يزيِّف ترجمتي ويدوس آداب المهنة بقدمه

( لم يكنْ في خلدي كتابة هذا الردّ، ولكن بعد أن نشر الزبيدي مقاله في إيلاف نشره في مواقع أخرى، لتضليل القراء على مدى أبعد، لتشويه سمعتي، وجدت من الضرورة أن أكشف الزيف والأباطيل وخيانة الأمانة الأدبية والمهنية.) بعد أنّ نبّهت د. عادل صالح الزبيدي إلى الأغلاط النحوية واللغوية في ترجمته قصيدة لورد بايرون (تسير في بهاء) بكلمة قصيرة ونشرتُ الترجمة الصحيحة لها مع النص الإنكليزي تحت عنوان (تتمشّى في جمال) دون أن أشير إلى تشويهه النص الأصلي في ترجمته، ولكني طلبت من القارئ الملم باللغة الإنكليزية أن يجد انحراف الترجمة عن النصّ، فقد كنت مؤدباً ولم أُرِدْ تثبيط عزيمته عن الترجمة . ولكني لم أكن أحسب أن (كبرياءه) قد جُرحت إلى حدّ الانتقام القذر.
ذلك بعد أن نشرتُ في إيلاف مقالتي ( مقارنة بين ترجمتين) بتاريخ 7 آب، نشر مقالة أو (نقداً) على ترجمتي قصيدة (قبلاي خان) للشاعر الإنكليزي صموئيل تايلور كولريج دون أن يدافع عن ترجمته الخاطئة لبايرون. ويظهر أن الزبيدي سهـر لياليَ عشراً طوالاً أو أكثرَ ينقّب في ترجماتي الكثيرة فـوجد هذه القصيدة المعقدة بعض الشيء فظنّ أنّه حصل على ضالته، فاختار هذه الترجمة وجاء بمقال حاقد متناقض نشره في إيلاف بتاريخ 20 آب . إلى هنا يكون الأمر طبيعياً وعادياً . بدأ مقاله (كيف نترجم الشعر) بمقدمة طويلة سبقـتُـه في ذكر مبادئها في مقدمة كتابي (ستـون قصيدة ألمانية) ndash; المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ 2006 بيروت. وإلى هذا قد يكون الأمر عاديّاً أيضاً . ولكن الدافع إلى (انتقاد) ترجمتي لم يكن أمراً عادياً، حيث يقول. quot; ولن أخفي على القارئ إن أحد أسباب اختياري إياه (يعنيني) هو انه تناول إحدى ترجماتي الشعرية بالنقد وبشيء من التجريح(انظر مقاله المنشور في موقع إيلاف: ( مقارنة بين ترجمتين ) الذي ربما يكون قد أزعجني قليلا، إلا إنني في الواقع ممتن له شديد الامتنان لأنه نبهني إلى أغلاط في ترجمتي فتداركتها بالتصحيح وقمت بنشر النسخة المنقحة في بعض المواقع الالكترونية.quot;
وهذا صحيح أيضاً، ولكني لم أتناوله بالتجريح، كما ذكرت آنفاً .
جاء انتقاده مضطرباً، فإذا ترجمت الكلمة حرفياً قال : إنها القاموس والجمود، وإذا تصرفت بها، قال إنها غلط وأين أمانة النص. فحسب رأيه عن الأفكار الخاطئة في ترجمة الأدب هي (ترجمة الأفكار والمضامين وليس الكلمات)، وهو بهذا يعني وجوب ترجمة الكلمات كما جاءت . ومن ناحية أخرى يقول (تقديس النص علة من علل الترجمة الرديئة) ! وفي مكان آخر يعيب عليَّ عدم الالتزام بالنص . ولكن العلة في مقالته هي عدم أمانته، ذلك أنه أخذ يختار كلمات يستقـطعها من الجمل ويترجمها منفصلة عن جملتها، وهو يعرف تماماً أنّ معنى الكلمة يعتمد على الجملة التي تتضمنها :
فهو لا يذكر النص الأصلي للجملة .
ولا يذكر الترجمة الكاملة للجملة .
ولم يذكر القصيدة كاملة ولا النصَّ الإنكليزي.
فهو بهذا العمل يشوِّه الترجمة ليضِّلل القارئ ويجعله يعتقـد بخطل ترجمتي.

