قال لي البارحة وحيي في الهزيع: توجّع دون رثاء لحكا يا الأيدي المتسخة مسببة الشقاء، إن بدر كبرت في قلبه بدرة وبدر قتله غول الفناء، أمانيه هباء فغدا معذب السنين، هجرة وترحال وتيه و انفصال، صار وافر الرؤية المريعة. مثل زهر التي ماتت في حضن أسره زهرة. قال لي البارحة وحيي في الهزيع: أغنية الشحرور أفسدها البوم، تمنت البوم لو يظل الليل دون بزوغ الصباح لتحي على صوتها، تمنى الصياد لو يظل النهار حتى تشبع رصاصاته من ريش الطيور الجميلة، تمنت الكلاب لو يظل الصياد باحثا عن مخابئ لتشبع أنوفها شماتة في الطريدة، تمنت الذئاب لو تتوغل الكلاب للغابة أكثر لتذل أنوفها الواشية، وتمنت الحشرات لو تكثر الجيف حتى تشبع الأرض بسماد الجثث لتصير سخية على الشجر و النبات، تمنى العصفور لو ينمو جذع الشجر ليناطح السماء ليرى من خلاله حقول القمح و الشمس. قال لي وحيي البارحة في الهزيع: كن ابن آدم كما خلقك الله إن لم تنبت نباتا حسنا فلا تزهر ومضى للرحيل.
- آخر تحديث :
التعليقات