وسأكتفي بذكر بعض الأخطاء والتزييفات التي قام فيها :
1. مثلاً يعتقد اعتقاداً جازماً أن كلمة (خلال) زمنية وقد استعملتها ترجمة لكلمة through المكانية، وهذا برأيه خطأ حيث يقول ( يصر على استعمال quot; خلال quot; الزمنية للدلالة على through المكانية )، واقترح تغييرها بكلمة (عبر) وقد فات هذا الجهبذ أنَّ كلمة ( خلال ) مكانية أيضاً مثل (فجاسوا خلال الديار)، وأنَّ كلمة (عبر) مرادفة لها، من خلال كذا، أي عبر كذا (القاموس المحيط) أو ساروا خلال الأزقة أي حدودها .
2. يحسب مثلاً ترجمتي كلمة Pleasure بـ(مرح) غلطاً، ويترجمها بـ(متعة أو أنس)، فهل ثمّة فارق كبير بين هذه الكلمات؟
3. ذكر كلمة ((incense وهي تعني البخور، فيستغرب كيف ترجمتها بـ( أشجار عطر ذاكية) وهي بخور؟ ولكنه لم يذكر ابتلاعه الكلمتين التاليتين في النصّ متعمداً وبهذا خان أمانة المهنة، ليجعلني أمام القراء مترجماً خطأ كلمة incense بـ(أشجار عطر ذاكية)، والنصّ هو :
incense-bearing trees
اقتطف منه incense فقط وخطّأني فيه!
4. لم يكنْ أميناً أيضاً في نقل ترجمتي (قديمة جداً كما التلال) واستغرب من أين أتيت بكلمة (جداً) وهي غير موجودة في النصّ فهو يريدها هنا حرفياً.
5. يستغرب كيف ذكرت كلمة (نبات) والشاعر يقصد بقعاً مشمسة خضراء، وهنا أيضاً لم يذكر ترجمتي الكاملة ( بقعاً مشمسة من نبات أخضر) متعمداً كمن يوحي للقارئ بأني ترجمت النص بكلمة (نبات) فقط، ولم يذكر النصّ الأصلي الذي يقول Sunny spots of greenery، فكلمة greenery تعني نباتات خضراء (المورد).
6. يأخذ علي أنني ترجمت ancestral غارقة في القدم، أليس الأسلاف غارقين في القدم، فلم الترجمة الحرفية إذاً، أهي غلط حقاً ؟
7. يعيب عليّ أنني ترجمت sunless بـ(لا شمس له) وهي مجاز، أي من دون شمس، فما الضير في ذلك يا ناصب المجرور ؟
8. يقول هذا الفطحل الذي يكتب (يختلب الألباب) بدلاً من (يخلب الألباب) ndash;
quot; لم يفهم المترجم أن ثمة صيغاً في اللغة الإنكليزية (كما في العربية) تدل على الجمع وهي في حالة المفرد quot; كيف عرف أني لا أفهمها، بينما ترجماته ملأى بهذا النوع من الأغلاط؟ ولكنه كما قالت العرب قديماً : رمتني بدائها وانسلّت ndash;
9. يقول : quot;المترجم مثلما لم يفهم كلمة measurelessquot; . حقاً إنَّ هذا مدعاة إلى قهقهة لأني لا أظن أن طالب ثانوية لا يعرف معناها.
10. وكمثل آخر على غرار (لا تقربوا الصلاة ) وبَـتْـرِ (وأنتم سكارى) يقول هذا الصادق الأمين إنني ترجمت quot; Ran down to بـ(جرى أسفل إلى) وهي ترجمة حرفية من القاموس وهي بلا معنى quot; ويخون الأمانة مرة أخرى هذا الفلتة في اللغة العربية الذي يكتب (التضاليل ) والمراد (التظاليل)، حيث لم يذكر الترجمة كاملة ولا النص الأصليَّ أيضاً وهما :
حيث جرى النهر المقدس، ألف،
خلال كهوف لا يستطيع الإنسان تحديدها،
أسفل إلى بحر لا شمسَ له.
Where Alph, the sacred river, ran
Through cavern smeasureless to man
Down to a sunless sea.
فالنهر جرى أسفل إلى بحر (هل فهمت المعنى الآن؟)
فليـرَ القارئ خيانة الأمانة لغرض الانتقام!
ربما كانت هناك هنات في الترجمة، ولا ترجمة خالية من الهنات لأي مترجم كان، فالكمال المطلق غير موجود، ولكنها لا تؤثر كثيراً على جمال الترجمة . ولكن طول مقاله يوهم القارئ بأن ثمة أخطاء كثيرة، وهو ليس سوى ثرثرةِ عاجزٍ عن إيجاد أغلاط هامة، ففشل، فأخذ يدور ويدور ويتحرق غيظاً.
أنا آسف جدّاً لكشفي أخطاءه في ترجمته قصيدة لورد بايرون ليقوم بتصحيحها ونشرها من جديد، وكان المفروض أن أتركه، كالسامريّ الذي ذكره المتنبي في شعره، سخرية للقراء الذين سيأخذهم العجب من أستاذ جامعي يدرِّس الأدب ولا يميِّز بين الظاء والضاد وينصب المجرور ويترجم (الغداف في الغدائر السوداء) ولكنه يدّعي الترجمة الفذة بحس شعري مرهف!
كان الأولى به أن يدافع عن ترجمته الخاطئة لقصيدة بايرون أولاً، إن استطاع، وينشر ترجمته لهذه القصيدة ثانياً لامتلاكه حسّاً شعريّاً مرهفاً يتبجح به دوماً لهذه القصيدة مقابل ترجمتي إياها مع النصّ الأصلي، ليحكم القارئ بينهما، كما فعل عبد القادر الجنابي في انتقاده ترجمة شاكر لعيبي المنشورة حالياً في إيلاف لأنها الطريق الصّحيح حتّى لا يكون القارئ في ظلام.

كلمة أخيرة أحب أن أقول إنه اتَّهمني بالجهل عدة مرات مثل قوله : تنم عن جهلي باللغتين، ترجمة تؤكد جهله، جهل المترجم بأدواته اللغوية، لم يفهم المترجم، المترجم مثلما لم يفهم معاني كلمة ..إلخ اتهامه هذا ليس من صميم آداب المهنة قطّ، ولكني لا أكترث به، وقد قال المعري قبل ألف سنة :
وعَـيَّـرَ قُسّـاً بالبلادة باقـلُ

وتعليقي على ذلك : إذا كنتُ بهذا الجهل كما يدّعي، فكيف صحّح أغلاطه الشنيعة من تنبيهي إيّاه وكان ممتنناً أشدّ الامتنان، كما اعترف في مقالته المزيِّـفة للحقائق والمضلِّـلة للقراء، أليس هذا يعني أنه أجهل مني حسب معياره الخطل! من عادتي أنّني لا أردّ على مقال كُـتِب بسوء أدب، ولكنّ كشفَ الزيف والتزوير ضرورة لا بدّ منها.
ومن استهانته بآداب المهنة يكتب سخرية هذه الجمل التي تخل بآداب الترجمة وكرامة الإنسان.
(أهي أنابيب التصريف الصحي لمدينة نيويورك؟) انتهى الاقتباس. وكذلك حين قال: (ناسيا شعار الأمانة الذي يرفعه دائماً). فهو يستهزئ في الأولى ويسلبني من الأمانة الأدبية دون حياء، وكل ما في الأمر أني أمطت اللثام عن أغلاطه بكل أدب
فكان الهيجان والانتقام .

قسُ بن ساعدة من أفصح خطباء العرب في الجاهلية وباقل شخص بليد جداً.

تنبيه من المحرر: بما أن النقاشهذابدأ أساسافي إيلاف،من اللياقة واحترام الخصم، عدم اعادة نشر هذه الردود في أماكن أخرى، وإلا سنضطر إلى حذف كل الردود وعدم نشر أي رد آخر...